الثلاثاء 1/6/1446 هـ الموافق 03/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القائمة المشتركة خيار استراتيجي وليس مزاج انتخابي ....تميم منصور

  عندما اقيمت القائمة المشتركة قبل اربع سنوات ، لم ترفق معها بوليصة تأمين ، تضمن عدم وقوع مشاكل تنظيمية او مشاكل سياسية بين اعضائها ، لم تدعي بأنها ستكون معصومة عن الخطأ هنا او هناك ، لم تكن منزلة من السماء ، لأنها من صنع البشر وناتجة عن ارادة شعبية مثلت غالبية الجماهير العربية ، كان قيامها معجزة حققتها قيادات المواطنين العرب ، لأن القوى السياسية التي اقامتها لم تكن في وحدة حال بين بعضها البعض ، لأسباب فكرية واسباباً سياسية ، ولا نبالغ بأنه كانت هناك خلافات شخصية .

كل تركيبة من تركيبات هذه القائمة تؤمن ، بأن تيارها او حزبها هو الافضل ، وهو من يضمن ديمومة العمل السياسي للجماهير العربية ، وهو صمام الأمان الذي يوفر الأمن والأمان لهذه الجماهير ، وله الفضل في نجاح اقامة هذه القائمة ، لكن غابت عن اذهان احد اضلاع القائمة الاربعة التحديات المصيرية التي تواجه الجماهير العربية وتواجه هذه القائمة ان هذه التحديات ملزمة وتفوق في اهميتها كل الاعتبارات حتى التنظيمية منها .

اكبر هذه التحديات محاولة اليمين الفاشي برئاسة نتنياهو ، ومعه كافة القوى التي تضع نفسها في طاقات ما يسمى بتيار الوسط ، من حزب العمل ، الى حزب عتيد وغيرها ، غالبية القوى السياسية باستثناء الشق اليهودي من الحزب الشيوعي جميعها ترفض الاتجاهات والمواقف السياسية للحركات والاحزاب العربية الوطنية ، ترفض كل مطالب المواطنين العرب بالمساواة ، ووقف مصادرة الاراضي العربية ، والاعتراف بالقرى غير المعترف بها ، ووقف الاستيطان وانهاء الاحتلال ، وانهاء الحصار المفروض على قطاع غزة .

جميع هذه الثوابت وغيرها تعتبر خطاً احمر من قبل غالبية القوى السياسية اليهودية هذه الصيغة وهذه الصورة يدركها ويعرفها كل مواطن عربي لديه ذرة من الوعي ، هذا وغيره ساعد في نمو ثقافة القناعة بأنه لا بد من وضع نهاية بالعمل الانفرادي داخل البرلمان في اسرائيل ، والبديل هو العمل الجماعي ، لأنه يشكل قوة ضاغطة ، ويرفع من اهمية وقيمة هذا العمل ، ويضيف نوعاً من التقدير والاحترام لكل لقيادات الاحزاب العربية ، وللمواطنين الذين يدعمونها .

خوض الانتخابات في قائمة عربية مشتركة اصبح مطلبا شعبياً ، حتى أن البعض عاقب هذه الاحزاب بالأمتناع عن التصويت ، لأنها رفضت اقامة قائمة مشتركة ، قبل المواطنون هذا النوع من المشاركة ، رغم ضعفه ، مع انه الحد الادنى من المشاركة ، كونه يشبه المخلوط السياسي ، وبأمكان عناصر هذا المخلوط المحافظة على كل مقاساتها والوانها السياسية . كل الذين يحاولون غرز سهام حقدهم في جسد القائمة المشتركة ، دون ان يقترحوا بدائل افضل ، يدركون أن رؤوس اليمين الذي يدير دفة الحكم ، في الدولة حاولوا ، ولا زالوا يحاولون منع وصول ممثلين عن الاحزاب الوطنية الى جميع مؤسسات الدولة الهامة ، وعلى رأسها الكنيست ، وعندما شعر اليمين بأرتفاع منسوب درجة الوعي لدى الجماهير العربية ، وقد تجسد هذا الوعي بكنس الاحزاب الصهيونية تقريباً من المدن والقرى العربية ، ولم يبق سوى الفتات واصحاب المصالح الضيقة . عندها ادرك نتنياهو وليبرمان هذا التحول ، لذلك قررا قطع دابر الاحزاب الوطنية ، ومنعها من ايصال ممثلين عن المواطنين العرب الى الكنيست ، بأن وافقوا على رفع نسبة الحسم ، لأنهم كانوا على قناعة بأن الاحزاب العربية لم ولن تتفق على خوض الانتخابات في قائمة واحدة ، هذا شجعهم على ان اعتبار رفع نسبة الحسم ستكون بمثابة جدار عنصري اخر، يصعب على المواطنين العرب تجاوزه .

