الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحصان الفلسطيني وحيداً ....تميم منصور

  رغم التحيز المفضوح الذي تمارسه سلطة الرئيس الأمريكي ترامب ، ضد كرامة ومصير ومقدسات وحق الشعب الفلسطيني بالوجود ، رغم ذلك فأن غالبية أطراف الجسد العربي لا تزال مشلولة ، لم نسمع حتى الآن ردة فعل بمستوى الجريمة التي ارتكبها ترامب بحق الشعب الفلسطيني ، من أي اعلام عربي – أو مسلم – أو أوروبي – أو آسيوي – أو أفريقي ، نعم هناك معارضة وانتقاد باردين ، صامتين ،فقط اعلام محور المقاومة ، المتمثل في ايران وسوريا وحزب الله ، وبعض دول أمريكا اللاتينية وجنوب افريقيا ، عبروا عن رفضهم القاطع للخطوة التي ارتكبها الرئيس الأمريكي ترامب . أما الاعلام العربي الرسمي ، خاصة الاعلام المصري ، واعلام دول المغرب العربي والعراقي والسعودي والأردني ،

، فإن مواقف الأنظمة التي تمثل هذا الاعلام لم تتغير ، بقي متخاذلاً ، منافقاً ، مزدوجاً ، داعماً ومناصراً للسياسة الامريكية ، مرة باسم الدين ، وأخرى تعبيراً عن خيانة هذه الأنظمة ، لم نستمع الى تصريح زعيم عربي واحد حتى الآن ، فيه ادانة واضحة وصريحة للخطوة التي قام بها هذا الارعن الذي رضع من حليب الصهيونية حتى الثمالة . نعم ربما كانت هناك معارضة ، لكنها معارضة لينة بيضاء حريرية ، ليست مباشرة ، عبر عنها سياسياً هامشياً هنا وهناك من باب رفع العتب ، التواطؤ والمهادنة لم تقتصر على غالبية قادة الأنظمة العربية ، بل تعدتها لتصل الى السواد الأعظم من الشعوب العربية ، التي تعاملت ولا تزال تتعامل مع السياسة الامريكية ، وقرارها الأخير بشأن القدس دون اكتراث . لم تدق أبواب أية سفارة أمريكية ، في أي قطر عربي ، لم يتم جمع حشد حول المؤسسات الامريكية في الأقطار العربية ، لم يتأخر تصدير برميل واحد من النفط للصناعات الامريكية ، أو الأوروبية ، لم تتزحزح الأموال السعودية والخليجية المركونة بدور الأموال الامريكية من مكانها ، كل شيء على حاله العكس هو الصحيح ، فإن العلاقات الامريكية مع غالبية الأقطار العربية أفضل مما هي عليه في أي وقت كان ، مناورات عسكرية مشتركة ، زيادة عدد المستشارين الامريكان في كافة الأقطار العربية ، أسواق الأسلحة الامريكية مزدهرة . السبب ان أمريكا وكل المراقبين في العالم يعرفون ان الأولوية لدى غالبية الشعوب العربية اليوم هي " الأنا الخاصة " توفير هاتف نقال ، أو استصدار تأشيرة للهجرة الى الدول التي تدعم إسرائيل ، الكل يعرف أن ميزة هذه الأمة هي النسيان السريع ، كما وصفهم ثعلب أمريكا " هنري كسنجر " يعرفون بأن غالبية الشعوب العربية مدجنة ، لا تغضب حتى لو استغضبت ، شعوب من الصعب أن تقول لا ،شعورها وحماسها الثوري قابع في افريز غياب اليقظة والخوف والرعب من السجون ، والحرمان والبطالة والفقر والجهل ، وأن ذوبان هذا الجليد الذي يمنع تفجير الغضب وانطلاق " اللا " ، بحاجة الى حرارة خاصة ، لم توفرها دماء ضحايا أي عدوان إسرائيلي على غزة ، أو أي قطر عربي ، أو على الاستمرار بالتنكيل بالشعب الفلسطيني ، ومصادرة كرامته ، والاعتداء على مقدساته . هذه الحرارة فقدت لهيبها منذ هبة ما عرف بالربيع العربي ، حرارة الكرامة والكبرياء التي شاهدناها في أسابيع الربيع العربي المذكور تحولت بسرعة الى جليد ، لا نعرف متى يذوب ، لأنها لم تشتعل ضد أمريكا ومصالحها في المنطقة ، ولا ضد الاحتلال !! اشتعلت ضد الفساد وأنظمة استبدلت بأنظمة أكثر طوعاً لأمريكا .

