الحج إلى رام الله
يشتد الجدل واللغط في أوساط المثقفين والسياسيين كلما قام أحدهم بزيارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وينشغل هؤلاء في تصنيف الزيارة وتحديد إطارها ومقاربة معانيها، وينقسم المتجادلون إلى فريقين، أحدهما يضع هذه الزيارات خاصة إن كانت من قبل مؤسسات وهيئات فلسطينية في خانة التضامن مع أهلنا في فلسطين ودعم صمودهم، والأخر يعتبر هذه الزيارات تطبيعاً مع العدو الصهيوني. هذا الحوار بين الفكر والموقف ونفسه سبّب الشقاء للشعب الفلسطيني، ولم يسفر عن التوصل إلى أية نتيجة بين المتحاورين، بالرغم من أن الذرائع والمبررات التي يسوقها الطرفين تبدو منطقية وأخلاقية إلى حد بعيد.
نقاش هادئ
يجب التأكيد بداية على أن إطلاق التهم على كل من يزور الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يفيد أحداً أياً كان الرأي والرؤية والموقف لكل منا حول السفر إلى فلسطين. ومن المؤكد أيضاً أن هذه الخطوة هي أمر إشكالي ويزيد من تعقيداتها أن معظم المؤيدين والرافضين يتخذون موقفاً متشدداً إقصائياً ضد الآخر.
هل هي تطبيعاً أم تضامناً؟ البعض يعتبرها تطبيعاً لأنها تستوجب موافقة إسرائيلية، والأخرون ينظرون للأمر على أنه تضامن مع محاصر، وزيارة مريض في مشفى يقع ضمن سلطة احتلالية. ولأن الزيارات لم تتوقف وسوف تستمر وتتواصل، سيكون من المهم والأجدى أن يتم نقاشها بهدوء وموضوعية، وتبيان محاسن ومساوئ هذه الزيارة.
إن قيام المثقفين والأدباء العرب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وزيارة المؤسسات الثقافية والعلمية والأكاديمية الفلسطينية، وتنظيم الفعاليات تحت العلم الفلسطيني، هو بمثابة زيارة الشقيق للشقيق والتعرف عن قرب على كتابه ومثقفيه وأدبائه وشعرائه، وكل ما يثار من لغط حول هذه الزيارات يدخل في باب العنتريات والبطولات الهلامية التي أفضت إلى هزائم لحقت بالشعب الفلسطيني طوال أكثر من سبعين عاماً.
إن الإنسان الفلسطيني المحاصر في فلسطين والصامد الثابت على أرضها، المتلهف أن يقوم الأشقاء العرب بكسر الحواجز التي تضيق عليه، هو وحده من يمتلك حق إصدار الأحكام في الوطنية من عدمها، وتثبيت شبهة التطبيع أو نفيها.
لا أحداً يمتلك حق إلصاق تهمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا الشعب الفلسطيني نفسه داخل فلسطين. إن هذه المرحلة الخطيرة تشهد صراعاً وجودياً بين الفلسطيني صاحب الأرض وبين المحتل القادم من أماكن مختلفة، صراع على هوية البشر وهوية المكان. وفيما يقوم الآخر بعمل منظم ومنتظم لتغيير هوية المكان، يبدو الفلسطينيين والعرب متشرذمين ومفتتين وعاجزين عن مواجهة هذا التحدي.
ظروف استثنائية
حين تتعرض القضية الوطنية الفلسطينية برمتها إلى تقويض دعائمها كما يحصل في هذه المرحلة بهدف إنهائها، وحين يتعرض عموم الشعب الفلسطيني إلى مؤامرة قذرة من الولايات المتحدة والغرب وبعض العرب، فإن المهمة الأولى والرئيسية للمثقفين والسياسيين ولجميع الشرفاء من أبناء الأمتين العربية والإسلامية هي إظهار التضامن مع الفلسطينيين أينما تواجدوا، خاصة في مناطق فلسطين المحتلة، ودعم صمودهم وتمسكهم بأرضهم ودفاعهم عن حقوقهم. يجب إعادة الاعتبار لقيم التعاضد والتآزر والتكاتف بين أبناء شعبنا، وهذا يتطلب إنهاء الانقسام في البيت الفلسطيني بصورة طارئة، وتوحيد كافة الطاقات والجهود لمواجهة المخاطر المترتبة عن المشاريع والخطط التصفوية التي تتم في الغرف السوداء بهدف القضاء على الحلم الفلسطيني.
