الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سياسة روسية غير مفهومة؟! ...محمد النوباني

بداية لا بد من الاشارة الى اننا نحن العرب لا نجيد اختراق عواصم القرار الدولي وكسب تأييدها لمواقفنا وقضايانا العادلة لاسباب عدة من ابرزها تبعية نظمنا السياسية للغرب وإهدارها للاموال والثروات العربية على الليالي الحمراء وبناء القصور وغيرها من مظاهر البذخ بدلا من توظيفه المال في تصنيع البلاد ورفع مداخيل الناس وتحسين مستوى التعليم والبحث العلمي والخدمات الطبية ورفع وزن وشأن العرب في الساحة الدولية عبر انشاء لوبيات(مجموعات ضغط) مؤيدة لقصايانا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية
في حين ان الصهاينة تمتعوا منذ البداية بمقدرة كبيرة على توظيف وادارة المال الذي يملكونه بوفرة لشراء حكومات و برلماناتونخب سياسية وفكرية تساندهم وتدعم مشروعهم الاستيطاني الكولنيالي في فلسطين عبر غرفة عمليات عالمية منظمة( المنظمة الصهيونية العالمية) ونجحوا في ذلك بشكل هائل ..
وعلى عكس المتخلفين العرب الذين تحكمت أعضاؤهم التناسلية بقراراتهم السياسية ولم يروا ابعد من ارنبات أنوفهم فقد فقد تمكن الصهاينة من مراقبة عملية صعود وهبوط حركة قوى صناعة القرار في العالم الإمبريالي فتحالفوا في بداية الامر مع بريطانيا العظمى مما يمكنهم من استصدار وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام ١٩١٧ من القرن الماضي، ثم ادركوا قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية ان مركز الثقل انتقل إلى الولايات المتحدة الامريكية فحولوا الاتجاه نحوها وتحالفوا معها حيث نجم عن ذلك التحالف الجديد توظيف واستثمار القوة الامريكية في استصدار قرار تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهوديةفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام ١٩٤٧ الذي شكل الاساس القانوني لقيام اسرائيل في الخامس عشر من ايار عام ١٩٤٨ والذي تؤكد كل المصادر التاريخية على انه ما كان ليرى النور لولا الضغوط الامريكية وإرهاب الامريكي للعديد من دول العالم.
ورغم أن مياهها كثيرة جرت في النهر منذ قيام إسرائيل عام ١٩٤٨ وتمكنها من اغتصاب ما تبقى من فلسطين التاريخية عام ١٩٦٧ الا ان العرب بقوا على حالهم عاجزين عن التأثير على الوضع الدولي لصالحهم فيما واصل الصهاينة توظيف ذلك الوضع بما يخدم احتلالهم مشروعهم التوسعية 
وباختصار ولكي لا ابتعد كثيرا عن الموضوع الذي انا بصدده فان حكام اسرائيل أدركوا قبل غيرهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق أن روسيا بما تملكه من طاقات عسكرية واقتصادية كامنة سوف تعود لا محالة قوة عظمى ذات تأثير في السياسة الدولية ولذلك فقد أولوا لعملهم بها اهمية كبيرة لا سيما بعد وصول فلاديمير بوتين الى سدة الحكم فيها خلفا للسكير بوريس يلتسين.
وقد تظهر الاهتمام الاسرائيلي بروسيا التي يوجد بها تاريخيا للصهاينة نفوذ كبير حتى ايام الحكم السوفياتي بزيارات كثيرة قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بن يامين نتنياهو الى موسكو فاقت عديد الزيارات التي قام بها خلال نفس الفترة الى واشنطن التي تربطها باسرائيل علاقة شراكة استراتيجية وتحديدا منذ اندلاع الحرب في سوريا وعلى سوريا عام ٢٠١١.
ومن اللافت هنا انه وعلى الرغم من ان روسيا عادت بقوة الى المسرح الدولي قطبا منافسا بقوة للولايات المتحدة الامريكية من بوابة تدخلها العسكري في سوريا عام ٢٠١٥ وغدت مع الصين ومجموعة البريكس تهدد الهيمنة السياسية والاقتصادية الامريكية على العالم وتتمظهر ذلك حتى بإرسال قوات صينية وروسية الى فنزويلا التي تعتبرها واشنطن مزرعة خلفية لها لحماية نظام مادورو الا ان روسيا تلك بقيت في قرارها العسكري والسياسي ازاء سوريا ومستقبل التسوية السياسية فيها أسيرة لاسرائيل ومصالحها حتى بعد ان أهان نتنياهو كرامة العسكرية الروسية وكرامة الروس القومية بإسقاط طائرة الاستطلاع الروسية إيل-٢٠ ومقتل طاقمها المكون من ١٥فردا العام الماضي في الغارة الشهيرة التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على اللاذقية.
