الخميس 25/10/1446 هـ الموافق 24/04/2025 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الشباب الفلسطينيون بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام/ سلمان العنداري

واقع الشباب الفلسطيني لا يختلف كثيرا، عن واقع الشباب العربي، ولكن خصوصية الفلسطيني، تكمن في وجود الاحتلال الإسرائيلي القابع فوق صدره، إضافة إلى الانقسام السياسي الفلسطيني، وتداعياته الكارثية على الجميع وخاصة الشباب، كما أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والذي يشكل الشباب الشريحة الأكبر منهم. مشاكل تجعل من هذا الواقع ضرورة موضوعية للنهوض بربيع فلسطيني، ضد كافة أشكال الانقسام التي تحد من فاعلية العمل من أجل تجسيد الحقوق الفلسطينية المشروعة.
أزهر الربيع في غير مكان من العالم العربي، إلا في شوارع رام الله وغزّة وبيت لحم، في وقت تعضّ القدس على الجراح، ويستمر الأولاد، كما النسوة والشيوخ والشباب، في مواجهة اكبر آلة عسكرية عنصرية غزت تلك البقعة المقدّسة من الأرض، واحتلتها بالقوة منذ عقود.
أين فلسطين من «الربيع العربي»؟ وأين شبابها من الحراك السياسي في المنطقة؟ أسئلة طرحها «نهار الشباب» على مجموعة من الشباب والناشطين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تقول الصحافية في قطاع غزة مهى شهوان إن «الوضع الفلسطيني يختلف عما في بقية البلاد العربية، فالاحتلال هو العنصر الأهم من مكونات الحال السياسية الفلسطينية، وداخلياً الأمور ليست كما يتصور البعض، إذ نعيش واقعاً مؤسفاً يتمثّل بوجود حكومتين، واحدة في الضفة وأخرى في القطاع. ولهذا فإن اي ربيع فلسطيني لا بد من أن يأتي لإنهاء الانقسام، ومن ثم للقضاء على سياسات الاحتلال، وليس كما حصل ويحصل في الدول العربية».
عاد معاذ مصلح، وهو شاب فلسطيني من قرية بيت صفافا في القدس وطالب ماجستير صحافة سياسية في جامعة سيتي في لندن، إلى أرضه ليعمل على مشروع تخرّجه، إيمانا منه بأن فلسطين ستبقى الأرض والهوية والقضية. لا يتفّق مصلح مع تسمية «الربيع العربي»، مُفرّقاً ما بين «الثورات» و«الانتفاضات»، معتبراً أن «الوضع الفلسطيني لا تصح مقارنته بوضع الدول العربية الأخرى لأسباب عدة، منها أن المعركة الأولى والأخيرة هي مع احتلال حاقد، وهي معركة بقاء تمسّ كينونتنا كشعب. والشعب الفلسطيني يقاوم منذ بدء الاحتلال البريطاني قبل الصهيوني، وخاض ثورات تلو الثورات، وانتفاضات تلو أخرى، ورغم فترات الركود التي مررنا بها، إلا أننا ما زلنا نقاتل منذ عشرات السنين».
لا ربيع عربياً في فلسطين اليوم وفق مصلح «إلا أن مرحلة صعود انتفاضة جديدة لن تكون لها علاقة بأي من حوادث المنطقة، بل ستكون ضمن النطاق الطبيعي لمراحل النضال ضد الاستعمار الصهيوني المستمر منذ عقود».
جهاد شجاعية، ناشط اجتماعي من رام الله، لا يرى أي ربيع فلسطيني وشيك «والسؤال هنا، هل الربيع داخلي أم خارجي؟ هل هو ربيع ضد الاحتلال؟ أم ربيع على الداخل الفلسطيني؟». يطرح شجاعية تساؤلاته المقلقة، معتبراً أن «وضع الشباب الفلسطينيين صعب جداً في هذه الفترة، لأنهم غير قادرين على التعبير بالشكل المطلوب. فهم محاصرون بقوات الاحتلال من جهة، ومكبوتون داخلياً من القوى الفلسطينية ذاتها، ناهيك أنهم يعانون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية، الأمر الذي يجعل الحراك الداخلي صعب التحقّق، أقله في الوقت الراهن».