اجتر الارعن ترامب ما قام حلفاءه في الماضي الانجليز ، عندما قدموا فلسطين كاملة هدية مجانية للحركة الصهيونية ، حتى ترتاح أوروبا من أوبئة الصهيونية ، قدموها دون تردد ، ودون مراعاة مصير شعبها ، لم يحكموها في يوم من الأيام ، هذا ما فعله ترامب ، اعتبر نفسه مالكاً للقدس ، فبق هذه الحصوة النتنة ، فلوث وشوه التاريخ ، كما شوهه من قبل بلفور ، القاسم المشترك بين الأثنين ، انهما لم يعملا أي حساب للعرب حتى لحلفائهما ، والسبب انهما يعتبران حالهما أسياد العرب . بلفور قدم وعده رغم أن العرب في ذلك الوقت كانوا يحاربون الى جانبه ضد العثمانيين، اليوم يكرر ترامب الصورة نفسها ، قدم لإسرائيل مجاناً وسط عقد الدولة الفلسطينية ، مدينة القدس ، قِبله الفلسطينيين السياسية ، وأولى قِبلات العرب الدينية ، قدمها دون أي اعتبار قيمة لحلفائه العرب ، لأنه يعرف بأنه لامريكا قدسية عندهم ، وكل رئيس لها هو بمثابة الأب الروحي والسياسي لهم ، يعرف بأن هذا العمل يرضيهم ، ولم يخرجوا عن طوعه ، فقواعد أمريكا العسكرية باقية ، ونفطها سيبقى سيالاً ، وسفاراتها في عمان والقاهرة والرياض وتونس وغيرها ، ستبقى تعمل وتحرك أنظمة هذه الدول كما يدفع ذيل السمكة رأسها . لم يتذكر ترامب أصدقاء أمريكا من الفلسطينيين الذين عولوا عليه وعلى سياسة أمريكا منذ أوسلو حتى اليوم ، فقام برمي علاقاتهم بامريكا وراء ظهره ، لأن أمريكا كانت ولا زالت لا تؤمن بالصداقة ، بل تؤمن بالمصالح ، ترامب يعرف بأنه سيترك الفلسطينيين وحدهم بالميدان ، سيبقى الحصان الفلسطيني وحيداً - عذراً من شاعرنا محمود درويش - ، وهذه حقيقة اليوم تقف السلطة الفلسطينية وحدها في الميدان ، حاول محمود عباس وقيادته امتصاص غضب الشعب الفلسطيني بالخطابات النارية والتصريحات الحماسية ، لأنهم يعرفون أنهم تركوا وحدهم في الميدان ، وحصان القضية ترك وحيداً ، والمسؤول عن بقائه وحيداً الفلسطينيون قبل غيرهم ، لأنهم فرطوا بالكثير من الثوابت الأساسية ، اعترفوا بإسرائيل قبل أن تعترف بحقهم بإقامة دولتهم المستقلة ، استبدلوا مقاومة الاحتلال قبل ان تعترف بحقهم بإقامة دولتهم المستقلة ، استبدلوا مقاومة الاحتلال بانقسامهم وصراعهم على بعضهم البعض ، ترامب يعرف وإسرائيل تعرف بأن الغضب الفلسطيني لن يطول ، لأن استقلالية الإرادة والقرار الفلسطيني أصبحت هشة ، فقدت صلابتها . لكن هذا ليس نهاية الطريق ، حتى لو هربت جميع الخيول العربية من الميدان ، فإن الحصان الفلسطيني سوف يخوض المعركة لوحده ، وسوف ينتصر بعد أن تنتقل إرادة واستقلالية القرار من سماعات الهواتف وادراج المكاتب الى الشارع الفلسطيني وازقة المخيمات .

مهما رقص الإسرائيليون على انغام زيارة نائب ترامب المدعو " بينس " الذي جاء لإكمال الصفقة التي وقف هو وراءها ، لكن الشعب الفلسطيني سوف ينتصر في النهاية ، كما انتصر الشعب الفيتنامي والانغولي والجزائري والجنوب افريقي ، لأن هذه حتمية التاريخ .

2018-01-22