الأربعاء 4/5/1446 هـ الموافق 06/11/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
انتحار قيد التنفيذ....مجد مالك خضر

انتحار قيد التنفيذ

وحيدًا أجلس في غرفتي سارحًا أنظر إلى سقفها ضمن روتين معتاد أصبح جزءًا من حياتي بعد خروجي من العمل ضمن التقاعد المُبكّر؛ بسبب إصابتي بورمٍ نادرٍ حدّد بقية حياتي لمُدّة ثلاثة شهور فقط، لذلك قررتُ أن أتخلى عن كلِّ الأشياء المحيطة بي، وأظلّ في منزلي حتّى يأتي ذلك اليوم الذي سأودّع فيه الحياة، ومع مرور الوقت أصبح الاكتئاب جزءًا من حياتي اليوميّة، وصار كالورم ينتشر في جسمي تدريجيًا.
اليوم بعد مرور أكثر من شهر على جلوسي وحيدًا في المنزل، وبلغ مني الملل أقصى درجاته كنتُ قد اتّخذتُ أخطر قرارٍ في حياتي وهو تسريع عملية رحيلي عن الحياة، وتقصير المسافة أمام الورم ليفتك بي كُليًّا؛ ممّا دفعني إلى البحث عن طريقةٍ مناسبة للانتحار، ولكن لم أستطيع اختيار الطريقة التي سأنهي فيها حياتي، وقد أصابتني حيرة طفل يختار بين مجموعة من قطع الحلوى.. هل أنتحر بإطلاق النَّار على نفسي أو تقطيع شراييني كالأفلام أو الغرق في قاع البحر أو تنشق الغاز أو الشنق؟ لم أجد الجرأة الكافية لاختيار طريقةٍ مناسبة، وتذكّرتُ خيارًا آخرًا للانتحار وهو استئجار قاتلٍ لتنفيذ إحدى هذه الطُرق، وهكذا أنفّذُ الانتحار بأسهل طريقة متاحة.
استخدمتُ شبكة الإنترنت للبحث عن ذلك القاتل لم أجد بالبداية ما أبحثُ عنه، ولكن تذكّرتُ أن البحث يجب أن يكون باستخدام كلمة القتل الرحيم، وهو المصطلح الجديد للانتحار ولكن بطريقة لطيفة أكثر، ووجدتُ موقعًا إلكترونيًّا يُحدّد طُرق القتل المتاحة وكيفية تنفيذها، حتّى القتل أصبح يتّخذ أشكالًا جديدةً وصار تّجارة واضحة الملامح، وطلب مني الموقع الإلكتروني تحديد طريقة القتل فاخترت القتل رميًا بالرصاص، ودفعتُ تكاليف هذا الانتحار، وحدّد الموقع الإلكتروني الحالة لتصبح قيد التنفيذ خلال عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب، مع إمكانية التراجع خلال هذه الفترة بمجرد النقر على خيار إيقاف التنفيذ قبل ظهور القاتل.
لم أكن أتوقع منذ حوالي الأربعة شهور أن أُقدِّمَ على تجربة الموت الرحيم الاسم الذي يُغلّف فيه الانتحار، ولكن كان الاكتئاب قد تناولني على مهل، ولم تبقَ عندي أي طاقةٍ للمقاومة، والمرض بدأ ينتشر في جسمي بسرعة، وجدران الأمل تكسرت حولي، وهكذا قرّرتُ أن أتوقف عن الحياة.. مع أني فكرتُ كثيرًا قبل اتّخاذ هذه الخطوة، ولكن لا أريد التراجع عنها لقد انتهى كلّ شيء.
تلقيتُ اتصالًا من الطبيب المشرف على حالتي المرضيّة، ودعاني فيه لزيارة مصحة تأهيلية لتعزيز حالتي النفسيّة... رفضتُ بالبداية لأني كنتُ قد اتّخذتُ قرارًا حول مواجهتي لمرضي، ولكن وافقتُ بعد إصراره عليّ، وبدأتُ أستعدُ لزيارة تلك المصحة فحزمتُ أمتعتي وأغراضي وتوجّهتُ إليها، وبعد وصولي استقبلني الطبيب لتعريفي على أقسامها المتنوّعة، وفي يومي الأوّل فيها تعرفتُ على كثيرٍ من الأشخاص من مختلف الأعمار سواء أكانوا صغارًا أمّ كبارًا لم يفقدوا الأمل مع معرفتهم برحيلهم القريب، وعندها فقط شعرتُ بمدى قلّة تفكيري وصغر حجمي أمامهم وأمام صمودهم وقوّتهم لمواجهة الموت في أي لحظة.
في اليوم الثّاني لوجودي في المصحة وعند مروري من أمام غرفة المعالجة الكيميائيّة، شاهدتُ طفلًا يقف أمام جهاز العلاج الكيميائي والذي اتصل معه بواسطة أكثر من أنبوب، ومع تعابير الألم التي بدت واضحة على وجهه إلّا أنه لم يستسلم، بل ظلَّ واقفًا يأخذ علاجه دون أي تردد أو خوف، وكان قد فقد شعر رأسه وأصبح جسمه شديد النحول؛ بسبب تشارك الورم والعلاج الكيميائي في تناوله على مهل إلّا أن ابتسامة الأمل وبريق عينيه جعلتني صغيرًا أمامه، وتافهًا أمام نفسي التي ضعفت لمجرد أني واجهتُ ورمًا كان من الممكن التغلب عليه لو امتلكتُ قليلًا من الصبر.
ذهبتُ إلى حديقة المصحة لأخفي دموعًا لا أريد أن أتظهر أمام الموجودين، والذين يمتلكون قوَّة أكثر مني لمواجهة حياتهم بحلوها ومُرّها، وقد تعلّمتُ من ذلك الطفل ضرورة مواجهة العوائق التي تضعها الحياة، وأن باب الأمل مفتوح دائمًا ولا يحتاج إلا للصبر... أخرجتُ هاتفي المحمول من جيبي وبحثتُ عن الموقع الإلكتروني الذي حجزتُ فيه طلب القتل الرحيم، وبحثتُ عن خيار إلغاء تنفيذ الطلب وعندما وجدته رأيتُ ضوء ليزر موجهًا إلى جبهتي، فنظرتُ نحو مصدر الضوء وكان القاتل موجهًا فوهة بندقية القنص إلي مباشرة.. لوحتُ له بيدي حتّى يتوقف ولكنه لم ينتبه أو تجاهلني عن قصد، وعندها تحوّل نظري إلى شاشة الهاتف للنقر على خيار إلغاء التنفيذ، وفي تلك اللحظة تمامًا أطلق النّار ونقرتُ على الخيار وانتهى كلّ شيء.

مجد مالك خضر

2018-03-26