فشلت حكومة المستعمرة الإسرائيلية وأجهزتها العسكرية وتكتيكاتها الأمنية في إنهاء مسيرات العودة وكسر الحصار ، منذ نجاح أفعالها للأسبوع العاشر على التوالي حتى يوم الجمعة الأولى من حزيران ، بدءاً من يوم الأرض 30 أذار 2018 ، من قطاع غزة بإتجاه مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، بعد أن شكلت حالة حرج سياسي للعدو الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي كونها مسيرات مدنية سلمية عائلية شعبية جماهيرية حاشدة ، فعملت حكومة المستعمرة الإسرائيلية على إحباطها عبر عدة وسائل وأدوات ومنها :
أولاً : زيادة حجم الخسائر البشرية ، بشكل ملحوظ ، وإستهداف الضحايا من المدنيين غير المسلحين المتلهفين لتحقيق ذواتهم وتطلعاتهم من خلال إسهامهم بالمسيرات بهدف كسر الحصار القاسي نحو الأسلاك الشائكة على حدود منطقتي الإحتلال الأولى والثانية ، فتواجههم قوات الإحتلال بالرصاص الحي بشكل متعمد كي يكون الثمن الفلسطيني باهظاً ، من حياة المشاركين وإستهداف أطرافهم ليعانوا من إعاقات دائمة .
ثانياً : عبر جرجرة فصائل المقاومة ونصب فخاخ لها كي ترد على إستفزازات العدو ، بإتجاه الإشتباكات المسلحة ، وإنهاء حالة الإلتزام بالنضال الشعبي المدني السلمي ، ودفعها نحو إعلاء الصوت حول أهمية الرد بالعمل المسلح على إستفزازات العدو وقصفه لمواقع محددة ، خاصة وأن بعض الفصائل وبعض القيادات تتحدث عن قدسية الكفاح المسلح ، وتتحدث عن النضال الشعبي ، كأنه عمل مُعيب ودوني وإنتقال تراجعي من ذروة الفعل الكفاحي الذي يتميزون به إلى الإنحطاط الشعبي الضعيف الذي يتبرؤن منه ، غير مدرك بعضهم أن هذا خلاصة فهم ضيق فالنضال له أولويات وضرورات ومحطات ، وأن العمل المسلح والنضال الشعبي والمظاهرات والعمل الدبلوماسي والمفاوضات أدوات وليست مبادئ ، أدوات للوصول إلى الهدف وليست مبادئ يتطلب التمسك بها والعمل من خلالها ووفق قيمها.
ثالثاً : محاولات العدو لشيطنة قيادات المقاومة الوطنية وخاصة حماس كونها صاحبة القرار المهيمن في قطاع غزة ، وإستغلال الأخطاء المتداولة أو التراكمية ، وممارسة الضغط عليها إما بإرسال رسائل التهديد بالقتل وإنهاء تفاهمات 26/8/2014 القائمة على التهدئة الأمنية المتبادلة ، ودفع أطراف إقليمية كي تمارس ضغوطها على حماس وباقي الفصائل لوقف مسيرات العودة ، وإعتبارها خرقاً لوقف إطلاق النار وإنهاء لصيغة التفاهمات حصيلة الوساطة المصرية في عهدي الرئيس محمد مرسي سنة 2012 والرئيس السيسي سنة 2014 ومواصلة تجديدها يوم الأربعاء 30 أيار 2018 حيث نجحت الوساطة المصرية بعد صدور بيان فلسطيني يقول " إذا أوقف العدو قصفه سنتوقف " وأوقفوا ، وهكذا نجحت الوساطة المصرية ، بإغلاق بوابات التصعيد ووقف إطلاق النار بين تنظيمي حماس والجهاد من جهة ، وبين العدو الإسرائيلي من جهة أخرى ، بعد يوم صاخب من القصف المتبادل ، لم تبرز خلاله مظاهر التضحية والخسارة ، بل مجرد ضجيج صوتي من القذائف ، بلا فائدة سياسية مرجوة ، سوى أننا مازلنا موجودين ، وأثبتت حماس ومعها الجهاد أنهما شريكان في إثارة الضجيج ، وفي وقف إطلاق النار كذلك .
مسيرات العودة إسلوب كفاحي راقي المستوى تكمن أهميته في عاملين :
أولهما : مشاركة القطاع الأوسع من الفلسطينيين في نشاطاته ، وأن لا يقتصر الفعل الكفاحي على المتفرغين والحزبيين ، وهم قلة مقارنة بحجم الجماهير الشعبية الذين يرغبون بالمشاركة ، وأثبتوا إستعدادهم العالي للتضحية .
وثانيهما : الفعل المدني السلمي الذي احرج العدو أمام العالم ، الذي بدأ يتفهم بشكل تدريجي معاناة الشعب الفلسطيني وتتسع درجات التضامن معه في مواجهة ظُلم الإحتلال وقسوته وعدم شرعيته .
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.