السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فلسطين.... والمقاومة الافتراضية....!!/ بقلم: عماد عفانة

في عالمنا الصاخب بالمتغيرات والتقلبات السياسية والاقتصادية، المنطلق نحو الإبداعات المذهلة في دمج علوم النفس والحرب النفسية بالتكنولوجيا الحديثة لإنتاج فضاء افتراضي يخدم مخططات الغرب المستعمر للسيطرة على الثروات وفتح أسواق جديدة في الدول المستعمرة لضمان تفوقهم الاقتصادي والتكنولوجي .
في هذا العالم الافتراضي تقع فلسطين كأحد أهم الضحايا الواقعيين، إذ مارس الصهاينة لعبة الخداع على العالم قبل أكثر من 60 عاما عندما أقنعوهم بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وعندما انتزعوا وعد بلفور لتخليص أوروبا من كانتونات اليهود ومعازلهم الطبيعية  عبر وضعهم في فلسطين ليشكلوا قاعدة غربية عسكرية متقدمة وسط الشرق الاسلامي.
وفي هذا الفضاء الافتراضي نجحت دوائر الاستخبارات الأمريكية في توظيف بن لادن عبر تنظيم القاعدة الذي جرى تضخيمه بصورة كبيرة جدا لينفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ليفتح بوابة الغزوة الأمريكية الصليبية الحديثة للعالم الاسلامي بدءا من أفغانستان مرورا بالعراق وبينهما تم تطويع وإخضاع عدد كبير من بلاد العرب والمسلمين .
نجح الفضاء الافتراضي للولايات المتحدة الأمريكية في شيطنة العراق ورئيسه صدام حسين لدرجة أقنعت العالم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وبأنه نظام يقتل شعبه، وذلك عبر آلة إعلامية ضخمة جندت خلالها مجموعات لا حصر لها من منتجي ومدبلجي الصور والأفلام لاختراع حقائق جديدة تخدم المصالح الغربية في سلب ونهب واحتلال العالم العربي والإسلامي.
وها هو العالم الافتراضي الغربي ينجح في اختراع آليات تواصل تخترق الأنظمة الدكتاتورية المغلقة للوصول إلى شعوبها خصوص الدهماء منهم ثم توظيفهم لتأليبهم على هذه الأنظمة وتوجيههم لينفذوا من حيث يدرون أولا يدرون المخططات الاستعمارية تحت يافطات وشعارات براقة تدغدغ المشاعر والوطنية والعواطف الإنسانية.
فها هو العالم العربي يقع تحت سطوة الفوضى تحت شعار براق سمي بالربيع العربي فيما لم يسأل أحد نفسه من أطلق عليه هذه التسمية.
تماما كالثورة البراقة التي دغدغت عواطف ومشاعر العرب وحركت أسلحتهم ضد الدولة العثمانية لصالح الدولة العربية الكبرى التي اتضح أنها الخدعة البريطانية الكبرى، فمن الثورة العربية الكبرى إلى تقسيم وتفتيت الرقعة العربية بأسرها، فيما نخشى أن يتحول الربيع العربي إلى إعادة تفتيت المتفتت وتقسيم المقسم عبر إحياء الطائفية والمذهبية وروح الأنا لكل الملل.
وها هي آليات التواصل الحديثة التي اخترعها العالم الافتراضي كالفيس بوك والتويتر وغيرها من الوسائل تصبح وسائل فعالة لاختراق النظم وإسقاط الأنظمة والسيطرة على المجتمعات.
وانظروا إذا شئتم إلى نتائج ما يسمى بالربيع العربي الذي أضاف إلى العالم العربي ضعفا فوق ضعفه، وألقاه في أتون الصراعات الداخلية والمناكفات السياسية الفارغة، في الوقت الذي تستغل فيه القوى القديمة مثل تركيا وإيران هذا الضعف لملئ الفراغ القيادي العربي بتمددها وتوسعها على حساب الأنظمة العربية الضعيفة الباحثة عن الحماية الأجنبية.
وها هي "إسرائيل" تنتشي على وقع الفوضى العربية تحت يافطة الربيع العربي وتحتفل بتحييد قوى كبرى وتعاظم من قوتها وتعربد وتهدد وتتوعد وتحاول أن تتمدد لتضرب إيران على وقع قنبلة الدخان الضخمة المشتعلة في سوريا.
الفضاء الافتراضي الذي تسميه أمريكا "بالسايبر سبيس" الذين جندتهم الولايات المتحدة من جنسيات مختلفة ومن بلدان مختلفة وتحت يافطات منظمات مجتمعية وحقوق إنسان ومنظمات إغاثة منتشرة على طول وعرض رقعة العالم العربي والإسلامي يلعبون دور جيش الولايات المتحدة الأمريكية الافتراضي الجديد الذين تحركهم قواعدها الاستخبارية المنتشرة على حدود سوريا في تركيا وفي دول الخليج، لإنتاج كل ما يمكن من مواد إعلام ودعائية مخترعة لتخدم الهدف الأمريكي بشيطنة النظام السوري ليس بهدف إسقاطه – في هذه المرحلة على الأقل- ولكن بهدف تدمير سوريا واستنزاف مقدراتها وإزالتها من خريطة التهديدات للصهاينة وللمصالح الغربية، ثم تركه فريسة الصراعات المذهبية والطائفية التي تضمن ضعفه المزمن بعد ذلك.
