الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التحرش الجنسي لا يعرف الأعمار...؟؟؟؟/بقلم راسم عبيدات

في سياق تعريفنا وتقديم أنفسنا للعالم بأننا "خير أمة خرجت للناس"،ولا أظن ولا أعتقد استنادا إلى ما نشاهده ونراه ونلمسه من أفعال وتصرفات وممارسات هذه الأمة يجعلنا متيقنين أن هذه الأمة هي التي تحدث عنها القرآن الكريم،فهذه الأمة فيها كل المواصفات إلا القول أنها "خير أمة أخرجت للناس"،فعندما على سبيل المثال نتحدث عن ظاهرة طارئة أو دخيلة على أخلاق وقيم وعادات وتقاليد أمة ما،فهذا يعني أنها غير متجذرة ومتأصلة فيها،وهي موجودة بفعل الفرض والإكراه،ولكن ما نجده في مجتمعاتنا العربية عند حديثنا عن ظاهرة التحرش الجنسي،فإن هذه الظاهرة أولاً تعبير عن عمق أزماتها الاجتماعية والجنسية،وهي مستحكمة ومتجذرة فيها،وهي نتاج لتلك الأزمات وهي ليست مستوردة أو طارئة بفعل العولمة والتقدم التكنولوجي أو انتشار الإباحية والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي،كما يحلو لنا في إيجاد الذرائع والمبررات لتبرير وجود وانتشار مثل هذه الظاهرة،فهذا التبرير أسهل وأقصر الطرق وليس بحاجة إلى استخدام العقل والفكر في عملية التحليل والوقوف على الأسباب الحقيقة الكامنة خلف وجودها وانتشارها كظاهرة مقززة ومقيتة ومسيئة،وعند النظر لتلك الظاهرة بعمق،نجد أننا غير قادرين بحكم طبيعة مجتمعاتنا الأبوية التي يعظم فيها الدجل والنفاق ويحجر فيها على العقل والفكر وعدم الاعتراف بوجود الأخطاء والسلبيات المدمرة والتي قادتنا الى ما نحن فيه من ذل وهوان وانهيار،ورغم ذلك كنا نحول كل هزائمنا العسكرية والسياسية الى انتصارات ورقية،كيف لنا ونحن نقدم أنفسنا كأمة ورع وتقوى وحصافة وعفة وأخلاق أن نعترف بوجود هذه الظاهرة عندنا،ونحن نتهم بها غيرنا ونستخدمها كحجة وبرهان على فساد وانهيار المجتمعات الأخرى ؟؟،وعند الغوص الجدي في أعماق ومسببات تلك الظاهرة وتحليلها بشكل علمي بعيداً عن استغلال المشاعر والعواطف والتوظيف السلبي للدين،نجد أنها نتاج عدم وعينا وحصانتنا ومناعتنا الأخلاقية والتربوية والثقافية والفكرية،وأنا أرجح كما أن شوارعنا  وعواصمنا العربية ستبقى رائجة فيها أسواق وتجارة البسطات،كما ستبقى فيها مستمرة ومتصاعدة ظاهرة التحرش الجنسي،وهي التي تستهدف الأنثى كأنثى كاسية أو عارية،محجبة او منقبة كبيرة أو صغيرة،والمأساة والطامة الكبرى عندما تجد أولاد مراهقين يتحرشون بنساء بجيل أمهاتهم أو أكبر منهم بسنوات،وفي أكثر من عاصمة عربية كانت ظاهرة التحرش جماعية وعلانية وفي الساحات العامة،ولم يكن الدافع لها لا العري ولا الإغراء ولا الإثارة،بل كانت عمليات التحرش تطال بنات ونساء حتى المحتشمات والمحجبات منهن،وهذا مؤشر على أن العملية التحرشية،تعبير عن وجود جوع ونهم جنسي مزمن،والعملية التحرشية لم تعد مقتصرة على الألفاظ والحركات الخادشة للحياء والماسة بالكرامة،بل تتعداها في العديد من الأحيان الى قيام البعض لاستعراض فحولتهم في مناظر مقززة أمام النساء،وهي تعبير عن انحطاط ما بعده انحطاط،أو القيام بلامسة أجساد النساء والتحرش بهن جسدياً بطرق يندى لها الجبين في حافلات وتكسيات النقل العام،وهنا تتجلى الغرائز الحيوانية والبوهيمية بأقذع أشكالها وصورها،وعندما تتحدث زميلة صحفية كما كتب أحد الصحفيين عن أن أحد ركاب حافلة نقل عام عندما كان يلوح لها بورقة عشرة دنانير من شباك الحافلة من أجل أن تصعد وتجلس بجانبه،كم شعرت بالخوف،فهذا مؤشر الى أي مدى وصل انحطاطنا وجوعنا ونهمنا الجنسي،وفي كل شوارعنا وعواصمنا وأزقتنا فإن الأنثى مشروع تحرش،وهذا ليس له علاقة لا بلباس ولا باحتشام فالأنثى كأنثى مستهدفة،وفي شوارع أوروبا او حتى دولة الاحتلال،لا تجد أفواج وزرافات وقطعان الشباب التي تنتظر فرائسها،ناصبة الكمائن في كل ناصية شارع وزقاق ومتحفزة للهجوم والانقضاض على فريستها،بل تجد بنات ونساء أقرب إلى العري لا أحد ينتهك خصوصيتهن ولا يتحرش بهن لا جسدياً ولا لفظياً،حتى أنك تجد من يتعانقون ويتبادلون القبل،أو يحتضنون بعضهم البعض في أوضاع حميمية دون أن يلتفت إليهم أحد،اللهم إلا إذا تواجد عرب ومسلمين هناك،فنجد أننا بحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ والاستنفار العام.

