السبت 22/10/1444 هـ الموافق 13/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المنظمة وخريفها...جهاد الرنتيسي


تنزلق منظمة التحرير الفلسطينية نحو واحد من أقسى المنعطفات التي مرت بها خلال العقود الماضية مع تفاقم أزمتها الداخلية وتزايد الجدل حول جدواها وإمكانية إصلاحها وكيفية انتشالها من مأزقها الآخذ في التعمق.


وضع التداعيات الأخيرة في سياقها يستدعي الإشارة إلى موقع المنظمة، التي تأسست في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، على الخارطة السياسية، وظرفها التاريخي، فهي جزء من النظام الرسمي العربي الذي أفرزها، وحولها إلى سقف للتفكير والعمل السياسي الفلسطيني، يحدد هامش حركة الفصائل والطروحات ويوائمها مع السياسات الرسمية العربية.

محاولات تنشيط الذاكرة أو إعادة قراءة التاريخ تقود إلى أن التمرد على الإطار الذي تحول إلى نظام رسمي فلسطيني، لم يبدأ في زمن ما يوصف بالإسلام السياسي أو الجهادي الفلسطيني.

ففي تفاصيل العلاقات الداخلية الفلسطينية محاولات عديدة لإعادة بناء المنظمة جرت خلال العقود الماضية، أخذ بعضها منحى الانشقاقات والانتفاضات، والآخر الحرد السياسي بتجميد العضوية في الهيئات القيادية.

وكان لهذه التمردات نقاط التقاء من بينها اتهام القيادة المتنفذة بالانحراف عن الهدف الأساسي، والإخفاق في توجيه دفة السياسة، وتنافر وجهات النظر حول العلاقة مع العواصم العربية والمحاور الإقليمية والدولية، علاوة على الفساد المالي الذي نخر هيكل المنظمة.

في المقابل عملت القيادة الرسمية الفلسطينية على جر الخصوم إلى ملعبها، وإخضاعهم لمعادلاتها، واستخدمت في ذلك سلاح المال ومنظومة علاقاتها العربية والإقليمية، وفي بعض الأحيان القوة لقذف المختلفين معها إلى خارج دائرة الشرعية الهلامية المختلف على مفهومها، وباستخدامها لهذه الأسلحة تمكنت من الحفاظ على التوازنات التي مكنتها من الإمساك بزمام الامور.

غياب مظلة النظام الرسمي العربي بعد تفككه وضعف قدرته على تعويم أزمات منظمة التحرير ومحاصرة حالات التمرد والرفض الفلسطيني بالدعم المالي والتنسيق الأمني، بعض أسباب تقلص قدرة القيادة المتنفذة على دحر خصومها واستقواء الخصوم على القيادة المفترضة .

والفروقات التي أحدثها هذا الغياب تهدد بتحولات غير مسبوقة وأكثر عمقاً في الإطار التنظيمي الأوسع الذي جرى تهميشه مع قيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو وتم استدعاءه بعد ما يزيد عن العقدين من التهميش ليكون رافعة للمصالحة كما ترجح انتقال الصراع الفلسطيني الفلسطيني إلى مربع آخر، وترشح قيادة المنظمة لمواجهة مصير مشابه لمصائر أنظمة عربية أطاحت بها الصراعات الداخلية، أو هشمتها خلال السنوات الماضية.

يغيب عن الفلسطيني الحائر بين أكل آلهة العجوة كما كان يفعل العرب حين يجوعون قبل ظهور الإسلام، والتمسك بالطوطم وتابوهاته، أن أزمة منظمة التحرير بعض حصته من فوضى النظام الرسمي العربي وانهيارات بعضه والعبث الإقليمي والدولي بالتفاصيل العربية ما يعني تشكل قواعد جديدة للعبة تملي أداءً مختلفاً عن نمطية الأداء المحكوم بهامش تحدده حصة الفصائل من المخصصات المالية والخشية من عصا الجغرافيا العربية.

 

2019-03-13