هل تسعى إسرائيل إلى عقد هدنة مع حركة حماس في غزة، كما يبدو لكثيرين، وكما يُنشر في كثيرٍ من وسائل الإعلام؟!! وهل تسعى إسرائيل لمفاوضات مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، على أساس حلِّ الدولتين؟!! أخيرا عثرتُ على ضالتي في مقالٍ للكاتب، أفيد كلينبرغ، في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 11-8-2018 أجاب عن السؤال الأول قائلا:
"إسرائيل ليست معنية بتسوية مع غزة لسببيْنِ:
الأول، لأنها بعقدها صفقة تهدئة مع غزة، فإنها تنتقص من صيغة، إسرائيل القوية، المنيعة، القادرة على هزيمة دول المحيط!، فكيف تعقد اتفاقا مع حركة إرهابية؟! الثاني: أية تسوية مع غزة ستثير أزمةً داخل حكومة نتنياهو، لذا، فإن حكومة إسرائيل ملتزمة بسياسة الأمر الواقع، أي: إبقاء غزة (إرهابية) محكومة (بحماس) كحزبٍ إرهابي، يهدف لتدمير إسرائيل! فإذا عُقدتْ هدنةٌ معها، فإن صيغة الإرهاب ستزول، مما يجعل محاصرتها وإغلاق معابرها عملا غيرَ مُبرَّرٍ. يضيف الكاتب: حماس، قوية جدا في غزة، والسلطة ضعيفة جدا في رام الله، هذا الصورة هي الأفضل لاستمرار البناء الاستيطاني!! فالحالة الراهنة هي أفضل الحالات لجني الأرباح، لذلك، لا نيَّة لحكومة نتنياهو أن تهزم حماس، وتشعل حربا جديدة!!" (الحالة المُريحة، هي كيانان منفصلان متصارعان)!
يسأل، أفيد كلينبرغ السؤال الأهم، والذي يجري تطبيقُه اليوم: "كيف نُساعد غزة على الحياة، بدون أن نقوِّي حركة حماس، أي بتقليل الأزمة الإنسانية؟
يمكن تحقيق ذلك ببناء جزيرة، أو ميناء تحت مراقبة إسرائيل؟"
مَن يقرأ آراء وتحليلات الإسرائيليين يكتشف بعض آليات السياسة الإسرائيلية، هذه الآليات هي جزءٌ من مخطط إسرائيل، الذي بدأ مع ما يُسمى (الربيع العربي)!! مخطط استنزاف القضية الفلسطينية، أي تفكيك مبادئها الأيدولوجية، وتغييرها مِن قضية فلسطينية، عربية، عالمية، إلى قضية فرعية حياتية، تهم فقط الفلسطينيين والإسرائيليين، أما المخطط الآخر، فهو تجريد هذه القضية من بُعدها العربي بذكاءٍ شديد، وذلك بنزعِ قداستها من أذهان العرب باستخدام تكتيك الانقسام الفلسطيني، أي، بتشويه صورة المناضلين الفلسطينيين الوطنيين، الثوريين، الموحَّدين، هذا ما جرى بالفعل، وجعل عربا كثيرين يندمون على دعمهم للقضية الفلسطينية، ووصل الأمر ببعضهم إلى اتهام القضية الفلسطينية بأنها كانت السبب الرئيس لنكبة العرب، وتخلفهم، وفقرهم!! أضافت إسرائيل إلى ذلك، اختراع عدو مشترك لإسرائيل والعرب، وهو إيران، هذا أدَّى إلى الارتماء في أحضان إسرائيل، بحيث أصبح كثيرٌ من العرب أقرب إلى إسرائيل مِن قُرب بعضهم لبعض!! ولم يُفلح الفلسطينيون في إعادة ضبط البُعد العربي لقضية فلسطين، فعندما استعملوا شعارهم التقليدي، (القرار الفلسطيني المستقل) طبَّقوه بمفهومه اللُّغوي الضيِّق!
أما عن غزة، فقد استاءتْ إسرائيل كثيرا من مسيرة العودة السلمية في بدايتها، وبخاصة بعد استنكار وشجب كثير من دول العالم لقتل الأبرياء الفلسطينيين، من الشبان والأطفال، لذا فإنهم سَعَوْا من اليوم الأول لتحويل هذه المسيرة السلمية إلى مسيرة حربية، لتعزيز نظريتهم ببقاء غزة في خانة الإرهاب، فأمعنوا في القتل، لغرض استدراجنا للرد، وهم يعلمون، أن مسؤولي غزة لا يملكون حنكة وخبرة سياسية، سريعو الانفعال، فشرعوا بالقنص، وإطلاق الصواريخ!!
كان ضروريا أن تُبرمج هذه الهبة الشعبية وفق المفهوم السالف، ووفق الحنكة السياسية، وأن يُحتفظ بها ورقة ضغط سلمية، وأن تُجنَّب أيَّ فعل قد توظفه إسرائيل ليدعم مزاعمها، لكي تُهزَم مؤامرتُها، وأن يجتهد الفلسطينيون لتقوية الصف الفلسطيني بإنهاء الانقسام، وتعزيز الجبهة الفلسطينية.
أخيرا، إنَّ أبرز أعراض نقص الخبرة الدبلوماسية سيجعل قضيتَنا الفلسطينية إحدى البضائع الثانوية في سلَّةِ صفقة القرن، قد نحملها بأيدينا مُنوَّمين إلى حيثُ سيجري شطرُها نصفَيْنِ!!