الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فشل «قمة هانوي».. العقوبات وعقلية الحرب الباردة! ....فؤاد محجوب

تشعر بيونغيانغ أنها لم تحصل، منذ قمة سنغافورة، على تنازلات ملموسة من الولايات المتحدة مع أنها أظهرت نواياها الحسنة تجاه القضية النووية وجمّدت تجاربها النووية والصاروخية

قرّرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تقليص مناورات عسكرية سنوية تنفذانها في الربيع، وإبدالها بتدريبات محدودة. وعلى رغم إعلان الإدارة الأميركية بأنّ القرار يرتبط بكلفة هذه المناورات العالية، إلا أنه من اللافت أنّ الإعلان عنه جاء بعد يومين من فشل قمة هانوي التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يومي 27 و28/2.

وكانت واشنطن وسيول ألغتا أو قلّصتا تدريبات عسكرية مشتركة، منذ قمة كيم – ترامب في سنغافورة العام الماضي. كما لم تعد القاذفات الأميركية تحلّق فوق كوريا الجنوبية. ولكن يُذكر في هذا الصدد أيضاً، أنّ بكين كانت قدّمت مبادرة مشتركة مع موسكو تقوم على فكرة «المقايضة» وفقا لصيغة «إيقاف مقابل إيقاف»، أي تقوم بيونغيانغ بتعليق تجاربها النووية، مقابل وقف الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية السنوية مع كوريا الجنوبية.

وكان ترامب وكيم عقدا قمة تاريخية أولى في سنغافورة في حزيران/ يونيو الماضي، ووقّعا اتفاقاً عاماً لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي. ولكنّ المفاوضات التي أجرتها واشنطن وبيونغيانغ بعد ذلك فشلت في ترجمة هذا الاتفاق إلى إجراءات عملية وسط اختلاف وتضارب الأولويات بينهما؛ إذ تطالب الأولى بتفكيك ترسانة بيونغيانغ النووية بشكل كامل، في حين تربط الأخيرة نزع أسلحتها النووية بتحقيق شروط، أبرزها رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، والحدّ من الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية والمنطقة.

ويشعر صانعو القرار في بيونغيانغ أن بلادهم لم تحصل، منذ قمة سنغافورة، على تنازلات ملموسة من الولايات المتحدة، مع أن كوريا أظهرت بالفعل نواياها الحسنة تجاه القضية النووية من خلال تجميد التجارب النووية والصاروخية، وتفكيك موقع لاختبار الصواريخ، وتفجير أجزاء من منشأة للتجارب النووية.

تضارب التصريحات والأولويات

وقد تضاربت تصريحات المسؤولين الأميركيين والكوريين الشماليين في شأن أسباب فشل القمة الثانية. ففيما ربط الرئيس الأميركي وبقية المسؤولين الأميركيين هذا الفشل بملف العقوبات التي «أراد الكوريين الشماليين رفعها بالكامل وهو ما رفضناه»، كما قالوا، تحدث وزير الخارجية الكوري الشمالي عن أن بلاده «قدّمت اقتراحاً واقعياً، ولم تطلب سوى رفع جزئي للعقوبات التي تتصل بمصادر معيشة الناس، وليس العقوبات العسكرية».

وأضاف في مؤتمر صحافي في هانوي: «اذا رفعت الولايات المتحدة جزئياً العقوبات التي تعرقل الاقتصاد المدني ووسائل عيش شعبنا، سنفكّك في شكل دائم وتام منشآت الانتاج النووي في يونغبيون، في حضور خبراء أميركيين. هذه أضخم خطوة لنزع السلاح النووي يمكننا اتخاذها، استناداً إلى المستوى الراهن من الثقة بين البلدين».

وبتصريحه هذا كذّب الوزير الكوري تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي قال فيها إن كوريا الشمالية طلبت رفعاً كاملاً للعقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي.

لكن، وعلى رغم هذا التضارب في التصريحات، فقد أفادت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية بأن «قمة هانوي كانت ناجحة»، وبأن الرئيسين كيم وترامب «أجريا مشاورات صريحة وبنّاءة». قبل أن تستدرك لتقول إنه «لا مفرّ من الصعوبات في طريق إقامة علاقة من نوع جديد بين بيونغيانغ وواشنطن بعد عقود من العداء وانعدام الثقة..».

وبدوره، ذكر ترامب أن محادثاته مع كيم «كانت موضوعية»، مشدّداً على «دفء العلاقة التي تجمعهما»، ومعرباً عن اعتقاده بأنها «ستستمر كذلك». وهو ما يعني، في نظر المراقبين، حرص الطرفين على عدم الذهاب مجدّداً إلى خيار «سياسة حافة الهاوية»، على غرار ما حدث في العام 2017، عندما تصاعد التوتر بين الجانبين إلى حدّ إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة!.

أولويات وأجندات متضاربة

وبعيداً عن تباين التصريحات بين الجانبين، فهناك من يرى أن العقبة الرئيسية التي حالت دون نجاح قمة هانوي، تكمن في اختلاف أولويات وأجندات كل طرف. فواشنطن ينصبّ تركيزها على تخلّص بيونغيانغ من ترسانتها النووية بشكل كامل وتفكيك جميع منشآتها وبرامجها النووية والصاروخية، في حين تعطي الأخيرة أولوية لعدة قضايا مترابطة؛ منها: التوصل إلى معاهدة سلام بين الدولتين، وتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والحصول على ضمانات أمنية بعدم تهديد نظامها السياسي، بما في ذلك سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية.

وإلى ذلك، فإن ما ساهم في فشل القمة، في نظر بعض المحللين، هو إهمال واشنطن لوزن ودور وتضارب العوامل الإقليمية والدولية في الأزمة الكورية، والوصول إلى تسوية ناجحة بشأنها. فالعاصمة الكورية الجنوبية، سيول، تميل إلى التقارب والحوار مع بيونغيانغ، بينما تفضّل طوكيو مواصلة أقصى الضغوط على كوريا الشمالية بهدف التخلي عن برامجها النووية والصاروخية.

ويرى هؤلاء أيضاً أنّ «بكين وموسكو لن تسهلّان مهمة واشنطن في التوصل إلى اتفاق في شبه الجزيرة الكورية من مقايضة ذلك في ملفات دولية أخرى»، لارتباط ذلك بموازين القوى في منطقة حيوية وفائقة الأهمية بالنسبة إليهما. وخاصة في ظلّ العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على موسكو، والحرب التجارية التي تخوضها واشنطن ضد بكين، وصولاً إلى التنافس بين العاصمتين في بحر الصين الجنوبي، والعديد من القضايا الأخرى (تايوان على سبيل المثال).

ويضيف المحللون أن تحفظاً مماثلاً ينسحب حتى على الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة، التي تفضّل أساليب الدبلوماسية متعددة الأطراف في الرقابة على السلاح النووي، وتأخذ على ترامب تخليه عن هذه الآلية، من قبيل تخليه عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران!.

 

2019-03-10