الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المراوحة في المكان سياسة فلسطينية كارثية...بقلم عدنان رمضان

" الوضع مأساوي " هذا أقل ما يقال في وصف الحالة التي تعيشها القضية الفلسطينية هذه الأيام هذا ما اوصلتنا اليه القيادة الفلسطينية المتنفذة في نهجها السياسي حيث لا نستطيع التقدم ولا نستطيع التراجع لا تستطيع الاستدارة إلى اليمين أو الاستدارة إلى اليسار. الاثمان التي دفعها أو يتوقع ان يدفعها شعبنا في جميع الأحوال اثمان كبيرة ومهولة وهذا الوضع تحديدا هو ما يجعل الاخرين سواء من الاعداء أو الأصدقاء أكثر جرأة على تجاوز والتقليل من شان الموقف الفلسطيني أو حتى شان قضية وحقوق الشعب الفلسطيني

عندما نصل إلى مرحلة يكون فيها المضي في المسار السياسي الذي اختارته القيادة السياسية المتنفذة قدما يكون كارثيا وتغلق امامه كل الدروب، وعندما تنعدم فرص التراجع ويصبح البحث عن مسارات أو مسار اخر اشبه بعمل انتحاري أو أقرب إلى المستحيل، لأن هذه القيادة وفي احسن الأحوال حرمت نفسها من ان تملك إمكانات خيارات متعددة فقد جردت نفسها والشعب شيئا فشيئا ليس من الخيارات فحسب بل أيضا من الثقة والامل بمستقبل واعد عندها صارت المراوحة القاتلة في نفس المكان هي عنوان للسياسة وعنوان للأداء الكارثي شعارها البقاء ليس ثباتا أو صمودا في وجه العدوان بل انتفاعا فرديا من حالة التردي وتفقد هذه السياسة القدرة على المناورة أو التعطيل وفرملة المشاريع السياسية فان أقل ما يقال في هذا الوضع انه مأساوي وان أوسلو هي حقا نكبة النكبات، حيث اننا نرى ان نتائج هذا المسار وهذا الحال وخيمة في كافة الأحوال وان القدرة على الفعل والتأثير من خلال هذا الخيار قد تراجعت إلى أبعد الحدود وان العجز أصبح سمته الواضحة

لا مبالاة الشارع وانتشار ثقافة الفرجة (أي المراقبة والمتابعة والتلقي دون المساهمة في إنتاج وصياغة الحدث)كما أطلق عليها الصديق صبيح صبيح أو الكولسيوم الفلسطيني كما أطلق عليه أحد الكتاب حيث يقاتل المجالدون الفلسطينيون فرادى دون امل بالنجاة في حين يراقب بقية الشعب مطلقا صرخات الحماس والتشجيع ليس أكثر) هذه اللامبالاة ليست نتاج عصر التلقي والاستهلاك وإنتاج وسيادة غير المعنية بالشأن العام عالميا)فحسب بل هو أيضا نتاج لموقف الناس من أداء القيادات السياسية الفلسطينية على اختلاف الوانها ومن خبرات معرفية متراكمة في ثقافة الشعوب التي لم تنل طعم الحرية والكرامة بل تتالت عليها دهور من الظلم والطغيان بالوان ومسميات مختلفة وطنية وثورية حينا واحيان باستمرار وتبدل الاستعمارية وكان المشترك فيما بينها انها شاركت جميعا في قهر وتهميش هذا الإنسان ونهبه واستغلاله والنتيجة هي انفضاض الناس أكثر فاكثر عن مشاريع التغيير من خلال البنى السياسية المعارضة وابتعادهم عن السياسة والسياسيين بشكل عام وانشغالهم بالهموم الشخصية وتوفير لقمة العيش كأساس للبقاء امام اهوال التغيرات الكبيرة التي تعصف في المنطقة وبأهاليها منذ ما يزيد عن القرن حيث تعلمت هذه الجماهير عبر التجربة المريرة وتراكم الخبرة ان الإنسان الفلسطيني لم تؤخذ حقوقه أو مصالحه بعين الاعتبار في كافة المنعطفات والمحطات التاريخية وان جميع من كانوا في السلطة استخدموا قضاياه وحقوقه في خدمات اجندات أبعد ما تكون عن حقوقه واحلامه

ان خيارات التغيير للخروج من حالة العجز إلى حالة من الفعل والتأثير في ظل هذه الظروف وفي ظل السياقات العالمية والإقليمية الحالية لا يمكن ان تكون ارادوية أو رغبوية أي نتاج للفعل الواعي للأفراد والمجموعات على أهمية هذا الدور الطليعي بل لا بد ان تكون نتاج لتلاقح وتفاعل ما بين عدة عوامل ومن ضمنها الافراد فمع هذه السياقات المختلفة سواء كانت مرتبطة بالعنصر الذاتي الفلسطيني ونضجه والعوامل الخارجية المعاندة والمواتية