إن مواجهة تحديات المرحلة لا يتطلب التمترس خلف الماضي الثوري الرومانسي، بل يجب تحويل هذا الماضي إلى أداة عمل ورافعة بهدف إعادة تشكيل الراهن الفلسطيني. وأية محاولة لإحياء القتيل هي شبيهة بالدعوة للخروج من التاريخ، ورفض الواقع بصورة عبثية للهروب إلى الأمام، وإدارة الظهر عن الواقع بكافة تحدياته. إن أصحاب هذه الرؤية يسعون للخلاص عبر الدعوة للماضي، بسبب عجز هذه القوى وفكرها عن التصدي للمهام التي تتولد من الراهن، وعدم مقدرتهم الإجابة على أسئلة الحاضر ومفاعيله بكل تعقيداته.
فمن البلاهة وقصر النظر الظن أنه بالإمكان لوي عنق التاريخ لإجباره على أن يكون كما نرغب ونتمنى، وإرغامه على الإنجاب، من دون أن يكون التاريخ في تلك اللحظة التاريخية في حالة حمل حقيقي وليس حملاً كاذباً.
فقه المقاطعة
إن كانت زيارة قطاع غزة وهي أرض فلسطينية محتلة ومحاصرة من قبل العدو الصهيوني فعلاً تضامنياً، فكيف تصبح زيارة الأرض الفلسطينية المحتلة والمحاصرة في مناطق الضفة فعلاً تطبيعياً مع إسرائيل؟
إن كان هناك توافق على الأهمية القصوى لاستمرار وصول قوافل وحملات التضامن الدولية مع قطاع غزة من أجل رفع الحصار الإسرائيلي والعربي والدولي عنها مرة واحدة وإلى الأبد. لكن مهلاً، أليست الضفة الغربية هي أيضاً محاصرة ومستباحة من قبل الكيان الصهيوني، وفي أمس الحاجة إلى حملات تضامنية داعمة لرفع الحصار عنها هي الأخرى؟ إذن كيف يعتبر القومجيون واليساريون أن الذهاب إلى قطاع غزة فعلاً تضامنياً وواجباً دينياً ومسؤولية أخلاقية وإنسانية وموقفاً قومياً يكاد يرقى إلى نيل الشهادة، بينما السفر إلى مدن الضفة الغربية المحاصرة والتي تحتاج هي أيضاً التضامن، يعتبر فعلاً تطبيعياً يثير الحساسية خاصة عند من يرتفع صراخهم وتنعدم أفعالهم.
إن كان سبب غضب بائعو الوهم أن قطاع غزة يتعرض للقصف الصهيوني الوحشي وتتم محاصرته لأن حركة حماس اتخذت خطاً مغايرا عن المسار الذي خطته السلطة الفلسطينية في الضفة، الأمر الذي استوجب التعاضد معها والتآزر مع أهلنا الصابرين في غزة، وهذا شأن يُحترم لأن الاختلاف حق مصان للآخرين ويثري البيت الفلسطيني ويغنيه ويقويه، بشرط أن يكون الوطن فوق كل الاختلافات. لكن أيها المثقفون الجذريون، ألم يتم قصف مناطق الضفة الغربية بذات الوحشية ومن قبل ذات العدو في فترات ماضية، ألم تشهد – وما زالت- ارتكاب العديد من المجازر والأعمال الوحشية من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي ما زال للآن يستبيح كافة مدن وقرى الضفة الغربية ويهدم البيوت ويقتل الشباب والنساء والأطفال. إذن لماذا كان وما زال السفر إلى الضفة الغربية بالنسبة لكم عملاً شائناً وموقفاً انهزامياً وشبهة تطبيعية تستوجب الدرء؟ هذا لا يعني بأي حال الانتقاص من حق أهلنا في غزة علينا وعلى العالم الحر في مواصلة التضامن والضغط على الاحتلال لرفع الحصار عنها بشكل نهائي، لكن هذا يستوجب أيضاً التأكيد على أهمية أن نمتلك معياراً واحداً ومكيالاً واحداً لمفهوم التضامن الذي يفرض علينا واجباً تعاضدياً مع أهلنا في مدن الضفة الغربية المحاصرة.
