الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
زمن خريف التساقط العربي ...تميم منصور

زمن خريف التساقط العربي تميم منصور لا أعرف لماذا خطرت على بالي الأغنية الجماعية التي انطلقت خلال الانتفاضة الأولى " أجيال ورا أجيال " لتؤكد أن الاجيال موجودة ، لكن الضياع يتغلغل وينخر كالسوس في عظام القهر العربي .

ان حالة الضياع العربي عامة والفلسطيني بشكل خاص ، أفقدتنا الكثير من ذاكرتنا ، ووضعت الاجيال الصاعدة أمام تساؤلات كثيرة ، من هذه التساؤلات : لماذا هذا الضياع ؟! ومتى بدأت الهزيمة الأولى التي انعكست على الفلسطينيين ؟ وهل هزائم الفلسطينيين انعكست على قطاعات كبيرة من الشعوب العربية ؟

 

بالتأكيد أن الباحثين سوف يحتاروا عندما يحاولون البحث عن المحطة الأولى التي انطلق منها قطار التراجع والتخلف والهزائم التي أوصلت فلسطين وشعبها وقضيتها الى طرق مسدودة ، وأوصلت أمة بكاملها الى فقدان الإرادة والكرامة . محطات هزائم العرب كثيرة هل بدأت مع ظهور الحركات الوهابية وقريناتها من الحركات التكفيرية ، التي ساهمت في وقف نمو التطور والتحضر العربي ؟ أم عندما بدأت بريطانيا وفرنسا ، ومن بعدهما أمريكا بصنع قيادات عربية خائرة رجعية تابعة ، جذورها الاتنية والفكرية امتداد لسلالات العشائر والوجاهات التي خدمت الاحتلال العثماني ، وساعدته في اطالة عمر سيطرته على غالبية الأقطار العربية .

كانت في أوروبا سلالات ملكية وقيصرية متجبرة ، لكنها اندثرت لأن الشعوب هزمتها وتخلصت منها ، مثل سلالة فل هاوزن وسلالة هندنبرغ وهبسبيرغ وغيرها . هل بدأت هذه الهزائم بعد حصول الاقطار العربية على الاستقلال ، والدخول في متاهات جامعة الدول العربية وانفاق الانقلابات العسكرية المظلمة التي حطمت اقتصاد هذه الدول وصادرت كل معنى من معاني حرية التعبير والديمقراطية . هزيمة الانقلابات العسكرية حاصرت الشعوب العربية ومنعتها من التقدم مع الزمن ، وصادرت نموها العقلي والاجتماعي والحضاري ، صادرت طموحها وشجاعتها لرفض الظلم والاستبداد ، وزادت من قوة واستبداد حكامها .

لولا هذه الميزات السلبية لما بقي حسني مبارك 30 سنة في الحكم ، ولما بقي القذافي 40 سنة في السلطة والملك حسين 40 سنة ، واسرة آل سعود 250 سنة ، وآل الصباح وآل ثاني وقابوس وغيرهم عشرات السنين . من غير الممكن أن تبني هذه الأنظمة مجتمعات قادرة على مواكبة الحضارة والتطور في أبو ظبي ودبي وغيرها من الامارات لم يتمكن البدو الغلاظ والاجلاف من الانسجام والتماثل مع المشاريع العمرانية التي أقامها الامراء ،لم يتذوقوا مثل هذه المشاريع ، واتضح انها اقيمت خدمة للأجانب من الاوروبيين ، واقيمت لتجار البورصة والنفط ولجنود وضباط القواعد الامريكية والبريطانية . من حق كل فلسطيني ليس التطلع الى الحاضر المقيت الذي يعيشه ، من حقه قراءة كل ملفات الصراع ، لمعرفة أين هي المخططات التي أدت الى وقوف القضية الفلسطينية أمام هذه المفترق من الطرق وهذه الاشكاليات والتباين والانقسامات هذا يدعم الحد الادنى من الحلول السلمية ، والآخر بالانتفاضة والثالث بقوة السلاح والرابع انتظار الجامعة العربية وعطف الدول الكبرى . لا يوجد نهج وبرنامج او خطة محددة تحظى بإجماع غالبية الشعب الفلسطيني ، لم يعد غالبية ابناء هذا الشعب يعرفون اين البداية ومتى النهاية لمأساته ، اختاروا الكفاح المسلح ولم يكملوا المشوار ، اختاروا اوسلو فتحول الى كارثة وانشقاق ، اختاروا المفاوضات فانقلبت وتحولت الى تحويل الاحتلال من عسكري الى استيطاني . يجب ان نعترف بأن الحركة الصهيونية نجحت في مشروعها الكولونيالي بإقامة اسرائيل . نجحت لإنها كانت ولا تزال تتحرك ضمن برامج وخطط مدروسة ، تملك علماء النفس والسياسيين ، تملك الأموال والعلم ، استخدمت كل هذه الاسلحة في تعاملها مع العرب ومن ضمنهم الفلسطينيين .