أحد شروط هذا التفاعل الأساسية هو التركيز على الجذر الحقيقي للحالة التي تعيشها فلسطين والمنطقة هذا الفهم الذي يرى بعناية كيف استطاعت القوى الاستعمارية وعلى راسها بريطانيا منذ أكثر من مائة وخمسون عاما ان تتوج انتصاراتها على مشروع محمد على وواد تجربة النهضة العربية المعاصرة الأولى واستبدالها بوهم ثورات على شاكلة ثورات لورنس العرب ومشروع سايكس بيكو وانشاء دولة الكيان كنتاج للمشروع والبنية الاستعمارية العالمية على أنقاض الشعب والتراب الفلسطيني بإرادة دولية وتشريع اممي قائم على سيادة منطق القوة ولا زالت هذه القوى مستمرة بمشروعها في التقسيم والتجزئة ومنع اية نهضة تتعارض مع مصالحها الجيواستراتيجية والاقتصادية على المنطقة بنفس الحماس السابق ولكن بقيادة الولايات المتحدة وشركائها وبتسهيل من قوى التخلف والتبعية

ان الافتراض ان إسرائيل بعد أكثر من سبعين عاما من الإعلان عن تأسيسها استقلت بشكل ما عن البنية التي اوجدتها أو ان هذه البنية الاستعمارية في علاقتها مع العالم والمنطقة قد تخلت عن طبيعتها الاستغلالية ومشروعها الكولونيالي للسيطرة والهيمنة مما يؤهلها للعب دور موضوعي في إيجاد حلول منصفة للشعب الفلسطيني هو افتراض واهي لا يستند إلى الحقائق الموضوعية ولا تدعمه ممارسات وسياسات هذه الدول التي ما زالت تتربع على عرش النظام العالمي وتناهض بل وتعادي وتحارب اية محاولات للخروج من هيمنتها كما فعلت مع جمال عبد الناصر أو حتى محاولات القذافي والبعث العربي في سوريا والعراق واية محاولة للتحكم بالثروات والموارد وعناصر قوة المنطقة بعيدا عن مصالحها

ان المرحلة التاريخية الحالية التي تتم صياغتها في ظل عودة سباق التسلح والحروب الاقتصادية الباردة والحروب الساخنة في أكثر من مكان التي تتم فيها بناء علاقات القوة على المستوى العالمي وإعادة بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لكن في سياق جديد هذا السياق الذي يتم صياغة الاتجاهات الأساسية للشخصية العالمية وطرق تفاعلها مع ما يدور حولها واهمها عدم الاكتراث بالآخر ومن جهة أخرى فهي تعمد على إنتاج وتعميم المعلومات وصناعة الذوق العام وهندسة الشخصيات اللامبالية والراكضة خلف وهم الاشباع هذا السياق الذي تتم فيه إعادة توزيع الأدوار بين القوى الكبرى لإدارة شؤون العالم كقطعان مستهلكة وليس كبشر ومن أجل تحقق اقصى فائدة وربح ممكن ان هذا السياق ينتج سياسات دولية تتعامل فقط مع قدرة الشعوب والجماعات على ان تجد لها مكان ودورا مؤثرا في هذا النظام أو تنجح في الانفصال التام عنه وبناء نموذجها الخاص وهي تواجه الحصار والعقاب من القوى الكبرى

ان فلسطين وقضيتها في ظل السياقات العالمية والإقليمية الحالية رغم انها واحدة من قضايا الاختلاف والصراع الا انها لا تنظم هذا الانقسام وبناء دولة فلسطينية أو عدم بنائها لا يغير جوهريا في موازين القوى العالمية وتستطيع ان ترى ان المتصارعين قد يلتقون في الدفاع عن هذا المشروع الاستعماري "أي إسرائيل "أو تطبيعه وفي احسن احواله تكرار موشحة القانون الدولي وقرارات "الشرعية الدولية" كأساس للتعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني ولم ننجح نحن الفلسطينيون على الأقل في السنوات الأخيرة من وضع القضية والحقوق الفلسطينية لتكون ثقلا مهما ومحوريا في معادلات القوة بل كان الأداء السياسي الفلسطيني على العكس من ذلك تماما