القدس في السياسي والديني
إن القدس هي المدينة الوحيدة في الكون التي تتمتع بالقدسية عند أتباع جميع الديانات السماوية، وهي مدينة مفتوحة على السماء ومحط أنظار العالم. وبالرغم من أنها كانت عاصمة الثقافة العربية في العام 2009 إلا أنها لم تحظى بمكانتها التي تستحق من قبل المثقفين العرب وهيئاتهم، لا رسمياً ولا شعبياً. القدس التي قاومت أربعاً وعشرين محاولة لتدميرها على مر التاريخ، سوف تظل صامدة ومقاومة، وعلى جميع المثقفين والشرفاء من الأمتين العربية والإسلامية أن يقاوموا معها كافة محاولات تغيير هويتها.
سياسيا فإن الموقف من زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة يتباين بين دولة وأخرى، فعلى سبيل الذكر إن الحكومة التركية تشجع وتدعو المسلمين الأتراك لزيارة الحرم القدسي، وتعمل على إعادة إحياء التقليد القديم الذي يقضي بزيارة الأقصى للمعتمرين بعد زيارة مكة والمدينة. وفي هذا السياق قام رئيس مؤسسة الشؤون الدينية التركية "مهمت غورماز" قام بزيارة إلى مدينة القدس في العام 2015 وألقى خطبة الجمعة من على منبر المسجد الأقصى بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج.
السلطة الفلسطينية تشدد على ضرورة التواصل مع مدينة القدس وتدعو المسلمين من خارج فلسطين وغيرهم إلى زيارتها وهي تحت حراب الاحتلال بهدف دعم صمود وثبات المقدسيين والتأكيد على عروبة المدينة المقدسة.
الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل بزعامة الشيخ رائد صلاح، وحركة حماس، لهما موقف مختلف حيث ترفضان مبدأ الزيارة وتعتبرانها تطبيعاً مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت الحركتان قد رفضتا زيارة العديد من الشخصيات الإسلامية للمدينة، مثلما حصل مع زيارة مفتي مصر السابق الشيخ "علي جمعة" وزيارة الداعية الصوفي اليمني المقيم في السعودية "الحبيب الجفري".
فيما يرتبط بالموقف الديني، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ القرضاوي، كان قد أصدر فتوى بتحريم الزيارة لغير الفلسطينيين لمدينة القدس في ظل الاحتلال. منظمة التعاون الإسلامي وعلى لسان أمينها العام "إياد مدني" خلال زيارته لمدينة القدس العام 2015 دعت المسلمين إلى زيارة مدينة القدس التي أعلنت عاصمة الثقافة العربية.
الحكومة الأردنية المشرفة على الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس أكدت على لسان وزير أوقافها "هايل داود" على أهمية زيارة المدينة المقدسة، وقال: إن كان لك أسيراً لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فهل تمتنع عن زيارته لأن ذلك يتطلب إذناً من آسره؟ وأكد أن الأردن تبذل أقصى جهودها للتيسير على من أراد زيارة المسجد الأقصى ودعم المقدسيين.
هذا الجدل والنقاش الدائر منذ زمن حول زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة والمسجد الأقصى، لم يتم حسمه بعد، ولا يبدو أنه سوف يحسم في الأجل القريب، وكل فريق يسوق لك الحجج الأخلاقية المقنعة لإثبات وجهة نظره.
حتى المقدسيين أنفسهم الذين يواجهون يومياً سياسة التهويد لمقدساتهم منقسمون حول جدوى هذه الزيارات، فمنهم من يرفضها وهناك من يرحب بها. فقد أظهر المقدسيون امتعاضاً من زيارة وزير الخارجية المصري السابق "أحمد ماهر" للمسجد الأقصى وقاموا بطرده أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فيما لاقت زيارة المسؤول التركي الصدى الإيجابي والترحيب من المقدسيين الذين احتشدوا للسلام عليه.
