الأربعاء 14/3/1446 هـ الموافق 18/09/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل يكرر مرسي في سوريا أخطاء مبارك في العراق (ج1)؟ / محمد عزت الشريف

  ما أشبه اليوم بالبارحة .. !! لم يكن لمبارك قيمةٌ نُـُذكرُ غير تلك التي يستمدها أيُّ حاكمٍ مصريّ من قيمة مصر ذاتها؛ وسط محيطها العربي، وبوضعها الإقليميّ والدوليّ الاستراتيجي، وثقلها الحضاري، وعمقها التاريخي. سبع سنوات عجاف مرَّت من حكم مبارك؛ وهو يتوق توقاً إلى عودة مصر إلى الخيمة العربية، ليعود معها وعلى رأسها ليكون رأساً وزعيماً على أمة العرب .. أحلام عصافير لا تملك ـ بذاتها ـ أسباب تحقيقها ؛ اللهم إلا إذا طار عصفورٌ ووقف على سَنام جملٍ، أو حطَّ على قمة هرم؛ وكان الجمل ـ هنا ـ مصر .. وكان الهرمُ تاريخَ مصر .. سبع سنوات من الشوق والتوق ونفاد الصبر في الانتظار .. حتى كانت مشيئة الله .. وتضع حرب الخليج الأولى أوزارها، ليسترد الرئيس العراقي صدام حسين أنفاسه، وينظر حوله، ويُفكر في جمع شتات الأمة؛ بعد حربٍ ضروسٍ كادت تأتي على خيرات، بل وحتى على أحلام الأمة ! لم يُصدق مبارك نفسه والرئيس صدام يهيئ الأجواءَ، ويُمهّد السبل نحو مصالحة (عربية / عربية) تـُعيد مصر إلى حضن الوطن العربي الأم؛ بل وكانت مَكرُمةً عظيمةً من العراق (حاكمٍ وحكومةٍ ودولة) أنْ يسعى (وهو البلد الغنيّ بنفطه وثرواته) إلى الدخول في مجلسٍ للتعاون العربي (الاقتصادي) يضم معه ثلاث دول أخرى عربية، فقيرة الموارد (هي اليمن ومصر والأردن) ولكن ؛ لا تأتي الرياح دائما بما تشتهي السُفُنُ .. لم تـَمْضِ شهور على تأسيس وإبحار السفينة؛ حتى جاءت رياح الجنوب؛ زعابيب خماسينية خليجية قادمة عبر منفذ الكويت الحدوديّ .. حديث طويل وحوارات ومطالبات لا تنتهي بديونٍ للكويت على العراق ناتجة عن قروض ومساعدات قدمتها حكومة الكويت للجيش العراقي على مدى سِنِيِّ حربه و تصدّيه، و صدِّه للجيش الإيراني الذي كانت له نوايا حقيقية و معلنة في تصدير الثورة إلى المنطقة العربية كلها مستهلاّ المسيرة باجتياحٍ دويلات الخليج الهشة غير المالكة بذاتها لأسباب الدفاع عن نفسها. كانت تصرفات الكويتيين ومطالبهم صادمة حقاً، و بخاصة إذا علمنا أنَّ كلَّ ذلك كان قد تزامن مع سياسات الكويتيين المريبة ، بالضلوع فيما رآه العراقيون مؤامرة لإغراق السوق النفطية بزيادة حصص التصدير لكل دول أعضاء منظمة انتاج وتصدير النفط أوبك، دون حاجة إقتصادية فعلية إلى ذلك؛ مما ألحق بالإقتصاد العراقي ـ الخارج لتوِّه من حرب طويلة مريرة ـ أكبر الضرر، وأعاق خطط البناء، بل و خطط العراق في الأخذ بيد الإقتصاد المريض في دول مجلس التعاون العربي ـ على الأقل ـ وكمرحلة أولى تتبعها مراحل أُخَرٌ نحو الاندماج في تجمعات