الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صهيونية سارتر....بقلم جهاد الرنتيسي

 تحرك الجوانب التي يتناولها كتاب يواف دي كابوا حول جان بول سارتر، والوجوديين العرب، مياهاً راكدة في تفكير الذين تثير اهتمامهم ازدواجية ذلك المفكر الظاهرة ومواقفه المثيرة للجدل تجاه القضايا العربية، وعلامات الاستفهام التي أحاطت بانحيازه للحركة الصهيونية.
يتناول الكتاب الصادر عن جامعة شيكاغو ويجمع عنوانه بين مسرحية سارتر "لامخرج" و"الوجودية العربية" و"التحرر من الاستعمار" علاقات ذلك المفكر بالمثقفين العرب وتأثيرها وتأثرها بمواقفه تجاه القضايا العربية.

بالعودة إلى الموقع النقيض للتبشير العربي بالسارترية وطرق استهلاك تيار من المثقفين العرب لنتاجات سارتر تطفو على السطح رؤى لمثقفين عرب امتلكوا جرأة مواجهة التيار، وحاولوا في مراحل مختلفة تفكيك ظاهرته وإعادتها إلى أصولها.

يشير لطفي الخولي في كتابه "حوار مع برتراند راسل وسارتر" الصادر عن سلسلة "اقرأ" في 1968 إلى أن "هذه العقول الكبيرة ترى الأمور والقضايا من مواقع جغرافية وتاريخية وفكرية ونفسية مختلفة عن مواقعنا" فهي "أسيرة بحدود نسبية لما يلقى إليها يومياً عن طريق الصحف والاذاعة والتلفزيون والكتب من تلوين خاص للأحداث" فضلاً عن نشاط الدعاية المضادة، واتصال كتابها ومفكريها بهذه العقول علاوةً على رد الفعل التاريخي لدى مثقفي أوروبا تجاه "الإبادة النازية" لليهود.

في مقالة بالانجليزية عام 2000 وترجمها فواز طرابلسي لمجلة الدراسات الفلسطينية في 2015، لا يبتعد إدوارد سعيد، وهو يروي قصة مشاركته في ندوة نظمتها مجلة الأزمنة الحديثة التي كان يصدرها سارتر في 1979، كثيراً عما ذهب إليه الخولي.

رغم وضوح إشارته إلى دعم تلك الندوة لاسرائيل والتطبيع معها وجرأة وضعه سارتر في المدار الصهيوني وافتراضه "الانعدام الأصلي" لتعاطفه مع العرب، يميل سعيد في تفسيره لانحيازات المفكر الذي كان "يحظى بأكبر قدر من الاستشهاد بكتاباته" إلى تسييره من قبل الصهاينة المحيطين به.

ما لم يقله الخولي في كتابه وناور حوله سعيد في مقالته، قاله الفرنسي برنار هنري ليفي، حين تحدث حول مثالية ما دونه سارتر عن اسرائيل، وثبات أصوليته المؤيدة للصهيونية، والدولة اليهودية.

واللافت في تفسيرات المثقفين العرب للصدمات التي ألحقها سارتر بمريديه، وهو يجاهر بانحيازه للحركة الصهيونية، محاولتها البحث عن تبرير لاستسهال الانبهار بالآخر، وإشاراتها المباشرة أو غير المباشرة، إلى غياب المنظومة المعرفية التي تتيح استيعاب ما وراء القشور .

أبرز محاولات التفسير العربية للظاهرة السارترية جاءت بعد تلقي الصدمات، وبعضها إثر انتقال المنبهرين العرب من سارتر إلى مفكرين أوروبيين آخرين، لتعويض حالة العقم في تفسير الذات والآخر، وكان بالامكان التصدي لهذه الاختلالات ومعاينتها في وقت مبكر بدلاً من إهمالها لتتحول إلى حالة مرضية تجر تشريقات وتغريبات كابوا.

 

2019-02-26