توريط أم
يتعامل بعض المثقفين العرب مع الدعوات التي تصلهم من مؤسسات وهيئات واتحادات فلسطينية مقرها في رام الله لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أنها توريط في التطبيع. إن من يعتبر السفر إلى مناطق الضفة الغربية تطبيعاً مع إسرائيل، إما أن يكون صاحب رؤية مشوشة وبالتالي هو يدعم بحسن نية المخطط الإسرائيلي الذي يسعى إلى أن يكون الفلسطيني في فلسطين معزولاً ومسجوناً ومحاصراً، وأن تظل المؤسسات والهيئات الفلسطينية في حال من انعدام التواصل مع الداخل والخارج. وإما أن يكون أداة توظيفية في مشروع لضرب الوحدة الفلسطينية، أو أن يكون منحازاً للموقف المتشدد الرافض لوجود قوات الاحتلال على الأرض الفلسطينية، أو أن يكون له موقف ضد السلطة الفلسطينية لأسباب سياسية أو عقائدية أو تكتيكية، لكنها بالضرورة ليست أسباباً وطنية.
إن المثقف الحقيقي لا يحتاج إلى مؤسسات واتحادات ونقابات تحدد له معيار الوطنية من سواها، وترسم له الحدود الفاصلة بين التضامن والتطبيع. فالمثقف فلسطينياً كان أم عربياً هو ذاته يضع معاييره ويرسم حدوده الخاصة ارتباطاً برؤيته وموقفه من الصراع، وبناء على احتياجات ومتطلبات الشعب الفلسطيني القابع تحت الحصار والمكبل بالأغلال الإسرائيلية والعربية. إن السعادة التي تلمسها في الفلسطيني الذي تلقاه داخل فلسطين، ويقابلك بكل احتفاء ويشدد على أهمية تضامنك معه ومشاركتك بعض معاناته، لهو فعل لا تحدده نقابة أو اتحاد أو جهة في أي قطر عربي.
إن كسر الحصار عن الشعب الفلسطيني في فلسطين بكافة أماكن تواجده، إن كان في مناطق الجليل والشمال الفلسطيني، أو في مناطق الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وتذويب الحواجز التي يفرضها الكيان الصهيوني على شعبنا وتحول دون تواصلهم فيما بينهم، هو ليس فقط عملاً مشروعاً، بل واجباً وطنياً وقومياً وثقافياً واجتماعياً وإنسانياً. فكيف لمثقف أو مناضل أن يمنع الوصول إلى الأسرى المحررين والأسيرات الفلسطينيات المحررات، وإلى أمهات الشهداء والأسرى، إلى الجرحى والاستماع إلى روايتهم ومعاناتهم التي لا تجد الاهتمام من وسائل الإعلام العربية.
ترف المزايدات
منذ نكسة العام 1967 حرص الفلسطينيين وأصروا على التواصل مع أهلهم وأرضهم وذاكرتهم عبر الزيارات السنوية الدائمة للأراضي المحتلة، ومنهم كان يضطر للحصول على جواز سفر أردني خاص للسفر إلى فلسطين لأن السلطات الإسرائيلية كانت تختم تلك الجوازات في المعابر الحدودية، ولم نسمع أن قال أحدهم يوماً أن هذا عملاً تطبيعياً مع العدو، فما الذي تغير حتى أصبح بعض المتكسبين يتخذون من هذا الأمر ذريعة لوسم أي زيارة للأراضي الفلسطينية المحتلة الصابرة والصامدة والمحاصرة بأنها تطبيعاً.
بعض اليساريون والقومجيون العرب وبعض المثقفين الذين يشككون في وطنية ونزاهة من يزور فلسطين، هم ببساطة يزايدون على الآخرين من خلف مكاتبهم المكيفة، ولم يكن يوماً واحداً منهم في خطوط المواجهة اليومية، التي تشهد حالة الصراع الوحيدة عربياً ما بين الشعب الفلسطيني وشبابه ونسائه وأطفاله وما بين قوات الاحتلال البغيضة. ومنهم من يرفض زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة لأنه يعتبر هذه الزيارات دعماً للسلطة الفلسطينية وسياساتها التي يتحفظون عليها.
