الخميس 20/10/1444 هـ الموافق 11/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حول رواية منذ ساعة تقريباً للكاتب ناصر رباح .....جواد لؤي العقاد

 الشعرُ أصلُ الفنون الأدبية في كلِّ الحضارات ومنها العربية ؛ حيثُ نستطيعُ توظيفَ عناصر أجناسٍ أدبيةٍ مختلفة في القصيدة، وهذا ينطبقُ على كل ِّفنونِ الأدب ولكنْ للشعرِ خصوصية. ومن هنا نستطيعُ تفسيرَ انتقالِ الشاعر -ناصر رباح - من القصيدة حيثُ التكثيفِ والإيجاز إلى فضاءِ الرواية الأوسع. الأدبُ تعبيرٌ عن جوهرِ الإنسان ولكلِّ جنسٍ أدواتُه وخصائصه ،ولكن ليس ثمة ما هو جامدٌ ونهائي ؛ فالقاعدةُ دائمًا تستنبطُ من النص ِالمُتعالي.

ولكن هذه القواعد تذوبُ في نصٍ أدبي مثل (رواية منذ ساعة تقريباً). اللغةُ الشعرية ُفي الروايةِ طاغيةٌ ،ورُغم ذلك لم تؤثر على أسلوبِ السرد، والسردُ مهذبٌ بعيداً عن الاستطراد المُمل بحيثُ لا يفسدُ شعرية النص ، وليس في الرواية -رُغم طولِها - ما هو غير ضروري ويمكن الاستغناء عنه. قُسمت الرواية ُإلى ثلاثين فصلًا كلٌّ منها معنونٌ بما يتناسبُ مع المضمون، وبعضُ هذه الفصول احتوت على عتباتٍ نصيةٍ ملائمةٍ لروحِ النصِ، وغالبها اقتباساتٌ من أشعار ِالمُؤلف مثلاً: " الصورة الوحيدة التي لم تلتقطها الكاميرا، وأنتِ تمدين بقلبك لي صحن العشاء كلها أتلفها الوقتُ، إلا تلك الصورة يا أمي ".

هذا المقطعُ مُقتبسٌ من ديوانه ( عابرون بثياب خفيفة) افتتح به الفصل الرابع عشر ( ناصر 2) حيثُ جاءَ ملائمًا للمضمونِ تماماً.

عالجت الروايةُ بعض المشكلاتِ الاجتماعية منها: اليتم، الاغتصاب، الاستغلال، الروتين اليومي الممل، وكذلك سلّطتْ الضوءَ على التطرفِ والتعصبِ الأعمى، الآفات الاجتماعية مثل: المخدرات. وذلك من خلالِ تتبع حياة الشخصيات الرئيسية للرواية منها: العم سلامة: ساعي البريد الذي أُجبر على هذه الوظيفة وقد أصبح العملُ فيها مملًا بعد انتشارِ وسائل الاتصال الحديثة. منير: اليتيم الذي عاش في حِجر جدته العجوز وبعد وفاتها عانى الوحدة.

هالة: الفتاة النجيبة التي كانت تقضي وقتًا طويلًا في اكتساب المعرفة من مكتبةِ جدها، وتعرضتْ للاغتصاب مما أدى لعزلتها إلى أن تزوجها منيرُ الشاب الذي رفضته فتيات البلدة.

دولت: صديقة هالة المسيحية المؤمنة بالتسامح.

حميش: صاحب القهوة الذي يقتله منير ؛ لمحاولته التعدي على شرفه.

ثمة نقطةٌ مهمةٌ لا بد من الإشارةِ إليها، وهي أن الرواية تضمن إشارات عن السيرةِ الذاتية للكاتب ؛ فقد عنون خمسة فصول باسمه (ناصر)، وهنا دليلٌ على أنه لا يمكن قراءة أو كتابةأيّ عمل أدبي بمعزلٍ عن حياة المُؤلف ونفسيته ومحيطه. قدم الكاتبُ بعضَ محطاتِ حياته وضمنها في الرواية بأسلوب أدبي مُبتكر. استدراك: ظننتُ أن الروايةَ واقعية تمامًا لكن النظرة تغيرتْ بعد الفصل السابع تقريبًا؛ فقد خرج الكاتبُ عن التقليدِ وبدأ يطرح ُأسئلةً فلسفية. أعتقدُ أن الحدودَ والفواصل عند الروائيين العرب لم تُرسم بدقة -وهذه طبيعة الفنون جميعها -لذا أرى أنها واقعيةٌ بيد أنها في مواطنَ لامست شواطئ الوجودية.

2018-12-05