أظنكم تذكرون معي كيف نفذت الولايات المتحدة ذات المخطط حيال صدام حسين قبل إسقاط العراق الذي أنهكته واستنزفت قواه قبل احتلاله وقتل صدام حسين، ثم تسليمه للصراع الطائفي الذي ارتمى في الأحضان الإيرانية، ليستمر صراع العرب مع إيران على العراق، تماما كما استمر صراع العرب مع بعضهم على الحدود من سايكس بيكو حتى الآن.
إذا ومما سبق نكتشف بأن المقاومة الفلسطينية باتت بحاجة ماسة لخلق فضائها الخاص المسمى بالمقاومة الافتراضية، والذي عليه أن يعتمد على ذات الوسائل التكنولوجية الحديثة وآليات التواصل الاجتماعية الفعالة ولكن لهدف نبيل يخدم شعبنا وقضيتنا وأمتنا.
المقاومة بحاجة لفضاء افتراضي يقوم بتوصيل الحقائق عبر وسائل الاتصال الحديثة ووسائط المونتاج المبدعة لكل أنحاء العالم بطبقاته الاجتماعية والسياسية المختلفة أولا  لصنع تيار عالمي مؤيد ومناصر للقضية الفلسطينية، وثانيا للحيلولة دون تسويق الوهم مرة أخرى على العالم لجهة مزيد من الابتلاع والصانهاء لقضيتنا الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى السلاح بأنواعه للدفاع عن شعبنا وعن مصالحه، وهي في ذات الوقت بحاجة لسلاح افتراضي فعال قادر إلى توصيل الحقائق للعالم حول قضيتنا وحول الجريمة الصهيونية المستمرة بحقنا منذ أكثر من 60 عاما.
آليات التواصل الحديثة مثل الفيس بوك والتويتر، والتأييد العربي والإسلامي والتعاطف الدولي مع قضيتنا تعتبر وسائل فعالة تساعد المقاومة على تجنيد وتكوين هذا الجيش الافتراضي للدفاع عن قضايانا الحقة.
في الفضاء الافتراضي الاستعماري يخترعون الصور والأفلام ويدبلجونها لتخدم أهدافهم الخبيثة في شيطنة هذا النظام أو ذلك، ولكن في حالتنا الفلسطينية فان المواد التي تخدم أهدافنا النبيلة متواجدة ومتوفرة وبكثرة وليس بحاجة إلى اختراع أو دبلجة، حتى بات الصهاينة يستخدمون صور جرائمهم بحقنا لينسبوها لنا ويحتلوا فيها مقعد الضحية، كما فعلوا مع صور الشهيد محمد الدرة.
المقاومة بحاجة إلى فضاء افتراضي بل إلى جيش افتراضي، وهو جيش جاهز للتجنيد ولا ينتظر سوى من يبادر...
الأبحاث الحديثة التي استهدفت استشراف مستقبل وسائل الإعلام التقليدية في ظل الفضاء الافتراضي الذي خلقته التقنيات الحديثة أثبتت بما لا يرقى إليه الشك أن الوسائل الإعلامية التقليدية في طريقها إلى الاندثار لصالح إفساح الطريق للوسائل التكنولوجية الحديثة في التواصل وتوصيل المعلومة للمستقبلين الذين باتوا على تماس مباشر وشبه دائم مع التقنيات الحديثة.
فمع وجود جهاز لوحي صغير يوضع في الجيب يقوم بكل مهمات الحاسوب المحمول والهاتف المحمول وتقنيات حديثة أخرى لن يكون المستقبل مضطرا لفتح الصحيفة، أو للبحث عن معلومة في كتاب ما دامت متوفرة لديه بشكل رقمي على جهازه الخاص.
إذا كان الاستثمار الصناعي في فلسطين المحتلة يخضع لمخاطر كبيرة نظرا لوقوعه تحت يد الاحتلال الثقيلة تهدده بالقصف والتدمير كما حدث في حرب الفرقان، أو على الأقل للتجفيف كما يحدث في الحصار المضروب على غزة، فان الاستثمار في قطاع التقنيات الحديثة وفي الفضاء الافتراضي يتجنب كل هذه المخاطر في الوقت الذي يمكن أن ينال فيه الفضاء الافتراضي من العدو ومن سمعته ومن صورته في العالم وان يجند العالم خلف قضيتنا العادلة.
إذاً الاستثمار في الفضاء الافتراضي بات واجب المقاومة في فلسطين كما بات واجب على حكومة المقاومة كما هو واجب رجال الأعمال وأصحاب الأموال الذين يناصرونها في طول الأمة وعرضها.

2012-10-18