الإثنين 3/4/1446 هـ الموافق 07/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كلبٌ أبيضٌ مرقط بالأسود بطلٌ في أحد فصول رواية 'مصنع الذكريات' لاحلام بشارات...تقرير ناريمان شقورة

 كلبٌ مرقط بطل فصلٍ في رواية

كلبٌ أبيضٌ مرقط بالأسود بطلٌ في أحد فصول رواية "مصنع الذكريات" لاحلام بشارات

تقرير:ناريمان شقورة:

استقبل مركز خليل السكاكيني حفل إطلاق (مصنع الذكريات) للكاتبة أحلام بشارات وسط مجموعة من الكتاب والناقدين والأصدقاء في ميدنة رام الله، وتشارك د.عبد الرحمن الشيخ التقديم مع بشارات للرواية مع نقد أدبي لاحق.

وبعد الترحيب بالجمهور استهلت أحلام بشارات حفل الإطلاق بقراءة جزء من الرواية وهو (صافي) وإليكم بعضا من الجزء الذي اقتبسته الكاتبة للحضور وهو من فصل يحمل اسم " أخي صافي"

" عدت أحد الأيام من المدرسة فسمعتُ صوتا خافتاً صغيراً مثل صوت رضيعٍ ينبعث من مكان ما، وعندما بحثت جيدا عثرت على كتلة لحم صغيرة مغطاة بغطاء أصفر في كرتونة المدفأة التي اشتراها ابي قبل أيام، وبالقرب من الكرتونة وضعت أمي صحن حليب، تحسست رأسه ارتعش في بادئ الأمر ثم استسلم ليدي وغرق في النوم، أخبرتني أمي أن أبي وجده في الطريق وهو ذاهب في الصباح الباكر إلى العمل وجد جرواً بعينين مغمضتين ولحم طري يرتعش من البرد، فأحضره إلى البيت عندما عاد لأخذ غذائه  قبل أن يعود مجددا ليكمل عمله في ورشة بناء، تشاورت مع أمي حول اسمٍ للجرو، فكرنا بأسماء كثيرة، قلت لأمي: لقد وعدتني أكثر من مرة بأنك ستأـتين لي بأخ، لكنك حتى الآن لم تف بوعدك، قلت بأننا سنسميه صافي وذهبتِ إلى المستشفى أكثر من مرة بعد أن انتفخ بطنك  وعدت إلى البيت دون أن تحضري أخي صافي، كنت في الصف الأول ولم أكن أفهم أن كلامي سيسب الحزن لأمي، بعد سنوات عرفت أنه في كل مرة ذهب أمي إلى المستشفى ببطنٍ منفوخ كنت اخسر أخا يرحل عن الكون، قلت لها  ذلك اليوم سأسمي ذلك الجرو صافي وسيصير من الآن وصاعدا أخي صافي".

وفي أول مداخلة لـ د.عبد الرحمن الشيخ: " مداخلتي ستكون عن مصنع الذكريات انقاذ الذاكرة بالمخيلة، لن اتطرق للبعد النظري كثيرا لا نقديا ولا فلسفيا فيما يتعلق بالذاكرة وتحدا نحن كفلسطينيين موضوع الاكرة اليوم أصبح ملهما للعديد من المنظرين والمدارس النظرية في العالم حول الذاكرة وينطلقوا من فلسطين، ولكن مقتضى الحال في الحديث عن الرواية (مصنع الذكريات) يأخذنا إلى الرواية نفسها، سأقدم مداخلتي في أربع خطوات:

الخطوة الأولى هي المعاينة بمعنى الخط الحكائي للنص والرواية، والخطوة الثانية هي التأطير تأطير النص، ما يعني استدعاء النص لنصوص أخرى وهذا قد يكون إقحام للنصوص أو ظلم لها، ومرات أخرى يكون غير ذلك ولكن لدي مبرر نقدي للنصوص التي سأتحدث عنها عندي ثلاثة نصوص بالتحديد التي يستدعيها القارئ لمصنع الذكريات، والثالثة هي التحليل تحليل ربما يكون نقدي أو الأقرب للنقد كيف ننقذ الذاكرة بالمخيلة، ما الذي عرض في هذه الرواية حتى الأطفال أو اليافعين أو الشبيبة أو الأشبال يتعاملوا مع ذاكرتهم الفلسطينية، وأخيرا البلورة سنتحدث قليلا أو اسأل أحلام قليلا عن المعاني الثقافية والسياسية والجمالية في الرواية وتحديدا الأسئلة التي تثيرها القراءة من داخل الرواية".

وتدور أحداث الرواية حول ذاكرة أربعة من الأطفال 3 صبيان وطفلة وما يقصوه لبعضهم البعض عن ذكرياتهم في الطفولة المبكرة وهي تضم أمورا كثيرة منها وأهمها والدة أحد أبطال القصة وهو جابر حيث يروي الكثير عن ذكرياته معها، ويوجد عناصر أخرى في هذه الرواية غير آدمية مثل الكلب والشمس وشجرة الخروب في جبل قضاء مدينة نابلس وهو "العاصور" الذي يتوسط فلسطين.

وتطرق الرواية إلى كيفية تعامل هؤلاء الأطفال أبطال الرواية مع ذاكراتهم

وتحدث د.الشيخ عن التقنيات التي يستخدمها الأطفال في التعامل مع الذكريات، وعرج إلى النصوص التي استدعتها الرواية "مصنع الذكريات" كما عرضها وهي ثلاثة نصوص لقياس هذا النص و الحكم عليه أو تذوقه وربطها بثلاث شخصيات من النص، وقال " حتى نلعب اللعبة لعبة الذاكرة نحتاج إلى إضافة 5 شخصيات، ولكن هناك شخصيات غير آدمية ليست بشر مثل الشمس والخروبة والذاكرة نفسها، وسأتناول الشخصيات الثلاث حتى أعطي إضاءة على النصوص التي سنستدعيها، الشمس مثلا هي الغاية في كل الرواية هؤلاء الأطفال حتى يتعاملوا مع ذاكرة هذا الطفل اليتيم المكلوم الذي  يفتح السلسة ويتذكر أمه ويتذكر زوجة أبيه وجده يتحدث عن جدته وكله مربوط بالخروبة، حتى يتعاملوا مع هذه الذاكرة يريدون بناء علاقات مع ما سأسميه نظريا (توسيع محيط الذاكرة)، نحن نتحدث عن أشياء محددة في أذهان هؤلاء الأطفال، الذاكرة محيطها محدود الخروبة وقليلا من رام الله، لكنهم أرادوا توسيع هذا المحيط بالذهاب إلى رحلة خيالية إلى الشمس"

وعن النصوص التي تستدعيها رواية بشارات في رأي د.عبد الرحيم الشيخ "منطق الطير" هذا النص الذي كتبه فريد الدين العطار حوالي قبل 1200 سنة، ووصفه الشيخ بكونه إطار سحري أسطوري صوفي فيه الكثير من الإسقاطات التي تذكرنا بفريد الدين العطار "الوديان السبعة"، و"الشخصيات السبعة" وفيه الأدوات السبعة للوصول إلى الشمس، ويوجد إسقاطات مثل الحلم، هو رأى الطفلة بالشمس، تعب الشمس ومرض الشمس، والنص الثاني هو نص فلسطيني "هنالك شجرة خروب لمحود درويش" وهو نص من رسائل بين نصوص بين سميح القاسم ومحمود درويش، بعد الخروج منى لبنان وبعد الانتفاضة 1987 كتب في 1986، يكتب في هذه الرسالة لسميح القاسم عن سجال بينه وبين دانيال كاتس كاتب فنلندي مشهور الذي حدثه عن كيبوتس المبني فوق بلده، ودار سجال حول حق العودة، خلاصة الرسالة أن درويش يكتب عن تفاصيل حول الخروبة ويطلب من بابا الدعابة من سميح القاسم حفر اسمه واسم درويش على شجرة الخروب، فرد سميح القاسم عليه برسالة :"ساكتب اسمينا على الريح" بمعنى أنه لم يرد يخبره بأن الخروبة انقطعت، لأن الدرويش قاله له إذا لم يقطعوها حتى الآن".