لكن خاب املهم ، وفشلت كل مخططاتهم ، واعترف نتنياهو بأنه شعر بخيبة امل كبيرة ، عندما قررت اربعة احزاب عربية الاتفاق على اقامة قائمة مشتركة واحدة ، عرفت بالقائمة المشتركة ، اعتبر غالبية المواطنين العرب ميلاد هذه القائمة حدثاً مشهوداً ووطنياً ، لأنه قفزة نوعية ونقطة تحول في تاريخ الجماهير العربية وصراعها مع القوى الصهيونية ، ولا تقل اهمية هذه الخطوة ، عن اقامة اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية ، ولجنة المتابعة ، وغيرها من الانجازات التي حققتها جماهيرياً بنضالها . كل من لا يقدر ذلك ، فهو غير مدرك لأهمية هذه الخطوة ، ولا يهمه التحديات والاخطار التي تهدد مصيرنا ومستقبل ابنائنا في وطنهم ، الكل كان يدرك بأنه لابد من ظهور اشكالات وصعوبات في طريق هذه القائمة احداها انانية الاحزاب التي تشكل هذه القائمة ، كل حزب يرى بأنه هو الاقوى والاهم ، لذلك من حقه ان يحظى بأكبر عدد من اعضائه ضمن هذه القائمة في البرلمان ، هذه الانانية لم تولد مع قيام القائمة ، اي انها ليست مكتسبة ، انها طبيعية ، وبالامكان التراجع عنها او التخفيف من وطأتها ، وهي ليست اولوية وطنية تقوى بأهميتها القضايا المصيرية وضرورة وقيمة العمل المشترك . لكن يوجد فرق بين الانانية الحزبية والانانية الشخصية ، التي ظهرت لدى البعض داخل مركبات القائمة المشتركة ، هناك فرقاً شاسعاً بين الحالتين ، فدائرة الانانية الحزبية واسعة وعامة ، وبالامكان تجميدها ، او التغلب عليها ، اما الانانية الشخصية فهي صعبة للغاية ، خاصة عندما تنحصر في حزب هو شخص ، وفي شخص يمثل حزباً لوحده . نعرف بأن القائمة المشتركة كانت تسير على خيط دقيق بعد ان انطلقت لأنها التجربة الاولى من نوعها ، وقد شكلت مسألة التناوب حيزا كبيراً من المشاكل التي واجهتها بسبب خلق ظروف لم يتوقعها احد ، ولأسباب تنظيمية اخرى ، يمكن تجاوزها اوعدم تكرارها ، لأن تجربة القائمة المذكورة والمخاطر الذي مرت به كافية لتحاشي الكثير من الاسقاطات التي رافقت عمل هذه القائمة . هذا يوصلنا الى حقيقة ان العلاج الشافي لهذه الاشكالات ليس محاولة هدم هذا الصرح الفتي الوطني القومي الذي انتظرته الجماهير سنوات طويلة ، الحلول لا تبدأ بالهروب من ساحة هذا الصرح ، بل بالحوار والتفاوض ، لا نريد تطبيق شعار يوسي سريد في يوم من الايام ( ابحثوا عني ) لأسباب لا تزال غامضة اسباب تجبرنا على فتح الملفات السوداء . في رأي ان الانسحاب من القائمة المشتركة يشبع غرائز بعض الوصوليين الحاقدين الذين فشلوا داخل احزابهم في يوم من الايام ،كانوا ينتظرون على السياج للصعود في قطارات القوائم الجديدة المنشقة ،وسوف يكون مصيرها الفشل لأن اهمية استمرار القائمة المشتركة اهم من قيمة ظهور عضو كنيست واحد او اكثر ، خارج حظائر القائمة المشتركة لم ولن يغفر التاريخ لكل الذين يعتبرون الوطنية زياً فلكلورياً يبدلونه متى شاءوا ، نحن بحاجة الى وطنية بعيدة عن خيالات الأنا ، منفوخة اعلامياً ، وطنية لا تشتعل بسبب الاستطلاعات الخيالية ، وطنية تخدم المواطنين ، ولا تخدم مناصب الافراد ، ان إقامة القائمة ليس خيارا مزاجيا ،انه خيار مصيري مبدئي وكل من يحاول ان يضع العثرات امام استمرار هذا المشروع يقدم خدمة جليلة لليمين الفاشي .

2019-01-15