السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نكبة الفلسطينيين... نكبات لا تنتهي...د. سنية الحسيني

أحيا الفلسطينيون الْيَوْمَ ذكرى نكبتهم بنكبة جديدة. والحقيقة أن الفلسطينيين  يعيشون نكبات متتالية منذ عام ١٩٤٧، أوصلت حال القضية الفلسطينية الْيَوْمَ لأسوء حالاتها، فالمشروع الوطني الفلسطيني بات في خطر، إن لم يبدأ الفلسطينيون من هذه اللحظة بإعادة التفكير بنهج وطريقة مختلفة ومشتركة. فالقضية الفلسطينية الْيَوْمَ تحتاج إلى تعاون وتنسيق بين جميع مكونات هذا الشعب، ليس فقط من داخل فلسطين بل ومن خارجها أيضاً، ليس فقط من قبل فصيل أو حزب معين بل تحتاج إلى الكل الفلسطيني. 

 

بدأت أول نكبات الفلسطينيين بنكبة قرار التقسيم (١٨١) عام ١٩٤٧، عندما أهدت الامم المتحدة الغرباء اليهود الجزء الأكبر من الارض الفلسطينية العربية، وهو في الأصل قرار  شاذ وغير قانوني. فالأمم المتحدة لا تمتلك الارض الفلسطينية كي تحكم بتقسيمها، تماماً كما بريطانيا لم تكن تمتلك فلسطين كي تمنحها لهؤلاء الغرباء كما جاء في وعد بلفور. إن بريطانيا لم تكتف بهذا الوعد لليهود، بل ساهمت بتحقيقه على أرض الواقع، بعد أن استغلت انتدابها لفلسطين لتمكين هؤلاء بالسلاح والامتيازات لتنفيذ مشروعهم الاجرامي بحق شعب مسالم، كما قامت بتسليمهم الارض الفلسطينية قبيل إنهاء انتدابها لفلسطين ليعلن اليهود دولتهم بالتزامن.

 

 الا أنه ومنذ اللحظة التي اتخذت بها الامم المتحدة قرارها بتقسيم  فلسطين تتالت النكبات. فمكنت بريطانيا المشردين اليهود  ودعمتهم بالسلاح. وما بين قرار التقسيم ونكبة الفلسطينيين عام ١٩٤٨ ستة أشهر كانت كفيلة لاستكمال المؤامرة ضد الشعب الفلسطيني، ليحرم نعمه العيش في وطنه، وليحكم على من تبقى منه في هذا الوطن بحرب لا تنتهي. فحوالي ثلاثة أرباع مليون فلسطيني هجروا قسراً من أرضهم، مخلفين وراءهم آلاف الشهداء والجرحى.

إن هذه الجرائم بدأت قبل اعلان الكيان الصهيوني لدولته وحتى قبل أن تتحرك أي من الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين. وحتى تكتمل الجريمة باركانها دمر  عصابات المجرمين اليهود عدد كبير من المدن والقرى الفلسطينية، وتوضح عدد من الإحصائيات أنه قد وصل عدد تلك المناطق المدمرة حوالي ٥٣٠ قرية ومدينة. جاء ذلك كي يضمن الكيان المغتصب عدم إمكانية عودة السكان الفلسطينيين إلى مناطق سكناهم، هذا ناهيك عن جرائم القتل التي ارتكبت بحق كل فلسطيني حاول العودة إلى بيته أو قريته.  

 

جاءت نكبة الفلسطينيين الثانية بعد هزيمة حرب عام ١٩٦٧، وهي المرحلة الثانية التي استعد لها الاحتلال، ليبسط سيطرته على كامل فلسطين، ونجح العدو الصهيوني بالفعل في ذلك بعد أن هزم الدول العربية، واحتل أراض من سوريا ولبنان والأردن ومصر، طبعاً بالاضافة إلى احتلاله ما تبقى من الارض الفلسطينية. لم يكن إستعداد إسرائيل لعقدين متتاليين لتنفيذ هذه الخطة كافياً، بل احتاج هذا الكيان إلى دعم الولايات المتحدة، والتي اعتمدت  إسرائيل كحليف رئيس ودون منازع في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً  بعد هذه الحرب. 

 

لم يتوقف هذا الكيان الهمجي عّن إقتراف جرائمه بحق الفلسطينين عند هذا الحد. فبدأ بمطاردة المقاومة الفلسطينية في خارج فلسطين، تلك المقاومة التي تشكلت بذورها من المهاجرين الفلسطينيين الذين حكم عليهم قسراً بالغربة والتشرد. فاغتالت الشاعر والكاتب والرسام والمقاوم. وانتهت هذه المرحلة بنكبة فلسطينية جديدة أصابت المقاومة الفلسطينية في الصميم، عندما حكم عليها بالرحيل من لبنان عام ١٨٨٢.  

