رام الله-الوسط اليوم:
ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا الأسباب وراء قرار إلغاء مبحث الصحة والبيئة من المنهاج الفلسطيني بعد سبع سنوات من تدريسه، وذلك إيمانا بأهمية هذا المساق في تعزيز التوعية البيئية والممارسات الصحية السليمة للنشء الصغير.
تم الإشارة في بداية التقرير المعدُّ من قبل الصحفية "ربى عنبتاوي" إلى أن مبحث "الصحة والبيئة" للصفوف الإعدادية (السابع، الثامن، التاسع) بدأ التحضير له من قبل وزارة التربية والتعليم أوائل العام 2001، وتم البدء بتنفيذه عام 2008 ، وتقرر حذفه ودمج مضامينه في مادة العلوم والدراسات الاجتماعية بعيد عام 2015. شمل مضامين عامة في الشأن البيئي والصحي قُدّمت للطالب بأسلوب ميسر، نذكر منها في موضوع الصحة: نمط الحياة الصحي، التدخين وأضراره، الصحة النفسية، الصحة الإنجابية، المراهقة، إدارة الوقت، نمط الحياة الصحي، الإسعاف الأولي والغذاء والمرض.
وفيما يتعلق بموضوع البيئة فتنوعت الفصول كالتالي: البيئة بمفهومها، النظام البيئي، ودور الإنسان فيه، التنوع الحيوي في فلسطين، كيف نؤسس للنادي البيئي، المحميات الطبيعية في فلسطين، التلوث البيئي (تلوث الماء، الهواء، التربة، الضوضاء)، البيئة المنزلية الآمنة.
المؤلفون غائبون
حول رأي بعض المؤلفين المساهمين بموضوع "الصحة والبيئة" حول قرار الحذف من المنهاج، أبدت أ.سمر الناظر التي تعمل محاضرة هندسة معمارية في جامعة بيرزيت امتعاضها من قرار الإلغاء، متسائلة هل سيرهق الطالب حصة تحوي مضموناً جديداً كالبيئة في الأسبوع، ولا ترهقه ست حصص لغة عربية أو رياضيات مثلا؟؟
وكانت الناظر قد ساهمت في المنهاج عبر وحدات تتعلق بالمشهد الحضاري المرتبط بالجوانب الهندسية، وترى أن مختارات كالبيئة تساهم في تحسين سلوكيات الطالب تجاه محيطه من طبيعة ومشهد حضاري، وتعزز لديه القيم الأخلاقية الايجابية.
واستغربت الناظر من التقويم الذي نُظّم قبل عامين من قبل القائمين على المناهج، وعلى أثره تم إلغاء كتاب "الصحة والبيئة" مع مختارات أخرى.
ولم يختلف رأي د. مالك قطينة أخصائي في الصحة العامة ومن المساهمين الرئيسيين في مقرر "الصحة والبيئة" من نظيرته "سمر" حيث تفاجأ بقرار الإلغاء وتمنى لو تمت استشارته أو دعوته قبل اتخاذ أي قرار فربما يقنعهم أو هم يقنعوه ولكن كان لا بد من التشاور مع المؤلفين.
يلفت د. قطينة: "كانت الفكرة من العمل على هذا المنهاج هو دعم التعلم النشط، تبادل الخبرات الشخصية وتعزيز تفاعل الطلبة مع المادة وذلك يتأتى بتدريب المعلمين لتحقيق هذه الغايات". وأضاف مشككاً بفرضية أن دمج بعض مفاهيم البيئة بمادة العلوم سيزيد من شأنها، بل بالعكس يرى أن ذلك سيجعل المعلم يتعامل معها كجوانب نظرية يسابق الزمن لتعليمها دون التركيز على الجوانب العملية.
ويؤكد د. قطينة أن قرار الإلغاء لا يجب أن يستند على كثرة المباحث أو تذمر الأهل أو أي أسباب موضوعية أخرى (وفق تصريحات وزارة التربية والتعليم)، بل يتوجب أن يُنظر للمساق بأنه قادر على التغيير الايجابي، عبر تحسين سلوكيات الطلبة البيئية والصحية وجعلهم قادرين على إدارة النوادي البيئية التي من المفترض أن ينشطوا بها خلال حصة الصحة والبيئة.
