سلط تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا الضوء على إنشاء أول مصنع فلسطيني "بيبربال" يعتمد لانتاج الورق على عدة مصادر من أهمها المخلفات الزراعية، وتحديداً سعف النخيل، وذلك في محافظة أريحا والأغوار المصنع الذي تأسس عام 2016.
لم يكن من السهل تأسيس المصنع خاصة انه وجد ليكون صديقاً للبيئة، لذلك استعان مدير عام المصنع "طارق سعادة" بدول أجنبية لمساعدته في تصميم الآلات، فكانت وجهته جامعة "شنغهاي" الصينية إذ طوّر مختصون لديها نماذج للمعدات اللازمة للمصنع بالإضافة إلى تدريب طاقم من العمال.
يشير سعادة، في حديث مع الصحفية ايرين كيلة، إلى أن تكلفة المصنع الإجمالية بلغت 6 مليون دولار، أي أكثر مما كان مخططاً له في الجدوى". موضحاً أن عدم توفر الخدمات اللازمة كالمياه حيث يوجد المصنع، أخّر انطلاقه فبدأ عملية الإنتاج العام الماضي 2018.
ينتج المصنع الذي تبلغ مساحته 6000 متر مربع 8 طن يومياً من الورق خاصة ورق المناديل والتواليت، ويطور حالياً إنتاجه لتصنيع ورق الدفاتر والتصوير أو ما يعرف بـ الدوبلكس، بالإضافة إلى ورق "الكرفت" المستخدم في تصنيع كرتون التعبئة.
يقول سعادة،" أن المصنع يصنّع منتجاته من مواد طبيعية بعيداً عن أي اضافات كيماوية أو مواد تبييض أو تنعيم ضارة سوى مادة الكلور التي نسخدمها للتعقيم".
سعف النخيل
يستغل المصنع مئات الأطنان التي تتراكم في مزارع أشجار النخيل ويستخدمها كمصدر أولي في عملية انتاج الورق خاصة انه يحتوي على مادة السليولوز، إذ يستوعب سنوياً كمواد خام سعف نخيل بحجم 1600 طن.
يقول سعادة:" لماذا لا نستغل سعف النخيل الذي يتراكم في مزارع أريحا ونستخدمه في صناعة الورق، خاصة انه يحتوي على مادة أولية أساسية تستخدم في كل الصناعات الورقية وهي مادة السليولوز".
يعدُّ مصنع سعادة الأول في العالم الذي يستخرج هذه المادة من سعف النخيل لاستخدامها في صناعة الورق.
تمر مرحلة تصنيع الورق لدى بيبربال في 19 مرحلة تشمل تجميع الورق سواء من مخلفات الورق أو من سعف النخيل ثم فرزه وطحنه وطبخ النخيل لعدة ساعات في جهار طرد مركزي سعته 25 طناً، يضاف إليه 15 طن ماء و5 طن مطحون سعف و10 طن بخار مضغوط بدرجات حرارة عالية جدا. ينتج المصنع سنوياً ورق خام تقدر كميته ما بين 2600 إلى 2700 طن سنوياً.
من المزارع إلى الماكنات
يستعين المصنع بعشرات المزراعين لجمع سعف النخيل بشكل مباشر من المزراع في أريحا ويشتري الطن الواحد مقابل 100 دولار، ويعتمد المصنع حالياً على ما تجمعه 22 أسرة إذ يمكن لأصغر أسرة أن تجمع طنين يومياً خلال أربع ساعات عمل في كل موسم مدته شهر. يُذكر أن المصنع يستقبل سعف نخيل بكمية 166 طن شهرياً، و2000 طن سنوياً.
أفاد سعادة: "يوفر المصنع 60 ألف يوم عمل بشكل مباشر وغير مباشر في العمل سواء داخل المصنع أو خارجه". إضافة إلى ذلك المصنع، يوفر من تكاليف جمع سعف النخيل ويوفر بذات الوقت فرص عمل. ويجمع المصنع مخلفات سعف النخيل الجافة منها كونها تكون أكثر غنىً بمادة السيليلوز.
طوق نجاة
يعتبر اعتماد المصنع على مخلفات سعف النخيل في صناعة الورق؛ حلاً لمشكلة بيئية يسببها بعض أصحاب المزراع في أريحا والأغوار وهي الحرق.
يلجأ الكثير من المزارعين لحرق مخلفات سعف النخيل خاصة في المناطق المصنفة "جـ" حسب اتفاق أوسلو (تتبع لسيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية) كوسيلة تخفف عن مزارعهم تجمع أكوام السعف، لأن بقاءها في المزراع أو محيطها يضرّ بالمحصول وأشجار النخيل، حيث تتحول لبيئة خصبة تعيش فيها الآفات الزراعية التي قد تؤثر على أشجار النخيل وبالتالي المحصول.
مخلفات الورق
يستخدم المصنع بالإضافة إلى سعف النخيل مئات الأطنان من مخلفات الورق التي يجمعها من نحو 30 مؤسسة مختلفة مثل مديريات التربية والتعليم وبنك فلسطين، ويعيد تدويرها بعد فرزها وإخضاعها لعدة مراحل تجعلها جاهزة لتخرج بصورة جديدة.
يشتري بيبربال الطن الواحد من مخلفات الورق مقابل 250 إلى 350 شيقل، تعتمد الكمية على نظافة الورق ونوع مادته الخام. يستوعب المصنع في قدرته الحالية وفقاً لسعادة نحو 2000 طن من مخلفات الورق سنوياً.
