الإثنين 3/4/1446 هـ الموافق 07/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفلسطينيون وإدارة الضرر! .....دكتور ناجى صادق شراب

لم تعد الأزمات تخضع للحسابات الغيبية والقرارات الإنفعالية وردود الأفعال غير المحسوبة موضوعيا وعلميا ،ولا لمراهنات القوة والحسابات ألإقليمية والدولية التي لا تخضع لقدرة صانع القرار في الأزمة على توظيفها كما يريد. دراسة ألأزمات باتت علما له قواعده وأصوله ومبادئه، وتدرس اليوم في الجامعات. هذه التوصيف لحالة الأزمة ينطبق على ألأزمة الفلسطينية بين حركتى فتح والسلطه وحركة حماس.والأزمة تمر بمراحل متعدده الأولى مرحلة ألأزمةألإستباقية أو الوقائية والهدف منها الحيلولة دون وقوع ألأزمة ومعالجة أسبابها قبل أن تنفجر. والمرحلة الثانية في حال حدوث الأزمة مرحلة حل الأزمة بالتسارع لحلها قبل إستفحالها وتعقدها وهنا يمكن تصور الدور المباشر لطرفىالإنقسام او دور العوامل الخارجية التي لها مصلحة في حلها، وإذا فشلنا في هذه المرحلة ندخل في مرحلة إدارة ألأزمة وهى الاتفاق على قواعد ومبادئ لعدم إستفحالهاوالإتفاق على نقاط مشتركه ، وإذا فشلنا نكون ام مرحلة إدارة ألأضرار الناجمة على تطور الأزمة وتعقدها.هذه المراحل تطبق على تطور الحالة الفلسطينية من الإنقسام . وإبتداء لا بد من الإشارة إلى أن أهمية الأزمة الفلسطينيه أنها مرتبطه أولا بالقضية الفلسطينية وتوحد الشعب الفلسطيني ، فخطورتها ان القضية الفلسطينية ما زالت قائمه، والإحتلال الإسرائيلي ما زال قائما ،وإستمرارالإنقسام وتحوله لحالة سياسية من ألإنفصالسيأتى على حساب القضية الفلسطينية ، وثانيا ضرورة الإشارة ان القضية الفلسطينية لها أبعادها ألإقليمية والدولية وهو ما زاد من عوامل التدخل الخارجي في القرار السياسى الخاص بالإنقسام وزاد من تعقيداته لخضوعه لحسابات خارجية.والأمر الثالث عدم إدراك حجم التناقضات والتباعد الأيدولوجىوالسياسى بين الحركتين الرئيسيتين وألإعتقاد أن مشاركة حماس في الحكم يمكن ان يحتويها ويستوعبها، وهو على ما يبدو عكس ما فكرت فيه حركة حماس ان السيطرة على الحكم يعتبر أحد اهم إستراتيجيات الحركة في البقاء والهيمنة السياسية، وإعتقادا منها أن تريد الحكم وهذا ما ينقصها.وكان يفترض منذ البداية و قبول حركة حماس للمشاركه في الحكم ، ونجاحها في إنتخابات المجلس التشريعى بما يسمح لها بتشكيل أول حكومة برئاستها ان تشكل مجموعة أزمات وتطبيق مرحلة الدبلوماسية الوقائية والإستباقية ومعالجة التناقضات والوصول لقواسم مشتركه ، وكان هذا ممكنا لأن وضع حماس لم يكن بالقوة التي تسمح لها بالرفض، وجاءت الفرصة أيضا مع تشكيل حكومة الوحدهالوطنيه التي كان يمكن البناء عليها للحيلولة دون إنفجار الأزمة. وهذا لم يحدث لتقوم حماس بإنقلابها والسيطرة على السلطة في غزة إعتقادا منها ان لها الحق  في ذلك سياسيا. لتبرز وتنفجر الأزمة بشكل قوى ، وهو ما يفترض الدخول في مرحلة حل الأزمة وهو لم يحدث، وهذا هو الخطأ والفشل الثانى ، ولقد ساعد عنصر الوقت حركة حماس في تثبيت وجودها، وساهمت الحروب الثلاثة التي خاضتها في تقوية مركزها، كوزيادة التعاطف الجماهيرىالداخلى ، وتلقى المزيد من الدعم الخارجي من الجاليات الإسلامية ، ومن حركة ألأخوان التي إعتبرتها نواة قوة لها ينبغي الحفاظ عليها، ويبدو ان هذا كان الهدف الإستراتيجى لحركة حماس من سيطرتها على غزه، وهذا وقد ساهمت إسرائيل في إفشال هذه المرحلة بحروبها التي لم تكن تهدف التخلص من الحركة بقدر تطويعها سياسيا لمرحلة لاحقه. والخطأ الذى وقعت فيه السلطة إهمال عنصر الوقت وعدم الذهاب لخطوات سريعه لمعالجة ألأزمة . هذا الفشل ترتبت عليه تداعيات وصور كثيرة تجسدت في الخطاب السياسىوالإعلامى الذى عمق من مسافة العداء والكراهية بين الحركتين، وفى صور الإعتقالات، وفى سيادة تفكير ونظرية المؤامرة لدرجة تفسير كل ما يتخذ من قبل السلطه أنه يدخل في سياق المؤامرة فالإجراءات السياسية التي إتخذتهاالسلطه تفسر بالعقوبات .ومن اهم التداعيات السلبية عدم نجاح حكومة التواق الوطنى التي تم الاتفاق عليها ، وعدم تمكينها سياسيا ، يبدو أن الهدف الإستراتيجى كما أشرنا ليس العمل على نجاح الحكومة ، وهنا ساهمت قوى خارجية كثيره في تقوية هذا الإتجاه ، بالدعم الذى تتلقاه الحركة من قوى إقليميه مثل قطر وتركيا، ومساعدة إسرائيل على الإستمرار في الحصار وتصويره أن السلطه هي من تفرضه. وهذا هو الفشل في إدارة المصالحه التي تتوج الآن بمنعطفين خطيرين أولهما تشكيل حكومة جديده برئاسة دكتور محمد إشتيه وهو عضو للجنة المركزيه والتي يعتبرها الكثيرون انها حكومة لفتح، والمنعطف الآخر الخطير التوجه لتهدئة وهى بلا شك شكل من أشكال المفاوضات والإتفاقات السياسية بعيدا عن السلطه، وتتويج هذا التوجه بقمع الحراك الجماهيرى الأخير في غزه تحت شعار بدنا نعيش وتفسيره أيضا بنظرية المؤامرة من فتح والسلطه.لندخل الآن في مرحلة إدارة الأضرار بهدف العوده للمصالحة وإعادة صياغة بناء المنظومة السياسية الفلسطينيه بالكامل على أسس من الشرعية السياسية الجديده وصولا لصياغة مشروع وطنى يأخذ في إعتباره كل المعطيات والتحولات السياسية الجديدة، ومرحلة إدارة الضرارليست مجرد خطوات أو سياسات صغيره، بل تعكس أسس وأصول وقواعد أهمها الإعتراف أولا بخطيئة ما حدث، وثانيا تحديد ألالياتوألأساليب لإدارة وإحتواء الأضرار، وثالثا الإسراع دون توسيع دائرة الأضرار وتفاقهما، ووضع الضوابط التي تمنع العودة للأزمة، والقيام بمبادرة من الطرفين تعكس حسن النوايا ، كأن يتم ألإعلان برفع كل القرارات والإجراءات من قبل السلطة ، وإستعداد الحركة لتمكين الحكومة. وتاتى خطورة هذه التداعيات مع إقتراب صفقة القرن التي تعرف حاجة كل طرف للمساعدات الإقتصادية. ويبقى هل تسطيع الحكومة الفلسطينية المقبلة من إدارة الأضرار التي ترتبت على الإنقسامالسياسى. الواقع يقدم إجابة سريعه بلا. ما يلوح في ألأفق كيان سياسى في غزه مستقل، وحكومة بصلاحيات أوسع في الضفة الغربية. والسؤال من المسؤول عن ذلك؟وأنهىبإستيعاب وفهم درس رئيسة وزراء نيوزيلندا في الحيلولة دون إتساع الأزمة وألأضرار في أعقاب جريمة المسجدين ,كيف احتوت الأضرار وصولا للحل والمحافظة على نيوزيلندا بلدا للتسامح والسلام.

دكتور ناجى صادق شراب

[email protected]

 

2019-03-29