السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الروائي المصري مصطفى البلكي: 'لا وجود للعرب من غير هذا المثلث (القاهرة, دمشق, بغداد)' في حوار معه حول العدوان الثلاثي على سورية، والتزام الكاتب العربي بقضايا أمته

  حوار خاص أجرته الزميلة بيانكا ماضيّة:

 

ومازال المثقفون والأدباء العرب يعلنون تضامنهم مع سورية ضد العدوان الثلاثي الذي تم في الأمس على غير موقع من المواقع السورية، والذي أدى إلى خروج الآلاف في غير دولة للتعبير عن إدانتهم لهذا العدوان، مؤكدين تضامنهم ومعلنين دعمهم لسورية قيادة وجيشاً وشعباً باعتبارها قيادة للشعب العربي في التصدّي للمخطّطات الأمريكية الصهيونية، ولصفقة القرن التي تسعى لتصفية قضية فلسطين. 

وفي حوارنا هذا نتوقف مع الكاتب المصري مصطفى البلكي القاص والروائي وعضو اتحاد الكتاب في مصر، مشيراً في جوابه على سؤال عن وجهة النظر العربية تجاه العدوان الثلاثي على سورية، إلى أنه سيتحدث من وجهة نظر مصرية, قائلاً: "من هنا من قريتي التي تجاور قرية بني مرّ بلد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر أخبرك بأن ما يحاك لسورية منذ البداية هو نفس ما تعرضنا له، كانت المؤامرة كاملة ضد العرب عبر ثلاث عواصم ( القاهرة، دمشق، بغداد) إذ لا وجود للعرب من غير هذا المثلث، فحينما حدث العدوان الثلاثي على مصر، خرجت إذاعة دمشق لتقول: هنا القاهرة من دمشق. إذن لا حياة لمصر من غير سورية. وعلى مر التاريخ دائماً مايثمر التعاون بينهما على رد كيد كل معتدٍ. والأمر الآن أصبح مكشوفاً فالانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري جعلت قوى العدوان تفقد أذرعها التي ربتها طوال سبع سنوات، إذ لا يعنيهم الاستقرار، ولا أمن المواطن، لأنهم لو كانوا صادقين ويعلمون أن في تلك المواقع مواد كيميائية لما استطاعوا قصفها؛ لأن خطرها سيكون أكبر على المواطنين, ولكنهم يريدون إنهاء فكرة الدولة:.

وبما أن إرادة السوريين أقوى وأكبر من كل مايحاك ضدهم إذ صمدوا طيلة السنوات السبع الماضية وعانوا حتى كانت معاناتهم قمّة في المعاناة التاريخية، فقد كانت ردة فعلهم تجاه هذا العدوان ردة فعل الشعب القوي الذي مازال متمسكاً بثوابته وقيادته وجيشه، وقد أشار الكاتب البلكي إلى أنه حينما شاهد على شاشات التلفزة تلك الجموع التي خرجت بعد الضربة الغادرة أدرك أن الوطن الذي يضم هذه الوجوه لن ينكسر, فهم الظهير الأول للدولة.

وعما إذا تناولت أعماله الإبداعية الوجع السوري والمأساة السورية انطلاقاً من التزام المثقف والكاتب العربي بقضايا أمته، أشار إلى أنه في بداية ثورة 25 يناير كتب مجموعة قصصية تعبّر عن اللحظة, وهي تجربة مشحونة بكل الآمال والأحلام التي تلاشت مع حكم الإخوان, ولأن السرد يختلف عن الشعر, فإن السارد يحتاج لسنوات طويلة حتى يوجد ما يليق بتلك اللحظات, بعد أن يكون قد أدرك وتأمل وعرف.