إيران على المستوى الإقليمي والعالمي فقط هي وحلفائها المقربون الذين في يرون في قضية فلسطين والعداء لإسرائيل مدخلا لإعادة صياغة علاقات القوة وموازينها في المنطقة ومن ثم العالم ووحدهم فقط من يعلنون وبوضوح ويبنون السيناريوهات المستقبلية وفي مركزها سيناريو التغيير في فلسطين من خلال الحرب ويسعون جاهدين لبناء علاقات تحالفية مع القوى العربية والفلسطينية التي تتهيأ لهذا الخيار رغم ان هذه القوى الفلسطينية أيضا غير موحدة وغير متماسكة وتتنازعها أكثر من قوة إقليمية وبعضها إذا لم نقل جميعها يتشاركون المسؤولية عن الأزمة الداخلية الفلسطينية وفي جميع الأحوال فان الموقف الفلسطيني تجاه إيران ومشروعها غير موحد وتتخلله العديد من القضايا محط الاختلاف العميق.

ان القوى التي تدعوا للتغيير في فلسطين في معظمها سواء كانت بصبغة يسارية ديمقراطية أو ليبرالية ما زالت تكرر نفسها وتعيد إنتاج نفس الخطاب والممارسة المعهودة تارة بصيغ بطولة سيزيفية تمجد المجابهة والمقاومة ولكنها تعجز عن إنجاز تغيير نوعي في بنية الفعل السياسي الفلسطيني وتارة بصيغ إصلاحية تكاد تكون أقرب إلى نمط عمل المؤسسات غير الحكومية منها إلى برامج قوى سياسية وبشقيها فإنها تتقد للهوية والبرنامج المجتمعي الواضح ويمكن القول انها تكيفت مع وجودها الهامشي ولم تعلن عن حالة قطع واضحة مع المشروع الاوسلوي ولم تكن قادرة على قيادة عملية التغيير وإعادة اكتساب ثقة الجمهور وإخراج الحالة الفلسطينية من حالة الأزمة في أكثر من محطة ومفصل تاريخي في العقود الثلاثة الأخيرة

ان معطيات الواقع التي نعيشها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تفرض على من يرغبون بالمساهمة الفاعلة في عملية التغيير الشعبي ان يعمدوا إلى تطوير خطاب وبرنامج ا يستجيب للمعطيات الدولية والاقليمية ولموازين القوى وبناء عناصر القوة في اطارها دون التخلي عن أي من الحقوق وإعادة تأصيل الخطاب السياسي الفلسطيني في التعامل مع الكيان كشروع سيطرة استعماري احلالي عنصري يجب مواجهته وتفكيكيه وهزيمته وان يستند إلى مجموعة من الأسس والشروط أهمها لاستلهام من التجربة الكفاحية الطويلة للشعب الفلسطيني وشعوب العالم والانطلاق من وحدة الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة في الشتات والدخل المحتل اعام 1948 والضفة وغزة، وكذلك وحدة الأرض الفلسطينية والتمسك بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة اللاجئين والتأكيد على مبادي المساواة والعدالة الاجتماعية وفصل الدين عن الدولة واستخدم لغة القانون الدولي في التخاطب والتعامل الدولي مع قضايا العدل والمساواة والتأكيد على مبادي الانتماء للفضاء العربي

ان برنامج عمل فلسطيني كفاحي جديد يخاطب الشعب الفلسطيني بأكمله ويقطع مع مخرجات أوسلو ويعطي الاولية للقضية وليس للفئة ويستعيد ثقة الجمهور وزخم الفعل الشعبي والجماهيري في اطار مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة هو برنامج قادر على إعادة جمع وتوحيد وتفعيل دور الحركات العربية المناهضة التطبيع وحركة التضامن والمقاطعة العالمية وفي نفس الوقت بناء أكبر حركة معاصرة للحقوق على المستوى العالمي وإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية التي يعمد النظام العالمي الجديد ليس إلى تهميشها بل الغائها وهو الكفيل بإعادة بناء قدرة التأثير الفلسطينية والبرنامج الذي يمكن الشعب الفلسطيني من إعادة نسج تحالفات وبرامج تعاون على كافة الساحات العالمية بمستوياتها المختلفة رسمية ومدنية مؤسسات ومجموعات تمتد على مساحة الكرة الأرضية تكون فلسطين مركزها ولا ترتهن لأجندات متعارضة مع حقوق الشعب الفلسطيني ان برنامجا كهذا يستطيع ان يجد دعما من العديد من الأطراف العالمية والإقليمية وحتى من هم على طرفي نقيض فهل حانت اللحظة لان تتحول المبادرات والأفكار إلى برنامج عمل فلسطيني جامع؟

2018-03-11