"نحن بحاجة لمبادرات أكبر من تلك التي تنطلق من قبل أفراد أو مؤسسات...، نحتاج الى مبادرة يتعاون فيها المستثمرون مع الحكم المحلي وسلطة البيئة، وتكون مستدامة وليست مرتبطة بتمويل مؤقت".
بخار
يستغل المصنع ما لديه من مواد أو مخلفات بحرقها من خلال ماكنة خاصة تعمل بطريقة بيئية دون أي إنتاج للكربون وتغطي 60% من حاجة المصنع للكهرباء.
يستخدم سعادة البخار في مصنعه بسبب ارتفاع أسعار الغاز كمصدر للطاقة، ولكن أحيانا يضطر إلى استخدام الأخير خاصة أن كمية المخلفات الناتجة عن المصنع تكون قليلة، وبالتالي لا يمكن حرق الكمية المناسبة لإنتاج البخار. يخطط سعادة لاستخدام 250 طناً من مخلفات الورق لإنتاج البخار.
عدم توفر كمية المياه التي تحتاجها عملية الانتاج في المصنع الذي يبلغ نحو 130 كوباً يومياً لكل طن من الورق خاصة في فصل الصيف، دفع طاقم المصنع إلى تخفيض كمية المياه المستهلكة في الانتاج من 25 كوباً إلى 10 أكواب فقط.
مديرية الزراعة: أطنان من السعف تنتظر استغلالها
تختلف الكمية التي تخلّفها كل شجرة نخيل من السعف، ويعتمد ذلك على عمر الشجرة، فالنخيل الصغير ينتج مخلفات من السعف ما بين 40 إلى 50 كيلوغرام، أمّا اذا كانت الشجرة أكبر عمراً فتنتج مخلفات تتراوح كميتها من 100 إلى 170 كغم سنوياً.
يشير مدير زراعة محافظة أريحا والأغوار أحمد الفارس، إلى وجود نحو 300 ألف شجرة نخيل في المحافظة على مساحة تبلغ 21 ألف دونم، هذا العام تم انتاج نحو 9 آلاف طن من التمور أكثر من العام الماضي الذي أُنتج فيه نحو 7 آلاف و500 طن، وتم تصدير نحو 3 آلاف طن في العام نفسه إلى 20 دولة عربية وأجنبية.
يتابع الفارس، ان النخيل يقطف مرة كل عام في شهر أيلول، ويتم تخفيف ما بين 3 إلى 8 سعفات مرة واحدة سنوياً.
وقال فارس أن أشجار النخيل في أريحا تخرج عنها مخلفات سعف ما يقترب من الألفي طن سنوياً.
" مخلفات النخيل يمكن الإستفادة منها بعد طحنها عبر الماكينات في الزراعة وتحويلها إما لأعلاف للحيونات أو سماد عضوي "كومبوست"، لكن بعض أصحاب المزراع يقومون بحرقها بدلاً من استغلالها ما يلوث البيئة". يشير الفارس.
وقود
ينتج بيبربال من عملية طبخ سعف النخيل -التي تستغرق فترة من الوقت- مادة سائلة لونها أسود يمكن من خلالها إنتاج وقود، إذ أنها تحتوي على مواد عطرية وبترولية وفقاً لسعادة، وقد أخضعها صاحب المصنع لفحوصات دولية وجرى التأكد من صلاحيتها كوقود.
يقول سعادة أن هذه المادة السائلة تسمى بلاك ليكير، ويمكن استخراج من كل 1000 لتر ما بين 600-700 لتر من الوقود.
يتابع سعادة: "يواجه مصنعنا مشكلة التخلص من هذا السائل وتصريفه في شبكات الصرف الصحي، خاصة ان بلدية أريحا منعتنا من استخدامه حفاظاً على البيئة".
ويوضح أنه لا يتم استخراج الوقود سوى مرة كل شهرين، ويتم التخلص من المادة في خزانات مخصصة، وذلك نظراً لعدم توفر الآلية المناسبة لعلاج وتنقية هذه المادة، وخاصة أن توفير محطة تنقية خاصة أمرٌ مكلف.
وقال أن عدم توفر شركات مختصة في الحلول الصناعية تعالج مياه المصانع يهدر من فرص إنتاج الوقود لدى مصنعه.
فيما دعا سعادة في ختام حديثه إلى ضرورة توفير الدعم الرسمي لمثل تلك المشاريع الصديقة للبيئة، مشيراً إلى أن فلسطين ينقصها الكثير في هذا المجال وخاصةً الأبحاث العلمية البيئية.
يتطلع مصنع بيبربال إلى إنتاج نحو 50 طناً يومياً كون بنيته التحتية تسمح باستيعاب هذه الكمية، وتنويع مخرجاته بما يلبي حاجة السوق.
كلمات مفتاحية
صناعة، ورق، نخيل، أريحا، بيئة
يعد مصنع "بيبربال" الذي تأسس عام 2016 في مدينة أريحا، من المصانع القليلة التي تراعي في انتاجها الحفاظ على البيئة وحمايتها من الملوثات. ويتميز باعتماد عجاناته الورقية على عدة مصادر لإنتاج الورق من أهمها المخلفات الزراعية في محافظة أريحا والأغوار، وبخاصة سعف النخيل، بالإضافة إلى مخلفات الورق.
ينتج المصنع الذي تبلغ مساحته 6000 متر مربع 8 طن يومياً من الورق، وبخاصة ورق المناديل والتواليت. ويطور حالياً انتاجه لتصنيع ورق الدفاتر والتصوير أو ما يعرف بـ الدوبلكس، فضلا عن ورق "الكرفت" المستخدم في تصنيع كرتون التعبئة.
ويعد هذا المصنع الأول في العالم الذي يستخرج مادة السيليلوز من سعف النخيل لاستخدامها في صناعة الورق.