غزة-الوسط اليوم:
سلط تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا، الضوء على مبادرة زراعية اقتصادية في قطاع غزة تمثّلت بإنتاج ثمانية أصناف جديدة من البطاطس، وجدت طريقها إلى سلال المواطنين الفلسطينيين، وكسرت حاجز الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 13 عامًا حيث تم تصديرها إلى دولة الكويت، وستصل أسواقا جديدة قريباً.
هذه المبادرة تمت بإشراف مركز العمل التنموي "معا" وذلك على مدار ثلاثة أعوام متواصلة، عبر إدخال أصناف جديدة من البطاطس تصلح لأغراض الاستخدام المنزلي والاستخدام الصناعي، بحيث تكون أكثر إنتاجية وأعلى تنافسية من التقليدية.
وكما جاء في التقرير، فقد أشار مسؤول تطوير سلاسل القيمة في مركز معا، المهندس محمد خلة إلى إن مركزه ساهم في إطلاق تجربة أصناف جديدة من بطاطس المائدة والصناعية، بغرض تطوير نظام السوق الزراعي، ليصبح أكثر مرونة وعدالة وشمولية لصغار المزارعين والفئات المهمشة من الشباب والنساء، إضافة إلى زيادة دخل صغار المزارعين من خلال توفير أنظمة أسواق أفضل.
وجاء هذا الجهد من خلال "مشروع التطوير العادل للإنتاج الزراعي وأنظمة السوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، كما يضيف خلة.
ويوضح أن العمل جرى بالشراكة مع الجمعية التعاونية الزراعية-بيت حانون، حيث تم إدخال 16 صنفًا جديدًا منها ثمانية أصناف للمائدة وثمانية أصناف من البطاطس التصنيعية، مشيرًا إلى ثمانية أصناف تكللت بالنجاح من حيث الإنتاج وملاءمتها للبيئة الفلسطينية.
وأورد أنواع البطاطس التصنيعية التي نجحت وهي (سانتانا، انيوفتيور، ديزيريه، شالينجر، الفيريستون، روزيت)، بينما بطاطس المائدة اقتصر نجاحها حتى الآن على (سيفرا، فاريدا، بيلينى).
محصول مهم
وتعد البطاطس من المحاصيل الزراعية المهمة من حيث حجم الإنتاج والعوائد المادية، إضافة إلى كونها مكوناً أساسياً في السلة الغذائية للمواطنين الفلسطينيين، ويمكن تصنيفها من المكونات الأساسية للأمن الغذائي في قطاع غزة.
ويتراوح الإنتاج الحالي من البطاطس في قطاع غزة -الذي يسكنه قرابة مليوني نسمة على مساحة 365 كيلو متر مربع- 75 ألف طن، مزروعٌ على مساحة 17 ألف دونم، بمتوسط إنتاجية 3.4 للدونم الواحد ما بين العروتين الخريفية والربيعية، كما يفيد خلة.
وتُحصد البطاطس مرتين في العام في فصليْ الربيع والخريف، وتجري زراعتها في حقول مفتوحة.
وبالنسبة لاستهلاك المواطنين للبطاطس فإنها تتصدر المركز الرابع من حيث الأهمية بعد القمح والرز والذرة، وتعتمد العائلات الفلسطينية عليها كغذاء، ومصدر دخل لمئات المزارعين، وهي تعد من الخضار المغذية وأسعارها معقولة في متناول اليد لكافة شرائح المستهلكين.
وتشير تقديرات الخبراء في قطاع الزراعة إلى أن عدد المنتجين للبطاطس يبلغ نحو 1000 منتج، أما عدد العاملين فيتراوح بين 3000 إلى 6000 عامل، حسب الموسم.
ويمكن تقسيم البطاطس إلى ثلاث مجموعات رئيسة كما يبين خلة وهي: (بطاطس المائدة، بطاطس لأغراض التصنيع، البطاطس العضوية) في حين تندرج تصنيفات فرعية أخرى تحت تلك المجموعات.
ووفق دراسة أجراها مركز معا قبل إطلاق المشروع، فإن استهلاك البطاطس يتم من خلال قناتين تسويقيتين أساسيتين: الأولى عبر الاستهلاك المنزلي لبطاطس المائدة، والثانية عبر الاستهلاك خارج المنزل في المطاعم باعتبار البطاطس طبقًا، أو إضافة جانبية على الوجبة الرئيسية. ويضاف إلى ذلك إمكانية التوسع في البطاطس التصنيعية الجافة مثل الشيبس أو نصف البطاطس المقلية المستوردة من الخارج، كبطاطس جاهزة للقلي والتقديم السريع.