وذكر الشيخ في تعليقه على الرواية أن الخروبة حاضرة بشكل عام في القرى الفلسطينية يوجد فيها شارع الخروبة وحارة الخروبة، وفي ذاكرة القرية الرعوية وهذا النص هو نص الذاكرة الرعوية بامتياز بمعنى الرعوي الإنجيلي الفلسطيني وليس بالمعنى الثوراتي، الذاكرة غير المشوهة والذاكرة الأليفة، فهذه الخروبة تحيل على ذاكرة القرية وتنافي ذاكرة الميدنة التي تختزل بالحجر والتي يصعب كأطفال نتواصل معها تواصل مباشر سريع ومؤثر يقودنا إلى عوالم سحرية تشبه الخروبة والزيتونة. 

أما النص الثالث فحدثنا عنه الشيخ بأنه الأقرب إلى الرواية ولم يقدر على التعامل مع الذاكرة مثلما جابر ورفاقه تعاملوا معه وهو نص"فيونس المتذكر أو فونس المتذكر" وهو الشخصية المركزية في هذه الرواية وهي قصة قصيرة أقصر من رواية أحلام وهو فتى ولد عمره19 ومات وعمره 19، وهذا الفتى وقع عن حصان غير مدجن ما سبب له بـ "ذاكرة إعجازية" وهو عكس المتوقع من فقد الذاكرة، ذاكرة لا تفارق أي شيء، تحول إلى ماكنة للزمن، ممكن يحسب سرعة الرياح اليوم  ويتذكرها بعد 20 أعوام، وتعلم 4 لغات بزمن قياسي، لدرجة إلى أن اشتمالية الذاكرة منعته من الحياة الطبيعية ودفعته للعيش في غرفة معتمة رطبة، وهي الذاكرة التي تعيق صاحبها عن أي شيء.

وقال الشيخ: " في المجازات العالمية وتحديدا عند ادوارد سعيد للأسف تذهب إلى أن الذاكرة الاشتمالية الحادة هي مشكلة وعبء ومرض، ولكن على الحالة الوطنية هناك تسييس سيء جدا بالمعنى السياسي بمعنى التنازل عن جزء من الذاكرة، وهنا العمل يتلخص في كيفية تحويل الذاكرة إلى ذاكرة جمالية لا تخون الفقد، فقد الوالدة وتوابع موضوع الفقد لوالدة جابر، في الحالات الثلاث التي استدعاها النص تخبرني أمر واحد بأن العمل على الذاكرة لا يتم بوتيرة ولا طريقة موحدة بل شتى ومختلفة، أحيانا محاولة النسيان تعميق للذاكرة، بمعنى عندما نريد تجنب فعل النسيان ننظم الذاكرة بالكتابة أو بإقامة النصوص، والحل الذي تقترحه الرواية هو حل فلسفي وجماليا مذهل، وأهنئ أحلام على هذا الإنجاز لهذا الجيل بكثافة فلسفية عالية وشفافية في الصياغة والكتابة وشعرية إلى حدٍ كبير، وهي اختارت فصل ربما هو الأقرب إلى الإنسان وأكثر حميمية وهو "صافي" لأنه كلب وليس إنسان وأخو الولد الذي فقد والدته واخوته قبل الوصول إلى الحياة".

