الثلاثاء 18/10/1444 هـ الموافق 09/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فتيات الراب: اجتماع الفن والوطن والنفس .... تحسين يقين

ما زال حضور هذا اللون الغنائي في وسائل الاعلام محدودا، لأسباب سياسية واجتماعية، فإذا كان ذلك صعبا بالنسبة لشباب الراب، فكيف هو للفتيات!

 فتيات من مخيم الدهيشة يقتحمن دروب أغاني الراب؛ ترى هل من حيوية أكثر من هذه لمن طمحن نحو إيصال رسالة إنسانية ووطنية إلى مجتمعاتنا وللعالم!

باختيار فتيات فلسطينيات للغناء لعالم الراب للتعبير عن أنفسهن ومخيمهن، يكن قد بدأن بتغيير الصورة النمطية التي تربط الراب بالذكور.

لقد جاء إقبال فتيات الراب في مخيم الدهيشة اللصيق بمدينة بيت لحم، في سياق ظاهرة الراب في المخيمات الفلسطينية في داخل فلسطين في مخيمات شعفاط طولكرم وجنين والفوار والعين وغزة، وخارجها في مخيميّ البقعة والحسين بالأردن، ومخيم اليرموك في سوريا.

لعل معاناة اللاجئين الفلسطينيين من العنصرية والاحتلال كدافع لاختياراتهم الفنية موسيقيا وغنائيا، يذكرنا بنشوء هذا الفن في العالم قبل 4 عقود؛ فالراب موسيقى عالمية انتشرت بشكل كبير لدى الشعوب التي تتعرض للاضطهاد العنصري، ومنها مجتمع السود في الولايات المتحدة.

داليا رمضان، صوفيا العيسة، نادين عودة، ديالا شاهين، فتيات تتراوح أعمارهن بين 17 و19 عاماً، أثرن جدلا في الماء الراكد، ليس على مستوى الغناء وفق اسلوب الراب، بل لما تضمنته الأغاني من اتجاهات نقدية للاحتلال، وللظلم الاجتماعي والعادات السلبية. لقد اختارت فتيات "شروق" اتجاه الحرية، فوجدن في الراب وسيلة للتعبيرعن الفتاة الفلسطينية بأداء جديد، كما في ألبوم "من جواتي حرة".

كانت فكرة انطلاقهن قد نبعت منهن، ثم بدأن بلتطوير أنفسهن، بالاطلاع والاستماع لتجارب الآخرين، مما ولّد لديهن شعورا بتجويد الاداء نحو الاحتراف؛ فوجدن فرصة لدى المدرب محمد عزمي من مؤسسة "شروق" ومؤسسة "موسيقيون بلا حدود"، والمدرب نديم العيسة الذي وفر لهن الظروف المناسبة لإنتاج أعمال في استوديوهات مجهزة بتقنيات عالية.

لعل وعي الفرقة على تراث الراب العالمي، بعدم اقتصار الاغاني على مناهضة الظلم والعنصرية، وإن كان هو الدافع لشيوع هذا الفن، حيث عبرن عن حياتهن الشخصة في الدرجة الأولى وبحثهن عن الأمان الشخصي واختياراتهن في الحياة كفتيات، حيث يؤكدن على الحرية، وقمن بالغناء باللغتين العهربية والانجليزية؛ حيث تعتبر ديالا شاهين، من أعضاء الفرقة: "الراب من الفنون التي تمنح الإنسان مساحة جريئة للتعبير".

تنتمي الفتيات الأربع لجيل شاب ناقد ونقدي لما يدور في المخيمات وفي الوطن بشكل عام، فكان "الراب" مجالا تعبيريا مناسبا لهن، ساعد في ذلك وجود مدرب للفرقة هو نديم العيسة الذي استطاع قراءة اتجاهاتهن وبحثهن عما يناسبهن: "توافرت لدى الفتيات مجموعة مقومات نفسية ومادية ساهمت في وصولهن إلى هذه المرحلة، أهمها شعورهن الداخلي بالرغبة في الحديث والتعبير عن ذواتهن، إضافة إلى دعم معنوي من الأهل والأصدقاء، ودعم المؤسسات عبر توفير الإمكانات اللازمة".

التعبير عن هموم الفرقة لا ينقطع عن هموم الفتيات والشباب، وهي هموم خاصة ضمن هموم عامة؛ فالاعتقالات الليلة التي ينفذها جيش الاحتلال، الذي يستخدم قنابل الغاز القنابل، والرصاص، وما يواكب ذلك من آلام الأطفال والنساء، كل ذلك نجده حاضرا في "الراب".

لقد جاءت الفرقة وانطلقت من رحم معاناة المخيمات، وهموم الناس الحياتية والسياسية، لذلك وجدت قبولا لدى الأهالي، ولدى لاجئين آخرين عانوا من اللجوء.

ولعل تأكيد "راب" اللاجئات واللاجئين على حق العودة يجعل من تلك الأغاني وسيلة مقاومة للاحتلال، وتأكيد على حق عودة اللاجئين الى قراهم ومدنهم التي اجبروا على الرحيل عنها. من جهة أخرى تعدّ تأكيدا على البقاء بسبب ظروف الاحتلال والإغلاق والحصار.

قدمت الفرقة عددا كبيرا من العروض، حتى في البلاد التي نشأ فيها الراب، أي الولايات المتحدة، كذلك في فرنسا وإيطاليا، حيث تم تقديم عرض مشترك أيضا مع فرقة الراب الايطالية "اسالتي فرونتالي"، ضمن فعاليات المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في مدينة سيسينا الايطالية. وتم تتويج تلك العروض عام 2017 بألبوم تحت عنوان"رحلة" تناول الحياة الشخصية والعامة.

وجاءت مشاركات راب الدهيشة ضمن مشاركات راب المخيمات الأخرى، كحال فرقة راب مخيم شعفاط التي شاركت في النرويج بعروض لاقت استحسانا من الجمهور. لكن المختلف هنا أن راب الدهيشة هو راب ناعم، لعله يندرج ضمن اتجاهاته التحررية في ما يسمى القوة الناعمة “Gentle Power” .

ثمة ما سيمنح الأمل بالتغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي، والإعلامي أيضا..

لعل راب الشباب في المخيمات الفلسطينية وفي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، لنبل الظاهرة، وتميّز الصوت النسائيـ سيؤثر على تعاطي الاعلام مع أغاني الراب، ليصبح محفزا وداعما..

ان من يسمع تلك الأغاني يلمس الصدق والجرأة والتعبير من داخل الهموم والاهتمامات الحقيقية، والتي تمنحنا جميعا فرصة إعادة النظر في فكر الشباب والصبايا وباتجاهاتهم ليست التعبيرية فقط بل والناقدة والنقدية.

معروف الراب هو جزء من غناء من الهيب هوب، وهو مزيج من الغناء والتحدث بعبارات مختومة بقافية معينة، وتكييف الالفاظ واللعب بها من اجل ان تتطابق مع القافية. وقد يكون مصحوبا بإيقاع او بدونه.  أما العنصر البطل في الراب فهو الكلمات والموسيقى لا الصوت الغنائي نفسه، وإن كان هناك شرط الغناء السريع بشكل معين. وقد ظهر عربيا في دول المغرب العربي بالعربية وباللهجات المحلية مصحوبا باللغة الفرنسية، كما انتشر في مؤخرا في مصر.

 

2019-02-09