 

الا أن النكبة الكبرى هي نكبة إتفاق أوسلو وبداية المسيرة السلمية. والحقيقة أن التوجه نحو نكبة المسار السلمي لم تبدأ عام ١٩٩٣ بتوقيع الاتفاق، وإنما جاءت نتيجة للكبوة التي أصابت منظمة التحرير، والتي بلغت ذروتها بإعلانها عام ١٩٨٨ بقبولها قرار ٢٤٢ والحل السلمي. واستغلت إسرائيل ضعف المنظمة وتخلصت من الاثار السلبية لانتفاضة الحجارة عليها، وأسست لنكبة فلسطينية جديدة. 

 

بعد توقيع قيادة منظمة التحرير اتفاق أوسلو، بات الكل الفلسطيني في الداخل والخارج تحت السيطرة والرقابة والحكم الإسرائيلي وبموافقة فلسطينية. وباتت حياة الفلسطينيين تدار حسب مخططات وأوامر وشروط  الاحتلال لكن بأيدي فلسطينية. وبات التنسيق الأمني والتعاون المعلوماتي مع الاحتلال مقبول ومشرع. وباتت مقاومة الاحتلال المشرعة دولياً تحمل صفة الاٍرهاب. وابتدع بدل منها فكرة المقاومة السلمية دون أن تتلازم مع أي إستراتيجية أخرى تساهم بالضغط على المحتل. ومن المعروف أن فكرة المقاومة السلمية جاءت من الهند بقيادة غاندي، الا انها كانت مصحوبة بالعصيان المدني، فجاءت بالطبع بنتائج إيجابية في الهند. 

 

واغتال العدو الاسرائيلي كل من بات يشكل تهديداً لمقاربة إسرائيل. وعندما اكتشف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حقيقة المؤامرة الإسرائيلية، بعدم نية العدو الوصول لحل سلمي حقيقي،   وتحديد دور السلطة بإدارة الاراضي الفلسطينية، تحت السلطة والارادة الحقيقية للاحتلال، وذلك خلال قمة كامب ديفيد عام ٢٠٠٠، بات هو نفسه هدفاً للاغتيال. 

 

وناهيك عن خسارة الساحة الفلسطينية لخيرة قياداتها بعد أن اغتالهم الاحتلال، أوصل الانقسام الفلسطيني النكبة الفلسطينية إلى ذروتها في هذه المرحلة، الامر الذي يكشفه بجلاء حالة الضعف والهزال التي أصاب الحالة الفلسطينية، ويبدو أن الساحة الفلسطينية باتت تعاني من حالة انعدام القيادة. فلم يعد هناك قائد يتفق حوله الجميع، وبات هناك شك بقدرة ومكانة القادة الحاليين بإدارة دفة الأمور في فلسطين خصوصاً في مواجهة مؤامرات العدو. 

 

وتعيش القضية الفلسطينية نكبة جديدة جاءت بانتخاب دونالد ترامب. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تقف يوماً مع الفلسطينيين، فكانت الحامية والمدافعة والأمينة دوماً على مصالح  حليفتها الصهيونية، إلا أن رئيس الولايات المتحدة الحالي، يقف علانية ضد الحق الفلسطيني، ولا يعترف بقانون أو تاريخ أو مبدأ، مسير حسب إرادة حكومة الكيان المحتل. وتقف الولايات المتحدة الْيَوْمَ في مواجه العالم كله في الامم المتحدة لدعم ما هو غير قانوني وغير منطقي وغير مقبول، بما بات يشكل مصدراً لتهكم الامم. 

 

إن هذا الكيان المغتصب يريد الْيَوْمَ أن يمرر كل ما فشل في تمريره في العقود السبعة الماضية، خرق للقانون وانكار للحقوق وتلاعب بالتاريخ في ما يخص القضية الفلسطينية، محتمياً بالقوة العظمى الاولى في العالم التي يحكمها رئيس يثير سلوكه وقدراته جدل كبير حتى في داخل الولايات المتحدة نفسها. 

 

لقد بات واضحاً وبعد تجربة تاريخية طويلة أن الكيان الصهيوني جاء لتدمير المنطقة وليس فقط لاحتلال فلسطين، فهذا الكيان الذي يعتدي على دول المنطقة كما حدث باعتدائه على العراق في الماضي، وعلى لبنان في مناسبات عديده، وعلى سوريا، فانه أيضاً يدعم المتمردين والارهابيين الذين يعيثون فساداً في الدول العربية، إن لم يكن قد ساهم بالفعل في تأسيس مثل تلك الجماعات. ويروج بالاكاذيب وبث الفتن بين دول المنطقة والعالم بالحاجة للقضاء على إيران بحجة سعيها لامتلاك السلاح النووي، لاشعال مزيد من الحروب، وتدمير القوة الوحيدة المتبقية غيرها في المنطقة. لقد بات  جلياً أن الكيان الاسرائيلي هي مشعل الفتن والحروب في المنطقة، إنه الداعش الحقيقي في هذه المنطقة، الذي يفترض أن يتكاتف الجميع للتخلص منه. 

2018-05-15