بدلاً من الخطابات الصمّاء، على هؤلاء -والجميع أيضاً- القيام بمقاربات نقدية وعقلانية وموضوعية لهذه الزيارات، مقاربات تحرر العقل والوعي العربي من التخبط والانفعال، وتأسس لوعي وفكر مقاوم واع لا مواقف وأفعال انفعالية.
هل عدم زيارة المثقف للأراضي الفلسطينية المحتلة كافياً وحده لاعتبار هذا المثقف فدائياً ونظيفاً ومقاوماً غير مطبعاً؟ بالطبع لا.
من السهل الوقوف في منبر خطابي والدعوة إلى مقاومة التطبيع والاكتفاء بإصدار الفتاوي الثقافية والشرعية المانعة التي تحرم زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة أو تحللها، فالتحريم والتحليل بظني أمران يرتبطان بتغير الظروف والملابسات.
الشعب الطليق
لا يمتلك العرب ولا المثقفين رؤية واحدة شاملة ولا موقف موحد بشأن القضية الفلسطينية، ولا فيما يتعلق بزيارة الأراضي المحتلة، والأسوأ أننا نشهد انحداراً وتراجعاً مقيتاً مرعباً مخجلاً في معظم السياسات العربية الرسمية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وصل إلى حد تآمر بعض العرب على الفلسطينيين وعلى قضيتهم من خلال التنسيق الأمني المكشوف والعلني مع إسرائيل ضد المصالح الفلسطينية، وعبر التحامل الذي يظهره بعض المثقفين العرب على الفلسطينيين من خلال الغمز واللمز الموجه للسلطة الفلسطينية والتي لا ننكر أنها موضع انتقاد لأدائها السياسي. فلا يجب تسييس الموقف من السلطة الفلسطينية وتوظيفه ثقافياً وإسقاطه على العلاقة مع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، والذي يؤيد في معظمه السلطة وينتقدها في ذات الوقت.
بينما تستمر إسرائيل كل يوم بإصدار القوانين العنصرية التي تهدف إلى ابتلاع ما تبقي من فلسطين وتشريد الفلسطينيين، والتأكيد على أنها لم تعد عربية، وما نخشاه هو أن تكون فلسطين أندلس جديدة نفقدها إلى الأبد.
لكن تكشف الأحداث يوماً بعد يوم أن المشروع الصهيوني فشل في احتلال فلسطين، بينما نجح في احتلال بعض الدول العربية الأخرى والسيطرة عليها، وأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي يتمتع بالحرية الوجدانية النضالية، وأن غالبية الشعوب العربية أسيرة ومعتقلة في سجون تسمى أوطاناً، لذلك فإن هذه العلاقة بين العرب والفلسطينيين باتت تستوجب التصويب، فمن الظلم أن نطلب من الشعوب العربية التضامن مع القضية الفلسطينية، فلا يمكن لمريض أن يداوي سليماً معافاً ولا يمكن لسجين أن يناصر حراً.
للتضامن بقية
لا أنكر أن زيارة الأراضي المحتلة قد يبدو فعلاً ملتبساً بالغ التشابك والتعقيد بالنسبة للمثقفين العرب، ولا يمكن مقاربته بصورة سطحية وساذجة، لكن ما أنا على ثقة منه أن زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة بدعوة من جهات فلسطينية هي دعم صمود الشعب الفلسطيني الصامد في وجه كافة المحاولات لتغيير هويته وملامحها.
القضية الفلسطينية التي تمكنت مؤخراً من اختراق عدة منابر دولية، وحصلت على قرارات هامة داعمة لها، تحتاج اليوم من المثقفين العمل على تحويل إنتاجهم الإبداعي لمبادرات حقيقية من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وأن تظل فلسطين وحقوق شعبها حاضرة دوماً أمام العالم.
تقوم ثقافتنا الفلسطينية على أساس التمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة والسلام العادل عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وليس هناك من هو أقدر من المثقف على إعادة الاعتبار للتضامن العربي مع القضية الفلسطينية وشعبها، هذا التضامن الذي بدأ ينحسر في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة التي دفعت بالدول العربية إعادة ترتيب أولوياتها، ويبدو أن فلسطين أصبحت خارج اهتمام الكثير من الدول العربية.