الإثنين 24/10/1444 هـ الموافق 15/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بوادر أزمة سياسية بين بغداد وواشنطن

بغداد-الوسط اليوم-الاتحاد

أكد تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن أمس أن الأزمة السورية وضعت بغداد في موقف محرج، وأنها أثارت الكثير من التساؤلات حول الدور الذي يلعبه العراق في المنطقة، وموقفه من النظام السوري.

وذكر أن النظام السوري كان قبل سنوات من ألد أعداء بغداد، كونه ساهم بدخول عدد من قيادات “القاعدة” إلى العراق للقيام بعمليات إرهابية، بينما تعارض بغداد اليوم تغيير نظام دمشق، وتحاول منع تدفق المسلحين من العراق إلى سوريا.

وبحسب التقرير فإن هذا يعكس مدى تأثر القرار الرسمي العراقي بالسياسة الإيرانية في المنطقة، ويعكس مخاوف الحكومة العراقية من أي تغيير يحصل على الساحة السورية.

وبحسب التقرير فإن حكومة نوري المالكي اليوم باتت أمام خيارات معقدة جدا، فهي إما أن تعمل على تعزيز علاقاتها مع إيران على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة أو أن تتخلى عن محور (طهران–دمشق) لمصلحة التغيير في سوريا.

لكن مع تعاظم النفوذ الإيراني في العراق والدعم المقدم لبعض الجماعات المسلحة فإن حكومة المالكي تخشى من أي تحرك قد يقوض استقرار بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية.

وقد برز الدور الإيراني بوضوح، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، حينما أقنعت إيران بعض الأحزاب الشيعية المعارضة لحكومة المالكي بضرورة دعمه، والضغط على الأحزاب والكتل السياسية الأخرى لعدم تناول أي ملفات فساد مالي أو إداري، يمكن أن تسيء إلى سمعة هذه الحكومة في الشارع العراقي.

بالمقابل من هذا تضغط إيران بشدة على بغداد لتأييد سياستها الداعمة للنظام السوري وتوفير الغطاء اللوجيستي له. كما تستخدم إيران النافذة العراقية في كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل الغرب، من خلال تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في العراق.

ويضيف التقرير أن بغداد تدرك جيدا الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تثبيت نفوذ حكومة المالكي، خصوصا في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، لذلك فهي ترفض أي مزاعم بوجود نفوذ إيراني أو أي تأثر للسياسة العراقية بالمصالح الإيرانية في المنطقة.

وبحسب التقرير فإن واشنطن تمتلك أوراق ضغط كثيرة، يمكن أن تحركها ضد حكومة السيد المالكي، في حال رفض هذا الأخير التعاون معها، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري.

فهي من جهة قد ساهمت إلى درجة كبيرة في عودة الإنتاج العراقي من النفط إلى مستويات متقدمة، ولعبت دورا كبيرا في خفض الديون العراقية بنسبة 80%، كما تمكنت من حلحلة الخلاف النفطي بين كل من بغداد وإقليم كردستان بعض الشيء، في وقت تدرك فيه بغداد خطورة انفصال هذا الإقليم عنها وقدرة الولايات المتحدة على لعب دور مهم في خروج العراق من طائلة البند السابع.

كما هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات المالية المقدمة للعراق، والبالغة 1,7 مليار دولار، خلال هذا العام، إذا استمرت بغداد بسياستها الحالية. وفي محاولة منها لتبديد المخاوف الأميركية من زيادة النفوذ الإيراني في العراق، عقدت بغداد عددا من صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، ووافقت على دفع جزء من مستحقات شركات النفط العاملة في إقليم كردستان العراق، بعد أن كانت ترفض أي صيغة قانونية للعقود الموقعة بين تلك الشركات وحكومة الإقليم.

وبحسب التقرير فإن بغداد كانت ولا تزال حريصة على الظهور بصورة من يمسك بالعصا من المنتصف بين كل من طهران وواشنطن. وانعكست هذه السياسة على المبادرة العراقية التي أطلقتها حكومة المالكي لحل النزاع في سوريا.

وهذا يؤكد بشكل واضح تذبذب الموقف الرسمي العراقي من الأزمة السورية، وتنازعه من قبل الضغوط الإيرانية والمخاوف من تدهور العلاقة مع واشنطن. لكن ومع استمرار الحكومة العراقية في انتهاج هذا الخيار، فالأمر يبدو صعبا جدا ومعقدا، خاصة في إطار المعطيات والظروف الحالية.

فالموقف من الأزمة السورية وضع الحكومة العراقية في موقف محرج أمام كل من إيران والولايات المتحدة على حد سواء. ولم يعد بمقدور المالكي تجاهل التصعيد في الملف السوري، خاصة بعد المطالبات العربية بضرورة التدخل العسكري العربي لوقف العنف. كما تخشى بغداد من عزلة دولية قد تفرض عليها على خلفية اضطراب العلاقة بينها وبين واشنطن، وخصوصاً بعد تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة أدركت مؤخرا الدور غير المعلن للحكومة العراقية بدعم إيران والنظام السوري، لذا طالبت واشنطن بغداد بمنع مرور أي طائرات إيرانية متجهة إلى سوريا، وضرورة وقف شحنات الأسلحة المتجهة من طهران إلى دمشق عبر الأجواء العراقية.

ورفضت بغداد من جهتها هذه الادعاءات متهمة بعض الجهات بمحاولة تشويه العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة. وبحسب التقرير فإنه إذا ما ساءت علاقة بغداد مع واشنطن أكثر من ذلك فقد تكون حكومة المالكي مضطرة للتوجه شرقا باتجاه الصين أو روسيا، خاصة أن العراق يحتاج إلى شركات كبرى قادرة على تلبية متطلبات إعمار بناه التحتية المدمرة، والاستمرار في إنتاج النفط بمستويات مرتفعة.

كما أن حكومة المالكي ترغب في أن يكون لها تحالفات خارج إطار الدائرة الإقليمية الضيقة، في محاولة منها لتجنب أي آثار سلبية تنجم عن تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة أو تركيا.

وتخشى حكومة المالكي من تباطؤ محتمل في تسليح الجيش العراقي بالطائرات الأميركية التي تعاقد على شرائها سابقا، ومن قرار الكونجرس الأميركي بإلغاء التمويل الخاص بتدريب قوات الأمن العراقية.

وفي هذا الإطار تأتي زيارة المالكي المزمعة إلى موسكو قريبا، ورغبته في إبرام صفقات لشراء طائرات روسية. ويضيف التقرير أن أي تقارب عراقي-روسي- إيراني سينعكس سلباً على طبيعة العلاقات المستقبلية بين بغداد وواشنطن، ويضع حكومة المالكي في امتحان صعب قد يزعزع استقرارها في عراق ملئ بالأزمات

2012-10-05