فرص كبيرة للنمو
ويشير حجم ونمط الاستهلاك المحلي من البطاطس التصنيعية إلى فرص كبيرة للنمو في المستقبل مع التغييرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على الأذواق والأنماط الاستهلاكية للبطاطس.
ومن الفرص المتاحة لزيادة الطلب والإنتاج الحالي على مستوى السوق المحلي تكمن فرص إحلال البطاطس التصنيعية المحلية مكان المستوردة وخاصة فيما يخص البطاطس نصف المقلية المجمدة والتي يستهلك منها السوق المحلي أكثر من طن سنويا وبزيادة سنوية، وفق خلة.
ويقترن إحلال واردات البطاطس الجافة "الشيبس" بعدة عوامل أهمها إيجاد تقنيات إنتاجية من شأنها تقليل التكلفة الانتاجية خاصة تكلفة الطاقة لزيادة فرص المنافسة مع المنتجات المستوردة التي تستحوذ على الحصة السوقية بأكملها نظرًا لميزتها السعرية الواضحة.
وتشير الدراسة إلى أن عمليات زيادة الطلب على المستوى المحلي هي عمليات معقدة تمتزج فيها القدرة الشرائية مع الأذواق الاستهلاكية مع تعدد قنوات التسويق، ويوازي هذا كله قدرة إنتاجية وتخزينية تحافظ على أسعار مناسبة للشرائح المستهدفة بشكل مستدام وبجودة ثابتة.
ويبين خله أن هذه الخطوة سبقتها سلسلة من الدراسات والأبحاث لمعرفة مدى ملاءمة التربة والمناخ وآليات الزراعة في قطاع غزة لهذه الأنواع، والأهم من ذلك خطوط التسويق المحتملة للناتج المتوقع حصادها.
ويضيف أن المشروع يستهدف النساء والرجال العاملين في المجال الزراعي على حد سواء، لاسيما وأن قطاع غزة يخلو من مزارعات البطاطس الإناث لأن المحصول يسيطر عليه الرجال في عملية البيع.
ملاءمة الظروف المناخية
وينوه إلى أنه جرى تنفيذ سلسلة من المعاملات الزراعية التي تحاكي التغيير المناخي، وأجريت سلسلة تجارب على زراعة البطاطس والتوقيت المناسب للزراعة، وبينت المشاهدات أن هناك تغيير واضح في توقيت الزراعة عن الوقت المعتمد لزراعة البطاطس في غزة.
ويشير إلى أن قطاع غزة كان يضم فقط صنفين لا ثالث لهما، وهذه الأصناف انتهت صلاحيتها وكمية الإنتاج قليلة إذا ما قورنت مع الأصناف التي تم زراعتها العام الماضي والعام الحالي، لافتا إلى أن المواطن في قطاع غزة لا يعرف الأصناف وبالتالي فقط يفرق بينها من خلال الطعم ودرجة الهشاشة في قطعة البطاطس.
وتابع خلة أن الأصناف التي كانت تزرع سابقا لا توجد ضمن قوائم التصدير حتى على صعيد الداخل الفلسطيني المحتل، لذلك جرت عشرات التجارب والمشاهدات للأصناف الجديدة.
وعن المشاكل التي واجهوها، يقول: "من المؤسف حقًا أنه لا توجد حقول للمشاهدة، وبالتالي تبقى المعلومة لدى المزارع إما غائبة أو منقوصة، إضافة إلى الضعف الكبير في الإرشاد الزراعي من المؤسسات ذات العلاقة، وعدم مجاراة التكنولوجيا في عملية الزراعة والحصاد، حيث ما زال يستخدم الحصاد إما بالطريقة اليدوية أو (كارو) يجرها حصان، ويؤثر ذلك على جودة المنتج وكمية الإنتاج من خلال الضغط على التربة، كذلك عدم وجود صناعات قائمة على البطاطس وبالتالي هناك نقص واضح في الطلب".
وحول الإنتاج وكيفية تسويقه، يشير إلى أن التصدير كان في السابق يتم من غزة إلى الأردن وبكميات قليلة وعلى فترات متباعدة، لكن مع وجود الأصناف الجديدة وكميات الإنتاج الأكبر، فقد تم فتح أسواق جديدة بهدف خدمة المزارع الفلسطيني وتعزيز الناتج الغزي، وبالتالي تم التصدير إلى الأسواق الكويتية ومازال العمل جارٍ على فتح أسواق جديدة.