"أتمنى أن تكون وزارة التربية والتعليم قد فكرت قبل إلغاء المبحث بآلية لتعويض الجوانب العملية للبيئة في مناهج العلوم" ختم د.قطينة.
الدمج غير ممكن
الأستاذة رشا عمر مدير عام المناهج العلمية سابقا في وزارة التربية والتعليم، تتفق مع زملائها المؤلفين في الامتعاض من عدم استشارتهم في موضوع تغيير المنهاج وتحديداً في مسألة مراجعة ذوي الخبرة والمطلعين عليه منذ بداياته مثلها؛ منتقدة تغيير المنهاج الحالي من قبل القائمين على المناهج والذي تم على عجالة "سنتين"، على خلاف المتفق عليه عالمياً، وذلك بأن يتم التغيير بطريقة تكاملية ومتسلسلة وعلى مراحل كما المنهاج السابق الذي جرى اعتماده بعد سبع سنوات، بحيث تم تجريب المنهاج على عينة ومن ثم تعديله قبل تعميمه، ولكن المنهاج الحالي تم بسرعة دون تجريب أو مراجعة.
أما بالنسبة للمبحث المذكور "الصحة والبيئة" الملغي، فقد جاء تطويراً لخطة المنهاج الفلسطيني الأول المؤلف من مبحثين اختياريين وهما: الصحة والبيئة والاقتصاد المنزلي، اللذان أشرفت عليهما أ. عمر واكتشفت بعد تطبيقهما في المدارس أن الطلبة الذكور يفضلون الصحة والبيئة، فيما الإناث ينحزنَ للاقتصاد المنزلي وهذا مختلف عن الهدف المرجو، لذلك، تضيف أ. رشا، تقرّر دمجهما في كتاب موحّد "الصحة والبيئة" يتعلمه الجنسان بعد اختيار المواضيع المناسبة لتعم الفائدة وتقل الفجوة بين الذكور والإناث.
وتؤكد أ. عمر على أهمية مبحث الصحة والبيئة الملغي لاعتماده على الأنشطة التفاعلية وتنمية مهارات البحث العلمي والتفكير، معتبرة أن دمج هذه المادة بكل فصولها ومضامينها مع المباحث الأخرى أمر غير ممكن، منهيةً حديثها: "من المؤسف إلغاء المبحث".
المناهج: القرار جاء بعد عملية تقويم علمية
يتحدث مدير مركز المنهاج أ.ثروت زيد عند سؤاله عن أسباب حذف المادة، أن ما حدث هو عملية دمج مع مواد العلوم والاجتماعيات وليس حذفاً بمعنى الإلغاء، وجاء بعد عملية مراجعة وتقويم للمناهج تمت قبل عامين بمشاركة مائتي خبير تربوي، شمل توزيع 21 ألف استمارةً ما بين طالب ومعلم وولي أمر، ومناقشة للمحتوى التعليمي على يد خبراء لكل المباحث، واستعراض الدراسات والأبحاث التربوية المحكمة، وقد تمخض عن ذلك وفق زيد الوصول لمجموعة استنتاجات منها كثرة المباحث والتي شكلت عبئاً كبيراً على الحقيبة المدرسية في المرحلة الأساسية والإعدادية، مثلا: الاجتماعيات كان يتألف من أربعة كتب تاريخ وجغرافية ووطنية ومدنية تم دمجهم في مبحث واحد (دراسات اجتماعية). وكتابا: العلوم و"الصحة والبيئة" دُمجا في كتاب واحد أيضاً.
كما أن بعض المدارس، يلفت زيد، تعاملت مع مواد الصحة والبيئة كحصص اكتمال نصاب (حصتان إلى ثلاث في الأسبوع) بمعنى أنها لم تُعرها الأهمية المطلوبة.
