السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مستقبل المسلمين بين مطرقة المسيحية الصهيونية والإسلام الصهيوني....د. حميد لشهب

إلى عهد قريب جدا، تَعوَّد الباحث المسلم المهتم بالأسباب التي توجد وراء الدعم اللامشروط للساسة الأمريكيين للكيان الصهيوني على أرض فلسطين المُغتصبة، بتفسير بسيط ومُبسَّط، مُرجعا إياها إلى أسباب سياسية وإستراتيجية واقتصادية وسيولة المال الصهيوني في الحملات الانتخابية الأمريكية وتخريب وسائل الإعلام الصهيونية للرأي العام الأمريكي والعالمي بصفة عامة إلخ. لكن هذا التفسير كان بالضبط السبب الرئيس في حجب الغابة الكثيفة التي تحتمي بها الصهيونية، وهي تعيث فسادا في مجموع الشرق الأوسط، بانكشاف السر الحقيقي لوجود إسرائيل حتى، وهو سبب عقائدي ديني محظ، قادته وتقوده وستستمر في قيادته الصهيونية المسيحية، التي سبقت زمانا ومكانا الصهيونية اليهودية.

 

تُعرف "المسيحية الصهيونية" بأسماء عديدة من بينها الأُصولية اليمينية والألفية والتدبيرية والإنجيلية المتشددة إلخ، وهي منتشرة بالخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومُنظمة في أكثر من 300 جمعية، ولها كنائس وفرق عدة، من أشهرها شهود يهوفا والطائفة البيوريتانية والسبتيون والميثوديست إلخ. وتُعتبر الحركة التدبيرية أو القدرية أخطر هذه المجموعات، نجحت في غسل أدمغة أكثر من خمسين مليون أمريكي. ومن المهم الإشارة إلى أن هناك باحثون كُثر يعتبرون بعض رؤساء الولايات المتحدة كانوا ينتمون عقائديًا وإيديولوجيًا إلى المسيحية الصهيونية منهم وودرو ويلسون وهارى ترومان ودوايت أيزنهاور وليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيمى كارتر ورونالد ريجان وبوش الأب والابن ووزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى. ويكفي هذا لافتراض بإن إسرائيل هي في أذهان الأغلبية في أمريكا مشروع إلهي لا يقبل لا إدانة ولا نقد ولا مقاومة من أي كان.

 

هناك أدبيات كثيرة وبالكثير من اللغات حول "المسيحية الصهيونية"، ومن أهمها باللغة العربية دراسات القس الدكتور رياض جرجور، وهي دراسات تستحق الاهتمام لأنها تعبر بعمق عن الموقف الرافض للمسيحي العربي اتجاه المشاريع التخريبية للمسيحية الصهيونية، مُستعينة بدولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. لكن بأي مشروعية يُمكن الحديث عن الصهيونية الإسلامية، أو لنكن دقيقين عن صهيونية بعض الحكام العرب؟ أهناك مؤشرات تُثبت هذه الفرضية على أرض الواقع؟

 

إن جانبا من الجواب على هذا السؤال يكمن في التذكير بهدف الصهيونية، المتمثل في  تجميع اليهود في فلسطين. من هنا فإن كل من ساهم في هذا، يعتبر صهيونيا، بغض النظر عن انتمائه الديني والعرقي والقومي. وفي هذا الإطار يصب وعد عبد العزيز آل سعود لبريطانيا بأنه لا مانع عنده بإعطاء فلسطين لليهود "المساكين". وهذا وعد أكبر وأخطر من وعد بلفور المشؤوم.

 

إن المسلمين الذين ساهموا وساعدوا وتسببوا في هجرة اليهود إلى فلسطين هم اصطلاحا مؤسسي الصهيونية الإسلامية، وليس في هذا أي اتهام لأحد، لأن الوقائع التاريخية تُثبت ذلك بلا ما لا يدع مجالا للشك، أكانت هذه الهجرة مقابل 40 أو 50 دولار عن كل يهودي أو مقابل البقاء في الحكم إلخ. وقد ساهم ويساهم إلى اليوم الكثير من الحكام العرب في تعزيز الفكرة الصهيونية ويساعدون لكي تُحقق أهدافها كاملة، وهي السيطرة على مجمل الشرق الأوسط العربي. وها نحن نتفرج بأم أعينا اليوم، ولا حول ولا قوة لنا إلا الصبر وعدم إغماض الجفون، ما يقدمه القادة العرب على الأرض المقدسة للمسلمين من خدمات بالمجان للمشروع الصهيوني، الذي يرعاه ترامب حاليا.