علينا أن نعترف أولاً إذا أردنا أن نصل إلى شوارع خالية من التحرش او البسطات،بأن لدينا مشكلة عميقة جداً،ولا ينفعنا أو يفيدنا الحديث عن أننا خير أمة أخرجت للناس،فالذي يحكم علينا هو سلوكنا وأخلاقنا وعملنا في أرض الواقع وليس مجموعة فروض نؤديها كشعائر منفصلة عن الواقع،نحن نعيش أزمة عميقة جدا جداً اجتماعية وجنسية،نتاج ثقافة جهل وتخلف ومواريث اجتماعية بالية،ومجموعة من الدراويش والمأزومين ينصبون من أنفسهم علماء وشيوخ ورجال افتاء يسيئون للدين والمرأة وكل ما له علاقة بالعروبة والإسلام،ولن تخلو شوارعنا من ظاهرة التحرش والقطعان المتحرشة إلا عبر حركة وعي وتثقيف ومعالجة جادة وحقيقية لأزمة نقر ونعترف بوجودها،أما إذا استمرينا في العمل والتعامل وفق سياسة النعام ندفن رؤوسنا في الرمال وجسدنا مكشوف،ونردد كالببغاوات بأننا مجتمعات تقاة ونساك وورعين،والقول ان  هذه المظاهر والظواهر غريبة ودخيلة  على مجتمعاتنا،فإن تلك الظواهر والمظاهر ستتفاقم وتتزايد،فنحن شاهدنا في أكثر من مرة ومناسبة بأنها جرت وطالت النساء علناً وجهراً في الأماكن العامة،وعدم التصدي لها ومعالجتها من جذورها عبر عملية تربية وتوعية وتثقيف جدية،فإن الأمور ستصل بالنساء الى ما وصل إليه حال نساء المسلمين عقب الهزيمة في معركة أحد،حيث أصبح الكفار يتحرشون بهن علناً وجهراً في الشوارع العامة،وهذه المرحلة عندنا ليست بالبعيدة،فأية أنثى يقودها حظها العاثر للتأخر في الدراسة أو العمل ليلاً،فهي لن تنجو من عملية تحرش سواء من المارة أو سائقي الحافلات والتكسيات،وهي من لحظة خروجها من جامعتها أو مدرستها أو عملها،تبدأ الاستعدادات لمثل هذه المعاكسات والمعارك،وهي في داخلها تلعن اليوم الذي وجدت أو ولدت فيه في مثل هذه المجتمعات المصابة بداء الشيزوفرينيا في كل شيء.
وأنا أعرف أنها في داخلها تصيبها حالة غثيان ودوار،وتتساءل لماذا تستطيع أن تعيش بحرية وأمان في أي من تلك العواصم التي نقول عنها بأنها عواصم للفجور والدعارة،وفي عواصمنا تطاردها ذئاب بشرية من أجل أن تلتهم جسدها رغماً وقسراً عنها.
القدس- فلسطين
 
[email protected]

2014-04-09