لقد عبر عن استراتيجية الحركة الصهيونية أحد قادة الارهاب السابقين في عصابة " الاتسل " ورئيس الوزراء فيما بعد " موشه شامير " عندما قال أثناء انعقاد مؤتمر مدريد في التسعينات من القرن الماضي ، قال لكي يطمئن المتطرفين ممن حوله ، سنبقى نفاوض ونفاوض الى ما لا نهاية ، كان يعرف ما هي أهمية عامل الزمن ، أنه النسيان والضياع بحاله ، بسبب الانقسامات والخلافات واليأس والتراخي والتفريط بالعديد من الثوابت . شامير كغيره من قادة الحركة الصهيونية ، يعرفون نفسية القيادات العربية ، النسيان والاستعداد بالقبول بالبدائل ، ومثلهم الكثير من الشعوب العربية والفلسطينيين الذين قبلوا بالتشريد وحولوه الى أمر واقع من شدة اليأس وتكالب السنين ، فالأجيال الجديدة ولدت وتربت في أزقة المخيمات ورأت بها وطنها ، لأنها يئست من فتح بوابات وطنها الحقيقي . الحركة الصهيونية كانت ولا تزال تعرف بأن نفق عامل الزمن سوف يزداد ظلمة في وجه الفلسطينيين ، ويعرفون بأن الاقطار العربية واهتمامها بالقضية الفلسطينية لن ولم تبقى على حالها ، سوف يتراجع الحماس الشعبي والرسمي لفلسطين وشعبها ، كانوا على ادراك بأن العداء لاسرائيل سوف يتساقط ويتراجع لأن امريكا وحلفائها ومعهم الصهيونية ، سوف يخلقون عدواً للعرب بدلاً من اسرائيل . لقد نجحوا في ذلك ، فقد صنعوا من ايران دولة معادية تشكل خطراً على العديد من الأنظمة العربية. وصدقهم الكثير حركات اسلامية سلفية ، فلسطينيين وغير فلسطينيين ، جعلوا من المقاومة اللبنانية خصماً وليس رديفاً لتحرير فلسطين ، وقد آمنت الحركات السلفية الاسلامية بذلك ، صنعوا عصابات من الارهابين والتكفيريين ، بهدف اشعال حروب أهلية في الأقطار العربية ، باسم الدين ، وجندوا لهؤلاء العلماء لمباركة حربهم ، كالقرضاوي والعريفي والسديسي وغيرهم ممن دخلوا في طوابير التفسخ العربي بالفتاوي والشد على أيدي الأنظمة الفاسدة . بعد كل هذا التداخل لم تعد اسرائيل هي الهدف ، لأن هذه القوى لا ترى بها دولة محتلة معتدية عنصرية . الحركة الصهيونية كانت تعرف بأن عامل الزمن سوف يسقط العديد من القادة العرب أمامها ، كما تتساقط اوراق الاشجار في الخريف ، وقد صدقت تقديراتها ، تساقط العرب عندما وقعوا اتفاقيات الهدنة مع اسرائيل عام 1949 ، نجحت اسرائيل ببناء نفسها طيلة سنوات الهدنة ، ونجحت باستقدام الملايين من المهاجرين اليهود اليها . في الحروب التي نشبت خلال سنوات الخمسين والستين والسبعين من القرن الماضي ، أكدت بأن العرب لم يتعلموا أي شيء من اخطائهم ، في عام 1948 اسرائيل كانت تدرك بأن هذا الفشل سوف يؤدي الى بداية مرحلة جديدة وموسم جديد من تساقط عدد من القادة العرب . فكان لها ما ارادت فقد تساقط السادات وسارع لعقد اتفاقية للصلح وانهاء الحرب ، وضمان حماية حدود اسرائيل ، هذا التساقط كان بمثابة صدور شهادة ميلاد جديدة لاسرائيل .

تساقط السادات أدى الى تقوية الدول التي تدور في فلك امريكا كالمغرب وتونس والسعودية والاردن وغيرها ، هذا التساقط ادى الى اغتراب الفلسطينيين اكثر ويأسهم ، لم يمض عشر سنوات على سقوط ورقة السادات ، وإذا بأوراق فلسطينية كثيرة تسقط في أوسلو ، وكان اوسلو شهادة ميلاد اخرى لاسرائيل ، لأنه بالنسبة للطرفين حل بدون حل ، انتظر الملك حسين بلهفة جفاف اوراق الفلسطينيين ، لأنها كشفت علاقته الحقيقية من اسرائيل ، فسارع الى الانقسام الى طابور التعاون مع اسرائيل ، وحول خطوط الهدنة معها الى خطوط دفاعية عنها . لم يمض وقت طويل واذا بخريف جديد جفت أوراق عربية كثيرة ، فجأة المغرب وتونس ومحميات الخليج والسعودية ، ولولا المقاومة اللبنانية ، لبقيت بوابة فاطمة رمزاً للتطبيع مع اسرائيل ، لم يوقف جفاف هذه الاوراق فهي تزداد كل يوم ، آخرها موافقة مصر على لسان أحد كبار ضباط المخابرات فيها ويدعى " اشرف الخولي " بأن مصر خاصة وحلفائها يوافقون على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصة لاسرائيل .

2018-01-09