الإثنين 24/10/1444 هـ الموافق 15/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قضمة صابون ترضي الحزب ....بقلم الدكتور: محمد عبد اشتيوي

 الكثير من المواقف والسلوكيات يكون لها دلالات فكرية وعقدية يحملها الاشخاص ، فما كان السلوك الممارس الا ترجمة لقناعات ومعتقدات وافكار يتبناها الفرد، تظهر في سلوكه سواء كانت فطرية او مكتسبة، ومن خلال لحظات اجترار الذكريات التي مضت ، وقفت على اعتاب اركان لسلوك لم تغيبه الايام ابداً بالرغم من مرور ما يزيد عن عشرين عاماً خالية، حين كانت اسوار سجن النقب الصحراوي  تجمع كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني، حيث كان لكل فصيل منها ممثل في لجنة مشتركة كانت تسمى لجنة (النضالية) حيث كان احد مهام هذه اللجنة تحديد نسبة ونصيب كل فصيل من الفصائل من اي مخصصات  تقدمها ادارة السجن، وتحديداً مقومات الحياة داخل السجن وهي ما تسمى بالاسبكاه، حيث تشمل الصابون ومعجون الاسنان وشفر الحلاقة وغير ذلك من المقومات . وفي مرة كنت شاهدها احضرت الاسبكاة للمردوان(والمردوان هو جزء من قسم يشمل عدد من المردوانات) فحضر ممثلي الاحزاب ليأخذ كل منهم نصيب حزبه، ولما جاءت قسمة ما توفر من قطع الصابون، كان لاحد الاحزاب وبحسب النسبة المخصصة لهم جزء من قطعة صابون، فاشار المشرف على التوزيع لممثل احد الاحزاب ان يأخذ القطعة كاملة ان اراد فرفض، في المقابل عرض عليه ان يتركها وكذلك رفض، واكد على ضرورة اخذ حق حزبه من القطعة لا غير، فتعجب الحضور لإصراره على اخذ جزء رغم موافقة الجميع بان يأخذ كل القطعة، وفجأة نظر ممثل الحزب الى طرف خيمة السجن وسحب منها خيطاً ووضع قطعة الصابون ونحر منها جزءاً بالخيط حتى قطعه واخذه، وحينها تعجب الحضور لحالة الانغلاق والتعصب والاصرار على قضم قطعة الصابون ليرضى حزبه.
وهنا يتوجب ان نقف على اعتاب حالة الانغلاق والتعصب الحزبي وعدم مشاركة الاخرين في قطعة الصابون وان كانت ضمنياً قطعة الصابون تمثل الوطن الذي يجمعنا بين احضانه، فهل عقيدة التحزب الضيق متجذرة لهذا الحد الكبير الذي يجعل من الحزب لا يرى الا نفسه ، ولا يسعى الا لتوفير قضماته من الوطن ليحقق النشوة الحزبية، والشعور بالانتصار على الاخر، بالفعل نجد حتى يومنا هذا حالة الصراع المشتعلة بين الاحزاب حول قدرة كل منهم على قضم ما يستطيع من الوطن ، حتى اصبح الوطن يترنح باكياً ابنائه، فلن يستطع الوطن لفظهم بالمعنى المجرد وحرمانهم من مقدراته، ولن يستطع ان يبقى صامداً امام قضمات الاحزاب المتكررة التي لا تنتهي حتى ينتهي الوطن.
ذلك يدلل على اعتناق عقيدة وفكر نتج عنه ذلك السلوك الممجوج، وان عمليات القطم لم تقف عند قطعة الصابون، وانما امتدت الى حالة الفكر الوطني التحرري برمته، فكل حزب قضم ما يمكن ان يحقق اهدافه من ذاك الفكر وترك ما تبقى ليكفر به، وغيره كذلك وغيره كذلك، فنجد بان اي افكار او معتقدات وطنية تحررية تتنافى فع ما قضمه الحزب لا يمكن تقبلها ابداً، وجميعهم نسي او تناسى بان تلك الافكار والمعتقدات الوطنية هي الكل المجتمع نحو تحرير ارضنا ومقدراتنا الوطنية من بين انياب الاحتلال.
فلن تكون قطعة الصابون صالحة اذا تعددت القضمات، ولن يبق الوطن صامداً اذا تعددت الاحزاب.

 

2019-01-25