 

لا داعي للتذكير أيضا بأن ميكانيزمات "صناعة" فِرق متأسلمة صهيونية أصبحت واضحة، فبعدما صُنع الإخوان المسلمون بهدف خلق البلبلة في العالم الإسلامي، وبالخصوص في سوريا التي كانت على عهد حافظ الأسد أكبر خطر على المشروع الصهيوني، تفننت في صناعة القاعدة لتحقيق هدفين متكاملين: ضرب المعسكر الشرقي القديم وتخريب أفغانستان ومن بعده العراق، قبل صناعة داعش في محاولة لتنحية كل أثر لمقاومة الصهيونية العالمية، وبالخصوص سوريا التي لم ترضخ كعادتها وما زالت واقفة تقاوم وتصد الهجمات، بما فيها تلك التي يوجهها لها الحكام العرب أنفسهم، وهذا بشهادة حكام آل صهيون الحاليين. فقد سبق لوزير خارجية الإستعمار الصهيوني ليبرمان أن صرح بـ: "أنَّ عملية السيطرة على ساحة الهيكل تسير وفق خطتها المرسومة وجدولها الزمني، وهناك تنسيق بيننا وبين أطراف فلسطينية وعربية، وتحديداً مصر، لأنَّ حلَّ قضية هيكل الشعب اليهودي يعني إحراز تقدم في عملية السلام، يهم كل الأطراف سواء (إسرائيل) أو الفلسطينيين أو مصر". ولكي لا نُخدع، فإن السلام الذي يعنيه الصهاينة، هو ما سيأتي بعد ظهور المسيح الثاني المُنتظر، بعد إنهاء إعادة بناء المعبد. وأهم مشروع لهم الآن هو ضمان أرض إعادة البناء هذه، بأي ثمن كان ومن أية جهة كانت. فصالح الشوكي مثلا أكد فيما سبق بأن محمود عباس هو المسؤول المباشر عن تمرير عقارات وممتلكات أهل القدس إلى الصهاينة والمستوطنين، ولا داعي للتذكير أيضا بأن الإمارات العربية كانت لها يدا في هذا الأمر. ومن التصريحات المفزعة في هذا الإطار هو ما قاله الصهيوني المتطرف موشي فيجلن: "لأول مرة أشعر أن ساحة الهيكل المقدس (يقصد ساحة المسجد الأقصى) أصبحت تحت سيطرتنا بالكامل في الأيام القليلة القادمة سنشهد إقامة نواة الهيكل المقدس، وإنَّ الذين يخوفوننا من الفلسطينيين عليهم أن يعلموا أن قياداتهم موافقة على هذا الشيء، وأن شعبهم مخدر، هذه فرصة تاريخية للشعب اليهودي العظيم ليستعيد مقدساته المسلوبة".

 

ما هو إذن مستقبل المسلمين، وهم في الأيام الأولى لعيد الفطر المبارك، يتفرجون على الصهاينة المسلمين في أقدس مدينة مسلمة وهم يخططون لمنح أقدس ما للمسلمين في فلسطين -إلى جانب الإنسان الفلسطيني نفسه- للصهاينة قصد إعادة بناء معبدهم بهدم المسجد الأقصى. أكانت قصة الإسراء والمعراج خُرافة، أم أنها ليست بأهمية المعبد الصهيوني؟ ألم يُقسم بعض الحكام العرب للصلاة في القدس؟ أم أنهم صلوا بالفعل إلى جانب الحاخامات والقساوسة الصهيونيين وها هم الآن مجتمعون كما اجتمعت في القديم قبائل قريش مطالبة بدم النبي الأمي (ص)؟ ألا يعمل الصهاينة المسلمون الآن على تدبير خطة شيطانية للتخلص من كل مسلم يقف في وجه المشروع الصهيوني، سواء أكان هذا المسلم عادي مثلي ومثلك، أو دولة أو حزب أو مجموعة كبيرة أو صغيرة؟ ألم يوصلنا الصهاينة المسلمون إلى حضيض الإيمان والتقوى بإيهام شعوبهم بأن العدو الحقيقي لنا هم بعض إخواننا من المسلمين، لأنهم -ودون أن يقولوا هذا علانية- يقفون كحجرة عثر في وجه المشروع الصهيوني؟ ماذا بقي على المسلمين عمله وقد أوصلهم الصهاينة المسلمون إلى النفق المسدود على كل المستويات. الأغلبية الساحقة منشغلة في جمع قوتها اليومي واستهلاك ما يحشو به الصهيوني المسلم فضائياته لقتل آخر بريق أمل في الضمير الإسلام الشعبي؟

 

جوابنا على هذا السؤال بسيط وساذج في نفس الوقت، لكنه عميق من حيث دلالاته الحضارية والثقافية والدينية: إذا لم يكن الوقت قد حان ليثور الشارع العربي على حكامه، الصهاينة المسلمون، من المحيط إلى الخليج، فبالأحرى بنا أن نحفر قبورنا بأيدينا، فرادى وجماعات، فلا الله سوف يغفر لنا ونحن شاهدين على أن مدينة الكعبة تُدنس اليوم وسيدخلها الصهيوني اليهودي ليأخذ ريع الحج والعمرة نقدا لإعادة بناء معبده، ولا مستقبلنا سيصلح إن لم نكن مستعدون للإشتغال عليه والتضحية بالغالي والنفيس من أجله، وعدم انتظار أن يُمنح لنا، ما دُمنا في هذا الوقت عرضة لقبول سيادة الصهيونية علينا وخدمتنا لها كعبيد، كما تتغنى بذلك أدبياتها، أو تنتظره.

2019-05-30