وعن المواقف التي يمكن أن يتوقف عندها من هذه الحرب التي أنهكت جسد الإنسان السوري ولم تميت الحياة فيه، فيما لو شرع بكتابة رواية عن مأساتنا السورية، يقول: "في كتابتي دائماً مايعنيني الإنسان, هو وحده صاحب الحكاية, معه ومع وجعه لا أشعر بالملل؛ لأن سرد الوجع بطبيعته يطول, فلو جلس إنسان عادي من شرفته وهو يرى الصواريخ تنهال على بلده, وفكر في ظروفه وكيف تمضي حياته وهو يغادر بيته من أجل العمل مثلاً في مستشفى يستقبل المصابين والشهداء، ستكون لدية سيرة لوطن عبر البشر العاديين, فلا يشعر بقيمة وعبء ما يحدث إلا من كانت أحلامه بسيطة وفجأة انتهى كل شيء.. لذلك فمن عاش ليس كمن سمع أو شاهد, وبالنسبة لي فإن الإنسان هو القيمة الكبيرة التي أتعامل معها، أضع نفسي مكانه، وأتحرك معه في يومه العادي. إن المشاهد في الحروب متكررة ما بين قتل وتدمير, ودائماً هناك لحظات تستقر في رأس المرء, تصوري لو أن مقذوفة تقترب من بيتي وأنا جالس كيف سيكون شعوري في تلك اللحظة, إنه شعور قاس بتبعات ما يحدث, يجعلني أدخل في صلب الأسئلة حول ما يدور.. لماذا يحدث كل هذا؟! وكيف حدث؟! ومتى سينتهي؟! تلك أسئلة الروائي وعالمه الذي يتحرك فيه.

وبما أن الروائي الذي يمتلك وعياً خاصاً بالحياة وبقيمة الإنسان فيها، يبحث عن إجابات تلك الأسئلة، وبالتالي فإن نظرته إلى الإنسان العربي بوجود هذا الكم حوله من الخراب والدمار الإنسانيين مختلفة كليّاً عن نظرة الآخرين العاديين، يؤكد الروائي البلكي في هذا السياق أن "الإنسان العربي يعيش في دوامة, الكثير من الناس لا يهتمون بما يدور, يبحثون عن لقمة العيش, وتستهلكهم المتاعب, أما الجزء الواعي منه وخصوصاً الشباب فهم يدركون ما يحاك ضد أوطانهم, فلو نظرت إلى شريحة منهم ستدركين أن الروح وثابة بداخلهم, انظري إلى من خرج عقب القصف في دمشق, تجديهم شباباً كلهم, عوّلي عليهم, فالخير دائماً في ركاب الشباب. إن هناك صحوة قوية وهناك وعي يتكون وصورة أوضح تتشكل..

وفيما إذا كان حلماً أم واقعاً مؤكداً بإمكان هذا الشباب الواعي بناء ماتم تهديمه من قيم وأخلاق ومثل ليكون حاملاً لواءها في المستقبل القريب.. يشير الكاتب البلكي إلى أن "الواقع دائماً مايخرج من رحم الحلم, فالواقع يفرز أبناء لحظته, يُوجدهم من الحواف ومن الهامش ويضمّهم للمتن"، مؤكداً أن التاريخ يبنى بالتراكم, والعبرة فيه, فلو أننا نظرنا إلى الماضي ندرك كيف خرج عبد الناصر من الهامش، وأصبح في لحظة قدرية في المتن, أخال أن الهامش مكتنز بهؤلاء, وهؤلاء هم الذين سيكونون في المتن.

يذكر أن الكاتب الروائي مصطفى البلكي أخصائي كيميائي في التأمين الصحي، ومن مواليد عرب الأطاولة /أسيوط، وقد صدر له روايات عديدة من أهمها: تل الفواخير، رمسيس الثاني البناء الأعظم، بياع الملاح، بينوزيم.. الكاهن الأكبر، طوق من مسد، الإضراب الأول، ساوتي، سيرة الناطوري، نفيسة البيضا، قارئة الأرواح، ممرات الفتنة، جلنارة حمراء.. بالإضافة إلى مجموعات قصصية أخرى، وقد نال جوائز عديدة عن أعماله الروائية والقصصية، منها: جائزة أفضل رواية من الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، وجائزة القصة من جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين الثقافية عام 2006, وكذلك جائزة  إحسان عبد القدوس في الرواية، وجائزة اتحاد الكتاب في الرواية 2010، وجائزة ساقية الصاوي في الرواية 2012، وأخيراً جائزة الروائي الكبير بهاء طاهر في الرواية 2017.

 

2018-04-18