الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب – 2- ..تميم منصور

 لم تختلف سياسة بريطانيا في مجال التعليم في فلسطين ، عن سياستها في مستعمرات أخرى خضعت لاحتلالها ، واذا كان هناك أي فارق في مستوى التعليم ، فيعود إلى الفوارق الاجتماعية لدى الشعوب التي استعمرتها بريطانيا ، كما انه كان دور للغة المحلية وبلاغتها ومتانة معانيها ومبنى حروفها وقواعدها ، تأثيراً جدياً على تسليم السلطات البريطانية بتعليم وتطور هذه اللغة ، واعتبارها لغة التعليم الأولى ، كما هو الأمر في فلسطين . مع أن بريطانيا كانت تتستر في سياستها على فلسطين ، بأنها ليست محتلة أو مستعمرة ، بل هي وصية على فلسطين ، أرضها وشعبها ، كانت تدعي بأنها تعمل جاهدة لتطوير الشعب الفلسطيني كي يصل الى بر الأمان ويصبح لديه المقدرة في حكم نفسه بنفسه ، لكنها لم تعمل أي شيء من هذه الوعود الكاذبة ، كل ما فعلته هو تنفيذ وعدها للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وعندما ايقنت أن مفاتيح هذا الوطن أصبحت بأيدي اليهود ، تركت البلاد في حالة من الفوضى والقتال يوم 15 أيار عام 1948. بالنسبة لجهاز التعليم الذي اقامته في فلسطين خلال حكمها ، كان نظام التعليم يتألف من مرحلتين ، ابتدائية ومدتها سبع سنوات ، ويقبل في صفها الأول الابتدائي ، الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة ، أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الثانوية ، وكانت مدتها أربع سنوات . تشير الاحصائيات كما وردت في الموسوعة الفلسطينية ، أن عدد المدارس الرسمية ، أي الحكومية الابتدائية الكاملة ، التي تتألف من سبع سنوات دراسية في العام الدراسي 1945- 1946 ، 125 مدرسة ضمت حوالي 2500 طالب في الصف السابع الابتدائي ، وكان في البلاد عام 1946- 1947 ، أربع مدارس ذات صفوف ثانوية كاملة ، ثم ارتفع العدد الى 12 مدرسة في عام 1947 -1948 ، كما كان هناك نحو ثماني مدارس ثانوية للذكور والاناث ، لم تكتمل فيها سنوات الدراسة الثانوية .

وكانت اللغة العربية قاعدة لتدريس جميع المراحل التعليمية ، بعد أن كانت اللغة التركية في العهد العثماني . و نستطيع معرفة مدى التقصير الذي اتبعته سلطات الانتداب في مجال التعليم من تقرير اللجنة الملكية التي قدمته الى البرلمان البريطاني في صيف 1937 والتي عُرفت بلجنة " بيل " .

