الجمعة 21/10/1444 هـ الموافق 12/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
العصا و القلم و ما يسطرون ... محمد عزت الشريف

 

  "أنا آخر ما ترك موسى من آثار العصا"

 

(هكذا قال القلم؛ و من ثمّ غفا)

الذين قالوا بلا جدوى الثورات؛ و سخروا متهكمين متسائلين عما فعلت بنا الثورة، و فعل الثوار؛
قولوا لهم: و ماذا فعلتم أنتم بنا؟! ( قالت لنا العصا)

    ثلاثةُ صبية ارتقَوا ظهر أبي الهول؛ يلعبون بطائرتهم الورقية
سألهم زميلهم الذي بقى على الأرض: مَنْ منكم يقول لي كم المسافة بينكم و بيني؟

    التقط أحدُهم قلماً كان في جيب زميله، و أخذ قصاصة ورق من ذيل الطائرة، و كتب عليها: "لا أعلم"

    تناول الآخر منه القلمَ و كتب على قصاصةٍ أخرى:" ابحث في جوجل عن ارتفاع أبي الهول"
   استعاد صاحب القلمِ قلمَه، و ربطه في طرف خيط الطائرة، و أدلاه إلى زميله الذي على الأرض قائلاً: قِسْ طول هذا الخيط ؛ تعرف المسافةَ  بيننا و بينك.
   
ثلاثة حلول بلا شك..

استخدم الصبية فيها جميعاً القلمَ كأداةِ و وسيلةِ في محاولة الوصول إلى حلول.

    في ظل أزمة الحصار الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي الخانق على العراق في تسعينيات القرن الماضي؛ وقف مفكر عراقي كبير يُردّد حكمته الأثيرة: "للساكب قَطْرٍ من فكره، في بحرٍ أركده الطوقُ، قَدرُ شهيد"
 و تَنَهَّد.. و رمى نفسه.. من فوق الجسرِ العتيق!
و مُذ ذاك الوقت، و دوائر الموج تتوالد و تتوالى و تتسع دون تَوَقُّفٍ أو انتهاء!
"لا شيء يأتي مِن لا شيء، و لا شيء يؤولُ إلى العَدَم"

(هكذا يقول القلم).

أرأيتم عصا موسى؟!
ـ كانت كأيّ عصا مِن العِصيّ؛ يَتَوَكَّأ عليها، و يَهُشُّ بها على غنمه، و له فيها مآرِبُ أُخرى كأيّ مآرب لأي حاملِ عصا آخر، و لكن بمجرد أنْ كانت عصا حقٍ، كانت كما الحق؛ منتصرةً بذاتها، و ليس بحاملها؛ حتى و لو كان نبيّاً أو رسولاً من أُولي العزم كموسى؛

نعم.. لم تبقَ العصا كأي عصا؛ بل لقفت كل ما دونها مِن عِصِيّ!
و لكن؛ هل انتصرت عصا موسى بموسى؟ أقصدُ: لكونها في يد موسى، أَمْ لكَوْنها عصا حق؟!
و الحقَّ منتصرٌ بذاته.


    لقد كان موسى وفي كل مراحل المواجهة حذراً خائفاً من كل شيء؛ حتى من العِصِيّ التي لقفتها عصاه!
 فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)طه
لولا أن ربط الله على قلبه و طمأنه:
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69(طه
 بل كان موسى خائفاً حتى من عصاه  و هي تلقف كل عِصِيّ سحرةِ فرعون!

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20(

نلاحظ دوماً أن العصا  لم تظهر آيَتُها قط وهي بِيَدِ موسى
بل كانت تظهر آياتُها للعيان بمجرد أن يُلْقيها موسى من يده، بإذنٍ من الله؛
و قد كانت مشاعر الخوف تسيطر عليه؛ حتى أنه كان يخشى العودة إلى الإمساك بها مرة أُخرى:

 قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21(



سيرتها الأولى هي سيرتها كعصا يتوكأ عليها و يهش بها على غنمه و له فيها مآرب أخري كأي عصا أخرى
حتى إذا ما كانت عصا حق؛ هنا يمكن أن تتسع المآرب الأخرى حتى لَيَحصُل بها مواجهة الباطل؛ 

    و هنا ننتقل نقلةً زمانية و نتساءل:
كيف إذن نواجه بعصا الحق افتراءات الباطل في زمننا هذا؟
هل مثلاً بأن نضع عصا الحق في عجلة الباطل؟
أم نضعها في عرض طريقه؟
أم يا تُرى نفقأ بها عينه؟!
ثلاثةُ حلولٍ بلا شك..
استخدمنا  فيها جميعاً العصا كأداةِ  و وسيلةِ في محاولة الوصول إلى حلول.
ألا يُذَكِّرُنا هذا بالقلم الذي استخدمه الصبية جميعاً في محاولاتهم  الوصول إلى حل السؤال عن ارتفاع الصبية و الذي هو نفسه ارتفاع أبي الهول عن الأرض؟!
إنما هو محض سؤال؛
و السؤال التالي: هل ثمّةَ علاقة حقيقية بين العصا و القلم؟
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27(


    بالطبع إنّ كلماتُ الله  ليست محض كلمات لفظية و حروفا!
بل؛ كلماتُ الله أوامر و تشريعات
كلمات ربي رحمات و عطاءات
كلمات ربي كتابُ بيانٍ؛ و حكمةُ تطبيقٍ تضع الأمور في نصابها، والمكينَ في مكانه..
   و لكن؛ قمينٌ بنا أنْ نتساءل هنا عن سر ارتباط القلم بالشجرة
و سر ارتباط الشجرة بالعصا؟
    الشجرة هي مادة القلم، كما وهي مادة العصا،
العصا هي اذن كما القلم، و القلم كما العصا،
و كما لا تظهر آية و بركة العصا إلا كلما نُفِّذَت إرادة الله بها:
فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ (63) الشعراء


وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60( "البقرة"
 

    كذا لا تظهر آيةُ، و بركةُ القلم إلا كلما نُفِّذَت إرادة الله به:
بل القلم و ما يسطرون جميعاً هو من إرادة الله
فلننظر ذلك النص من الآية (282من سورة البقرة) و الذي جاء في سياق الحديث عن تنظيم الدَين في المجتمع المسلم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ
هنا و في غير هنا :
1 ـ الكاتب الذي علَّمَهُ (هو الله)
2 ـ الكاتب لا يأبى الكتابة ( أمْرُ الله)
3 ـ الكاتب كاتبٌ بالعَدْلِ(فرْضُ الله)
    هكذا يجب أن تكون نظرتنا الصحيحة للقلم و الكاتب و الكتابة

فلننظر مرة أخرى لبدايات سورة القلم:
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * 
اذن؛ فالقلم وما ينتج عنه هو نعمة؛ و هو علمُ، و العلمُ نعمةٌ
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) هكذا جاء الأمر الإلهي في نهاية سورة الضحى؛

فكيف إذا جاء مَنْ يُخالفُ كلَّ ذلك؛ وقام بمصادَرة القلمَ ، و قصَفَهُ، و حجبَه، و ثم  أَلجمَه، و حبسه، و من ثمَّ في النهاية وَأَدَه؟!
الموضوع أكبر من مجرد تساؤل..
فلنعتبر كل ما كتبنا هنا هو محض "رأس موضوع"
عن حقيقة الحالِ و المآلِ للقلمِ و ما يسيطرونَ.. و مَن يسطرون.
***

 

2019-07-28