اقتصادية عربية موازية؛ تكون ثمرتها في النهاية وحدة عربية اقتصادية مُؤَمَّلة؛ إن لم تكن سياسية و اجتماعية شاملة . و لم يجد العراق بُدّاً من الأخذ بالأسباب السلمية في الشرح والتوضيح والتفهيم لكل دول المنظمة، بل والعالم .. ومن ثمَّ في التحذير؛ قبل التهديد للكويتيين مرة بعد مرة للرجوع عن سياساتهم النفطية الآخذة بسعر (نفط منظمةأوبك) حتما إلى الحضيض .. ! حتى أنّ سعر برميل النفط لم يكن يتخطى ـ في حينها ـ حدّ تكلفة انتاجه وتصديره !! وتتفاقم الأزمة يوماً بعد يوم، وساعة تلو ساعة .. ويمر الطرفان ـ العراقيين والكويتيين ـ بمرحلة جسِّ نبْضٍ، وكشفٍ عن حقيقة (ومدى صدقية ) النوايا .. ليجد مبارك عند ذلك ضالته؛ و خطوته الأسرع للقفز على كرسي الزعامة، بالمزايدة والمصانعة، واهتبال الفرصة؛ بالمسارعة في الدخول بين المتشاحنين (كفاعل خير ) لنقل الخبر، و التقريب بين وجهات النظر .. وظل الزعيم المرتقب في رحلات طيران مكوكية بين بغداد والكويت كرسول سلام وحمامة زاجل تنقل رسائل صدام وجابر من وإلى بغداد والكويت ، وهو يرنو إلى أملٍ صار أقرب إليه مِمَن يجلس في كرسي الطائرة جواره !! كان مبارك متعجلاً، وانتهازياً وساذجاً فضفاضاً؛ لم يكتف بنقل المحادثات الرسمية و التصريحات؛ بل نقل معها حتى الوعود و الأسرار بينه وبين الرئيس صدام حسين إلى الأمير جابروحاشيته وآله .. ! ومن هذه الأسرار أن: لا تخافوا ولا تحزنوا يا أخواني في الكويت، فأنا الزعيم المخلـِّص ، والحق فيما أخبركم به و أُُُصرِّح .. والحق أقول لكم: أنَّ صدام حسين إنما يُرْغِي ويُزْبِدُ ويهدِّدُ فحسْب؛ ولكنه أبداً ليس في نِيـَّته ولن يكون في نيـته أن يفعل شيئا ممَّا يهدِّدكم به !! وكانت هذه هي الشرارة .. ورد عليه صدام ـ وقتها ـ بحدّة، وغضب، واصفاً إيَّاه بأنه شخص (خفيف)، و لا عهد له؛ ليتضح أنَّ الاتفاق بين مبارك وصدام ـ عندما أبلغ مباركُ صدامَ أنّ الكويتيين خائفون من تهديدات العراقيين ـ أنْ لا يُنفذ صدام تهديداته ، في مقابل أن لا يُهديء مبارك من مخاوف الكويتيين حتى يأتوا إلى المفاوضات مع كل دول منظمة (أوبك) لاتخاذ إجراءات، ورسم سياساتٍ من شأنها تقليل حصص الأعضاء في التصدير للعودة بسعر النفط إلى مستوى معقولٍ يُغطى تكلفة إنتاجه ويُدِرّ فائضاً مُجزياً من المال يساعد في دفع عجلة البناء، والنهضة في العراق بل وفي دول (التعاون العربي) ودول منظمة أوبك نفسها؛ وكفى الله المؤمنين القتال ..! ولكن شَرَهَ مبارك إلى الزعامة دفع به للسير في كل الطرق، واستخدام كل الأوراق ( بصرف النظر عن مشروعيتها، أو انسانيتها) للوصول إلى الهدف الأنانيّ الشخصي في زعامة لا يستحقها وليس مُؤهَلا ـ أصلا ـ لها... ـــــــــ. ونستكمل في الجزء الثاني ... ***

2012-10-04