إنتاجية وجودة أفضل
ويبين مسؤول تطوير سلاسل القيمة في مركز معا، أن عملية زراعة البطاطس تتمدد لتشمل عشرات الدونمات في شمال قطاع غزة بالتعاون مع الشركاء، وقد تم توفير المعدات والأسمدة اللازمة لذلك للموسم الحالي، حيث تتراوح إنتاجية الدونم الواحد من (4-5) طن مع وجودة أفضل.
ويؤكد أن الاصناف التي تم اختيارها تتوافق وثقافة المستهلك الفلسطيني من حيث الحجم واللون والطعم.
وكشف في سياق متصل، أنه تم زراعة عشرات الدونمات في جنوب قطاع غزة بالشراكة مع شركة "الجرجاوي" التي تعد أكبر مستوردي البطاطس، مشيرا إلى أنه قبل البدء بعملية الزراعة أُجريت المشاهدات للأصناف التي ستخدم نحو 50 مزارعًا.
وحول التدخلات المعززة للبيئة من خلال الممارسات الزراعية، يقول الخبير الفني والمختص في الشأن البيئي في مركز معا، المهندس يوسف عوض: "عكفنا ومنذ اللحظة الأولى على تزويد الفئات المستهدفة من المزارعين بالإرشادات الضرورية لإكسابهم سلوكيات بيئية، ساهمت وبصورة فاعلة في توعيتهم بأهمية الزراعة وفق أسس منهجية ودراسات بحثية".
ويضيف عوض: "تمكنا من تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية التي تحتوى على كميات كبيرة من الأملاح سريعة الذوبان في التربة وتعمل على زيادة ملوحتها وملوحة المياه في الخزان الجوفي، كما تم تزويد المزارعين بالمهارات التي تمكنهم من تصنيع سماد طبيعي من مخلفات الحيوانات بما يعمل على تحسين التربة".
أنظمة حديثة
ويلفت الانتباه أيضًا إلى أنه تم تمديد شبكات ري حديثة تعمل على أنظمة ري جديدة ترشِّد من استهلاك المياه، وجاري العمل على قدم وساق لإدخال التكنولوجيا في عملية الزراعة للحصول على أفضل الطرق الزراعية التي تناسب التربة والجو في قطاع غزة، كما سيتم ابتعاث عدد من المزارعين للاستفادة من الخبرات الخارجية.
ويتابع: "نعمل على عدة جوانب وتدخلات على مستويات الأسمدة لا سيّما وأن لها تأثيراً مباشراً على المنتج، إضافة إلى طريقة الزراعة نفسها، فلم نعد نردم البطاطس بالتراب أو الطين وإنما بالقش (التبن) تعطى مساحات أوسع للدرنات في عملية النمو".
وفي معرض رده على استخدام القش من قبل المزارعين ومدى تقبلهم لذلك، يفصح أن أحد المزارعين عمل على تعقيم التربة بنحو 20 ألف شيكل لتوفير "بروميد الميثيل" إلا أنه لم يتمكن من تجويد التربة بالدرجة التي تتلاءم وعمليه الزراعة، بيد أن القش (التبن) مكنّه من تجاوز الإشكالية وقلل من الأمراض.
ولفت الى انهم يعملون على توعية المزارعين بأهمية حماية الأراضي من الأمراض بطرق حديثة وبعيدًا عن الكيماويات الملوثة للتربة وللخزان الجوفي للمياه.
وتمتم قائلًا: "منهجية عملنا هدفها تربة سليمة ومُزارع يمتلك ثقافة زراعية واسعة والبعد عن ملوثات البيئة بمكوناتها (هواء، تربة، مياه)، إضافة إلى العمل ضمن منظومة تتمثل في المشاهدات والإرشاد المتواصل وإيجاد مدارس حقلية وتبادل الخبرات بين المزارعين".
بدوره، يشير خلة إلى أن مركز معا يعمل على دعم تسعة مشاريع صناعية تتعلق بالبطاطس فقط منها خمسة مشاريع للسيدات وأربعة للشباب، ويتضمن الدعم المادي والفني، لافتا إلى أن جملة المشاريع التي جرى اختيارها هي من عشرات الأفكار التي قدمت بعد نشر إعلان رسمي للجمهور للتقدم بمشاريع تختص بالبطاطس.
ويؤكد أنه سيتم متابعة هذه المشاريع وتتمثل في مسحوق البطاطس، مهروس البطاطس (وجبات غذائية للأطفال)، بودرة البطاطس، ومطعمين لتقديم وجبات تكون مكوناتها الرئيسية البطاطس، وغيرها من الأفكار الحديثة.