ويؤيد زيد الدمج بشدة ولا يرى فيه تقليلاً لأهمية التخصصات والمفاهيم المختلفة، والتي كما يخبرنا يتم توزيعها على المباحث من الأول حتى الثاني عشر، فنجد البيئة محمّلة على (الجغرافيا، نباتات طبيعية، تنوع حيوي وبيئة) والعلوم مثلاً ( طاقة حيوية، تغير المناخ، كائنات حية)، سواء تكون بشكل منفصل (وحدات أو دروس) من الصف الثالث حتى التاسع.
ويرى أن الزاميتها صارت أكثر في المنهاج منها في كتاب مستقل، فحين يرى المعلّم أنها في المنهاج الأصلي يتعامل معها بجدية أكثر.
التحرير والتنمية أولاً
ووفق زيد فأولويات البلد التحرير والتنمية، وقضايا البيئة والاقتصاد المنزلي، والجندر وحقوق الإنسان والقانون الدولي لها اهتمام لديهم ويجب مراعاتها ولكن ليس بالضرورة تخصيصها في مبحث مستقل، فالطالب يتعلم 33 حصة في الأسبوع ويدرس مواد أساسية تحدد مستقبله الأكاديمي، أما المواد المساندة فهي تفرض نفسها داخل المنهاج وينفرد الطالب في تعلمها لاحقا من خلال الجامعة.
وأضاف بالقول: "التربية البيئية مهمة من الصغر، ولكن لا دولة مهما كبُر أو صغر شأنها قادرة على تغطية كل التخصصات في المناهج بشكل مستقل".
المنهاج الجديد يميل للأنشطة
وفي محاولة الاستفسار من قبل "مجلة آفاق" عن المساحة المتاحة بعد حذف المبحث وحصصه وكيفية تأدية الفعاليات البيئية والبرنامج الأسبوعي يحفل بالحصص المنهجية المزدحمة، فأشار زيد إلى أن تخصيص الحصة للبيئة من عدمه هو موضوع يتعلق بالتنفيذ قبل كل شيء، ولذلك يطرح السؤال التالي: هل تغير وضع المدارس حين كان منهاج البيئة مستقلاً، إن كان الجواب بالنفي فهذا يؤكد أن المشكلة بالمعلّم الذي لم يكن قادراً على الخروج من نمط التلقين إلى التعليم العملي. مؤكداً أن المنهاج الحالي كله أنشطة بحتة من صفوف الأول إلى الرابع، تضاف إليه المعلومة بعد الصف الخامس مع التركيز على النشاط".
"ينتقدون المنهاج الجديد بأنه مليء بالأنشطة والفعاليات العمليّة، وهذا كان هدفنا أن نخرج من بوتقة التعليم النظري التقليدي إلى التطبيقي الأكثر نجاعة" يؤكد زيد.
ولم يستبعد في حال نُفّذ تقويم جديد بعد عدة سنوات من تطبيق الحالي بأن يتم اقتراح عودة مبحث البيئة، وأكد أن المعلم هو من يحتاج إلى مراعاة ومتابعة.
وختم: "لا يكفي أن ننتقد المعلم ولكن نسانده أيضاً، وهذا ما نقوم به حالياً وهو العمل على إعداد دليل تربوي للمعلم يساعده في التحضيره للحصة بأسلوب شيق وميسر". مؤكدا أن عملية التغيير لا تأتي بيومٍ وليلة وعلينا الصبر قليلاً.
ومن الجدير ذكره، مساهمة بعض مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسهم مركز العمل التنموي/ معا بإعداد دليل مرجعي في التربية البيئية في عام 2007، يليه الدليل التطبيقي في عام 2010 للمدارس، واللذان أعدا من قبل باحثين ومختصين فلسطينيين بأسلوب مكثف وممتع للتوعية حول الجوانب البيئية وتعزيز العمل البيئي عبر تشجيع الطلاب على فهم أفضل للبيئة المحيطة بهم، ومساعدتهم على تحديد المشاكل البيئية وحلها وبالتالي التأثير في البيئة على نحو ايجابي. وقد وزع الدليلان في حينه على معظم المدارس الحكومية والخاصة، ولكن بعد سؤال مصادرٍ من وزارة التربية والتعليم فالدليل لا يُعتمد أو يدرّس.