الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سوق العمل الفلسطيني بين الاختلالات الهيكلية والتدخلات المطلوبة....رائد حلس

 شهد سوق العمل الفلسطيني خلال الفترة 2017-1995، تشوهات واختلالات حادة، تمثلت في الفجوة الواسعة بين العرض والطلب على العمل، وكانت البطالة من أهم مظاهر هذه التشوهات والاختلالات، والّتي تُعتبر بذات الوقت التحدّي الأوّل الّذي تستهدفه البرامج والخطط الاقتصاديّة الّتي تتبنّاها الحكومة من أجل دفع الاقتصاد نحو التطوّر والنموّ. فحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ارتفع معدل البطالة في فلسطين من 18.2% عام 1995، ليصل إلى 27.7% عام 2017، وقد جاء هذا الارتفاع في معدلات البطالة جراء نموها الواضح في قطاع غزة في السنوات العشر الأخيرة نتيجة للسياسات الإسرائيلية التي المتمثلة في الحصار الشامل والاعتداءات المتكررة التي أدت إلى تدهور القطاعات الإنتاجية، وخاصة الزراعة والصناعة، مما تسبب في تدّني مساهمة هذه القطاعات في التشغيل. كذلك التطوّرات التي طرأت على سوق العمل، التي تمثلت في التزايد الكبير في عرض العمالة من خريجي مؤسسات التعليم العالي، وظهور مشكلة فائض العمالة في بعض التخصّصات، وبالتالي تزايد أعداد الخرّيجين من حملة المؤهلات العلمية العالية، الناجم أساساً عن التزايد الكمّي في أعداد مؤسسات التعليم العالي، وتوسّعها في البرامج والتخصّصات التي توفّرها للطلبة، ممّا أدّى في المحصلة إلى وجود فائض من الأيدي العاملة في الكثير من التخصّصات التي لا تنسجم مع متطلّبات واحتياجات سوق العمل. في ظل هذا الوضع الذي شهدته فلسطين وكذلك سوق العمل، تدخلت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في هذا السوق من خلال رسم وتنفيذ سياسات حكومية عامة للتشغيل في إطار الخطط والبرامج التنموية التي تهدف بشكل أساسي إلى زيادة التشغيل والحد من البطالة، لكن اصطدمت هذه التدخلات بالظروف والمحددات السياسية والاقتصادية التي قيدت هذه الخطط والبرامج وحالت دون تنفيذها، أهمها: سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الموارد الاقتصادية، والمساحات الجغرافية، والحدود ونقاط العبور، والاتفاقيات الاقتصادية المقيدّة للفلسطينيين، وذلك دون التزام إسرائيلي جدّي أو استعداد لتعديل الاتفاقيات بما ينصف الجانب الفلسطيني، واستمرار الحصار الشامل على قطاع غزة لما يزيد عن 11 عام، وبقاء الانقسام الفلسطيني بين شطري الوطن. أما هذا الوضع لابد من التوجه نحو إنهاء حالة الانقسام وإعادة اللحمة بين شطري الوطن والعمل بشكل موحد لحشد كافة آليات الضغط والتأثير الدولي لرفع الحصار وضمان السماح بحرية الحركة للأفراد والبضائع، بجانب ضرورة التدخّل الحكومي لتعزيز دور القطاع الخاص كفاعل هام وأساسي في عمليّة التشغيل، من خلال إقامة علاقة شراكة حقيقيّة بين القطاعين العام والخاص، تستند إلى تكامل الأدوار بينهما، وذلك للشروع في معالجة التشوّهات الهيكليّة طويلة المدى في سوق العمل، والتوجه نحو القطاعات والنشاطات الاقتصاديّة الإنتاجيّة، الّتي تخلق طلباً كبيراً على العمالة من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء صندوق يرعى برامج الإقراض التنموي لهذه المشاريع، وتقديم التسهيلات الائتمانيّة والخدماتيّة، والمساعدات الفنيّة والتدريبيّة، والاستشارات التسويقيّة لهذه المشاريع، وبالإضافة إلى ذلك لا بد من تطوير المناهج وتجديدها من خلال إعادة النظر في المحتوى التعليمي واستبداله بمحتوى يتلاءم مع احتياجات سوق العمل ويتكيف مع متطلبات العصر.

رائــــــــد حلـــــــــــس

باحث ومختص في الشأن الاقتصادي غـــــــــزة – فلسطــــــــــــــــين

2018-11-20