يقيم أسامة مرتجا في قطاع غزة، وينظر بدوره الى الربيع الفلسطيني بسودوية وغموض. فمنسّق «برلمان شباب فلسطين» والناشط في المجتمع المدني الغزّي، يقولها بصراحة، و«بلكنة فلسطينية»، ألا وجود لربيع فلسطيني «شأنه شأن الدول العربية»، مُلقياً باللائمة على المتنازعين على السلطة في قطاع غزة والضفة الغربية، في إشارة الى حركتي «فتح» والمقاومة الإسلامية «حماس»، وما يدور بينهما من مشكلات وتوترات تمنع الوصول إلى فجر جديد يؤدي إلى تحرير الأرض ودحر الاحتلال.
فالانقسام الداخلي برأي مرتجا «يُشكّل عائقاً أساسياً أمام أي حراك سياسي جدّي، لان غياب الوحدة الوطنية سيقود حتماً إلى غياب أي مشروع وطني يعيد للقضية رونقها داخلياً ودولياً».
واقع الشباب
تنظر شهوان، الصحافية التي حازت جائزة دولية تقديراً لنشاطها قبل اشهر، بايجابية إلى واقع الشباب الفلسطينيين في ظلّ الثورات العربية رغم الخيبات المتتالية، «فالشباب الفلسطينيون ينبضون دائماً بالحيوية والإرادة لإثبات أنفسهم في كل المجالات، وتالياً فهم لا يحتاج الى ثورات عربية ليعلنوا أنهم موجودون. هم أوائل من رفعوا شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، ونظموا النشاطات الاحتجاجية لتحقيق المصالحة، هذا فضلاً عن أنهم في ثورة دائمة ضد قوى الاحتلال الإسرائيلي، ويواصلون نضالهم على مختلف الأصعدة الحياتية، رغم قلة الإمكانات للتغلب على هذا الواقع».
«وضع الشباب الفلسطينيين اليوم سيىء للغاية»، يقولها مرتجا، متحدثاً عن «مشكلات حيوية وأساسية وحياتية يعانيها كل شاب فلسطيني بين الضفة والقطاع»، ومشيراً الى «أن نسبة البطالة العالية تخطّت الـ 60 في المئة في أنحاء البلاد». كما ينتقد «الملاحقات الأمنية الإسرائيلية، وتعامل الأجهزة الأمنية الوطنية الفلسطينية على اختلافها، فضلاً عن الملاحقات والاعتقالات وتقييد حرية التعبير، ولاسيما في قطاع غزّة، مما زاد الإحباط إحباطا».
وفي هذا السياق يتمنى شجاعية أن تكون ثمة مصالحة وطنية «وان تعود قضيتنا الفلسطينية الى سلم الأولويات، وان تنتهي الخلافات الحزبية، «كون جيلنا الحالي من الشباب بات أكثر وعيا وثقافة في ظل الانفتاح على الإعلام الجديد والتعبير عن رأيه كما يريد ومعرفته الصواب من خلال إطلاعه على مختلف الآراء والتوجهات واختيار ما ينفع البلد ويصلح حالها بعد انقسام استغرق خمس سنوات وأثّر في أوضاعنا الداخلية».
أي مستقبل لشباب فلسطين؟ يُجيب مُصلح، قافزاً فوق «التناتش السياسي والأمني» بين «فتح» و«حماس»: «هو مسقبل كل جيل شبابي عاصر الاحتلال الصهيوني، وهو مستقبل نشوء حركة نضالية جديدة ستنشأ في أقرب وقت لتختفي أوجه الانقسام من دون الحاجة إلى اتفاقات سياسية أو محاصصة سلطوية بين السياسيين والسلطويين والوصوليين».
في المحصّلة، الشباب الفلسطينيون لا يتحدثون، بل يعملون جاهدين من اجل الوصول الى ثورة تُغيّر واقعهم على كل المستويات، والربيع الذي يُزهر في كل مكان سيحين موعد إزهاره يوماً ما في فلسطين مهما تأخر الوقت والاستحقاق، رغم حال الغموض والقلق والخوف والترقّب، والعيش بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام.

2012-10-16