بل واكثر من ذلك فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بان قرار روسيا تزويد الجيش العربي السوري بمنظومات الاس-٣٠٠ المضادة للطائرات لم يكن الا مناورة من قبل الكريملين لامتصاص غضب العسكريين الروس الذين شكل اسقاط اسرائيل لطائرة الاستطلاع الروسية اهانة لهم بدليل ان تلك المنظومات لم تفعل او بتعبير أدق لم تستخدم في التصدي للاعتداءات الجوية الاسرائيلية التي لم تتوقف على سوريا موقعة خسائر مادية وبشرية كبيرة كان آخرها الغارة التي شنت على دمشق وحمص في الفاتح من الشهر الجاري .
وعلى ما يبدو في هذا الاطار 
وهذا الموقف الروسي ان دل على شيئ فانه يدل على الكرملين بات ينتهج في منطقة الشرق الاوسط سياسة خرقاء لم تعد تاخذ بعين الاعتبار لا مصالح سوريا التي لولاها لما حققت روسيا تلك المكاسب الكبرى ولا مصالح ايران التي لولاها لما تمكنت روسيا من ضمان مصالحها في سوريا.
فكيف يمكن على سبيل المثال لا الحصر ان نفهم التصريح الذي ادلى به بوتين وقال فيه بان الدول التي تعاني من تدفق للاجئين ومن ضمنها اسرائيل وتركيا يجب ان تساهم في المباحثات التي ستجري للبحث في أمور التسوية السياسية في سوريا ؟
وكيف نفهم وصف بوتين لعلاقات روسيا بتركيا التي تحتل أجزاء واسعة من شمال وشمال شرق سوريا بانها علاقة شراكة استراتيجية،علما ان الشراكة هي مرحلة اعلى من التحالف ؟
وفي نفس الوقت فاننا لم نسمع بوتين ولا اي مسؤول روسي يصف علاقات بلاده بسوريا التي تتواجد فيها قواعد جوية وبحرية وقوات روسية بانها علاقات شراكة استراتيجية او حتى علاقات تحالف استراتيجي..
وفي ذات السياق كيف يمكن ان نفهم ان بوتين يؤيد السعودية والإمارات في حربها العدوانية ويعرض بيع الرياض منظومات اس-٤٠٠ المتطورة رغم ان تلك المنظومات قد تستخدم ضد ايران التي هي حليف لروسيا وسوريا في المعركة ضد الإرهاب؟
وكيف يمكن ان نستوعب ان امريكا وروسيا والسعودية ومصر والامارات يتحالفون مع المشير حفتر في ليبيا ضد حكومة الوفاق التي تدعمها تركيا رغم أن بوتين بهادن اردوغان في سوريا ويماطل في حسم معركة ادلب مراعاة لمصالح تركيا. 
فابسط قواعد المنطق الشكلي تقول ان روسيا تخوض مواجهة ضد الولايات المتحدة الامريكية على المستوى الكوني بهدف انهاء عالم القطب الامريكي الواحد واعادة صياغة العالم على اساس التعددية القطبية، وبالتالي فان اي دولة حليفة لواشنطن يجب ان تكون في خانة اعداء روسيا في حين ان اية دولة معادية لامريكا يجب ان تكون صديقة وخليفة وشيكة لروسيا .
وبما أن مثل هذه القاعدة هي التي تنظم خريطة التحالفات على المستويات كافة فان اي تصرف روسي مغاير لهذه القاعدة هو تصرف غير مبرر وغير مفهوم ولا يستقيم مع قواعد المنطق فان الموقف الروسي يبقى بحاجة لاعادة صياغة لان استمراره على هذا النحو يضر بمصالح محور المقاومة وروسيا معا. 
وتبقى الحقيقة المرة وهي انه في عالم المصالح فان الدول الكبرى لا تحترم ولا تقيم وزنا الحليف الضعيف.

2019-07-04