ورد في التقرير أنه من أشد دواعي الأسف أن لا يكون في مقدور نظام حكومة الانتداب ، بعد مرور سبع عشرة سنة على حكمها البلاد ، أن يغطي فقط نصف حاجة العرب الى التعليم ، القصد هنا أن المخصصات المالية التي رصدت لم تكن كافية ، الى درجة أن نحو خمسين في المائة فقط من طلبات الالتحاق بالمدارس في السنين الأخيرة ، قد رفضت بسبب قلة المعلمين ،وعدم وجود أماكن للتلاميذ ، هذا فضلاً عن عدم سد الحاجة للتعليم في المناطق التي لم تنشأ فيها بنايات للمدارس على مسافة قريبة الى الأولاد الذين هم في سن التعليم . وقد قدر عددهم حوالي 250 الف ولد وبنت ، وقدر عدد الذين يتعلمون في مدارس الحكومة حوالي 45 الف طالب ، وأضاف التقرير أن قسماً كبيراً من القرى العربية ترغب في التبرع بالمال لإنشاء المدارس في القرى في حالة قيام الحكومة بتوفير نصيبها من ذلك . كما جاء في تقرير لجنة التحقيق الإنجليزية – الامريكية التي عينتها حكومة الولايات المتحدة الامريكية ، والمملكة المتحدة في عام 1946 ، ما يلي : يتبين لنا أن أقل من نصف عدد الأطفال العرب الذين يرغبون الانتساب الى المدارس قادرين على تحقيق غاياتهم ، وفي مدينة حيفا ، أبلغنا المجلس البلدي ، أن نصف عدد الصبية من العرب لا يتلقون أي نوع من التعليم ، والوضع في مناطق الريف أكثر سوءاً ، ولا سيما بالنسبة للفتيات ، ففتاة واحدة من بين ثماني تحصل على التعليم ، ومما يزيد من هول الفجيعة الرغبة القوية في التعليم ، التي تسود الطبقات الفقيرة ، لا في المدن فحسب ، بل في كل قرية عربية تقريباً ، فبعض القرى التي زارتها اللجنة ، قد عملت في الواقع ، اما على بناء مدارس خاصة ، باشتراكات اختيارية صرفة ، قام بها الفلاحون ، أو المساهمة من تلقاء نفسها في تكاليف تلك المدارس . وكلما طالب المواطنون بزيادة أموال التعليم في الموازنة الرسمية ، كانت الحكومة تدعي ، بأن معظم أموال الموازنة ، تصرف على توفير الأمن ، وقد صرخ أحد الاعيان الفلسطينيين وهو الدكتور " خليل طوطح " في وجه أعضاء اللجنة الملكية قائلاً : أنه من الظاهر للعيان أن حكومة الانتداب ليست مهتمة بتعليم المواطنين العرب ، مثل اهتمامها بتعليم اليهود في فلسطين ، وقد كشفت الاحصائيات في حينه ان نسبة الذين ترفض المدارس قبولهم تبلغ 40% من عدد طالبي دخولها . يضيف التقرير بأن أعضاء اللجنة الملكية شاهدوا بأم أعينهم وجود مدارس بدائية أقامها سكان المناطق النائية ، كان التعليم يتم فيها اما تحت شجرة أو في مسجد أو في عريشة أقيمت لذلك أو تحت خيمة . الأرقام التالية تدل على إصرار حكومة الانتداب على عدم اقبالها وتحمسها لتعليم العرب حتى نهاية الانتداب ، رغم تنديد اللجان الرسمية المختلفة .

أ - بلغت نسبة أولاد العرب الذين كانوا في سن التعليم ، وقد حرموا منه في تاريخ 1 / 7 / 1944 حوالي 67% ، بينما كانت هناك هذه النسبة تقارب الصفر لدى اليهود ، الذين كانوا يتمتعون بالاستقلال الكامل في تعليم أولادهم .

ب – قدر عدد الذين هم في سن التعليم من جيل 5- 15 سنة في القرى والمدن العربية حوالي 300 الف من الاناث والذكور ، ويضاف الى هذا العدد أبناء البدو في منطقة بئر السبع الذين قدر عددهم حوالي 30ألف ولد وبنت .

ج- بلغت نسبة عدد الطلاب العرب من 5- 15 سنة من جميع مدن وقرى فلسطين في عام 1943 الى من هم في سن التعليم 45% للبنين ، و19 % للفتيات ، بينما كانت هذه النسبة مئة بالمئة لليهود . وتجدر الإشارة في هذا المجال الى ان أهالي بلدة " يفنه " وكانت اكبر واغنى قرية في قضاء الرملة ، طلبوا انشاء صف ثانوي في مدرستهم ، في أواخر سنوات الانتداب ، فلم توافق إدارة المعارف في حكومة الانتداب على انشاء مثل هذا الصف المدرسي الهام ، الا بعد أن تعهد أعيان البلدة خطياً دفع النفقات المترتبة على ذلك ، ونفقات صفوف جديدة تضاف للمدرسة ، وقد طبق هذا المبدأ على كافة القرى والمدن التي طالبت بإضافة صفوف ثانوية جديدة .

كانت الصفحة المضيئة في جهاز التعليم الانتدابي المذكور هم المعلمين ، الذين كانوا يقبلون التدريس والعمل سواء في مدينة أو قرية ، أو في مضارب البدو في الصحراء ، أو في أخصاص الغور ، أو بين الصخور أو فوق رمال الساحل . وقد عرف المعلم الفلسطيني بروحه العالية في خدمة طلابه ، صابراً على المشقات ، ولا سيما ملاحقة سلطات الانتداب له ، لأنه كان دائماً يسعى لبث الروح القومية بين طلابه . يتبع

2018-03-06