وأثنى الشيخ على أحلام بشارات عدم ذكرها كلمة "إسرائيل" في كل الرواية ولا مرة رغم تناولها موضوع الاحتلال، وقال: " لأول مرة أقرأ نص روائي بعد أوسلو للأطفال وغيره ولا يتحدث عن الاحتلال بشكل مباشر ولا يسميه إسرائيلي وكل السمات الحقيقية التي نضعها، ولا أشعر باستنفار لأنه نص صادق، وهذا ليس مديحا بل مديح للجمال، فليس بالضرورة أن ألوث جمالية النص بقول أن الاحتلال إسرائيلي وصهيوني فالاحتلال هو صهيوني إسرائيلي وليس بالضرورة ذكره".

ووجه الشيخ تساؤلات للكاتبة حول روايتها منه السياسي الثقافي ومنه حول اللغة واستخدام اللغة المذكرة في حين أن سمات الرواية تطغى عليها اللغة الأنثوية؟ وحول أهمية المخيلة في إنقاذ وإحياء الذاكرة؟

أجابت أحلام بشارات: " جابر في النص لم يعد جابر لم يعد ذاته، وهو وصف لكيفية حدوث الأشياء، فجابر هو أمه وهو رافية وهو خالته وزوجة أبيه وجابر هو الشمس، وهو الوسيط اللغوي لكل هذه الأشياء والشخوص، لأن النص مليء بالشخوص تتحرك، سواء أكانوا أناس حقيقيين أو أشياء ووسائط أخرى، وهي لغة تصنع عالم الخيال، وهي لغة الخيال والحلم.

وحول السؤال السياسي فأكدت بشارات أنها تتجنب ذكر كلمة "إسرائيل" وتستغرب عندما تحضر على لسان الناس، وهو ما رأت فيه انتصارا للغتها الشخصية (غياب إسرائيل)، وأردفت: "الكتابة هي نصيرة صاحبها وتضامنت معي اللغة ولغته هي إعلان لهذا الانتصار، وهذا هو مشروعي ( البحث في الهوية)، فإذا كنت أبحث عن هوية في اليافعين وأحملهم عبء مفردات أنا شخصيا بعيدة عنها سأكون أول مضلل لهم فهذه الهوية التي خارجها إسرائيل هي التي أبحث عنها".

تساءل سامح خضر مدير عام متحف محمود درويش: "هل من السهل اللعب على الوعي الخصب وهل يمكن التغيير فيه وإعادة تشكيله؟ هل اخترتِ فئة اليافعين لأن وعيها خصب ويمكن تشكيله؟".

وأكدت بشارات في جوابها على خضر أنها تحب هذه الفئة وتحترم ذكائها وعقلها وأن قلة من يكتبون لليافعين يشجعها أكثر على ذلك.

وتساءلت الإعلامية نداء يونس نقلا عن ابنها لماذا أحلام بشارات تركز على الذاكرة؟ وسؤال آخر: لماذا لا يوجد الآخر في كتاباتك؟

"أنا أشحن الذكريات وهي دائما حاضرة، وأنا حريصة على ذكرها حتى تحمل نفسها واسمها وتشير إلى ما بعدها وتجليات ما يغيب وما يحدث، أنا مقيمة في الذاكرة انا هناك، وموجودة في ذاكرتي كطفلة، وأحيانا أطل على هذا العالم، أما بالنسبة للآخر فهو دائما موجود ربما يكون القارئ وشخوص الرواية، أنا شخص لا يعيش وحيدا حتى داخل الوحدة"، بهذا الاقتباس أجابت بشارات.

وقدمت الكاتبة الصحفية ناريمان شقورة ملاحظة للكاتبة حول عدم وجود ولا طفل أو يافع في القاعة رغم أن الرواية لليافعين والأطفال، وأجابت الكاتبة بشارات عن ذلك بسبب وجود ندوات أخرى تلتقي فيها باليافعين وتجيب على تساؤلاتهم، كما أن الجمهور المستهدف من كل الفئات.

وتم توقيع الكاتبة على عدد من النسخ التي اشتراها الحضور وهي بالشراكة مع مؤسسة تامر التي كانت حاضرة، وفي جو ودي جرى الصور.  

2018-11-24