الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القرار اتُخِذْ واللجنة باشرت أعمالها ونحن بالانتظار....محمود كعوش

  تداولت وسائل إعلامية فلسطينية محدودة ما مفاده أن اللجنة الخاصة، المكلفة بتطبيق قرار القيادة الفلسطينية القاضي بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الصهيوني، باشرت أعمالها بوضع الآليات والإجراءات اللازمة في إطار استراتيجية وطنية للانفكاك الاقتصادي والسياسي والأمني التدريجي عنه، وتحديد السقوف الزمنية للنفاذ، وفق مصدر فلسطيني مسؤول. وتُناط باللجنة الخاصة التي ضمت أعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة "فتح"، والحكومة الفلسطينية، مهمة وضع آليات ملموسة بسقف زمني محدد للتحرر الفلسطيني من تلك الاتفاقيات التي جرى توقيعها تباعاً منذ مؤتمر مدريد للسلام "عام 1991"، واتفاق أوسلو "عام 1993"، وفق ذات المصدر. ويتضمن القرار الفلسطيني، عند تطبيقه، بحسب المصدر، "وقف التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، وتعليق الاعتراف بالكيان الصهيوني إلى حين اعترافه بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وإلغاء قرار ضمّ القدس المحتلة، ووقف الاستيطان". وأضاف المصدر الفلسطيني المسؤول أن الآليات تتضمن، أيضاً، التحرر من اتفاق باريس الاقتصادي، بما في ذلك تعزيز المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الصهيونية، "مما يدعم استقلال الاقتصاد الفلسطيني ويفك علاقة التبعية الاقتصادية الفلسطينية للاحتلال". وكانت القيادة الفلسطينية قد أقرت في 25 تموز/يوليو الجاري على لسان الرئيس محمود عباس، وقف كافة الاتفاقيات مع الجانب الصهيوني، وتشكيل لجنة لدراسة كيفية تطبيق القرار، وذلك بعد بضعة أيام من قيام سلطات الاحتلال بجريمة هدم عشرات الأبنية السكنية الفلسطينية في حي "وادي الحمص" ببلدة "صور باهر"، جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة.

صحيح أن "القيادة" الفلسطينية قررت وقف العمل بالاتفاقيات مع الكيان الصهيوني رداً على الانتهاكات الصارخة التي يواصل ممارستها ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته هنا وهناك في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس وأطرافها. وصحيح أن هذه القيادة أعلنت، وفق المصادر المشار إليها سابقاً، أن اللجنة الخاصة المكلفة بتطبيق القرار باشرت أعمالها لتطبيق قرار القيادة الفلسطينية في إطار استراتيجية وطنية، وفق ذات المصادر. وصحيح أيضاً أنه يسجل لللقيادة الفلسطينية وفي مقدمها الرئيس محمود عباس اتخاذ قرار مهم كهذا، حتى وإن جاء متأخراً. فأن يأتي مثل هذا القرار متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً، خاصة وأنه أتى في ظل ظروف دقيقة هي الأعقد والأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فالمؤامرات التي تستهدف هذا الشعب المجاهد تحاصره من كل حدب وصوب، ويتقاطع في هذه المؤامرات الأعداء مع الأصدقاء والإخوان، ويحرك الجميع "سيدهم" في واشنطن تحت يافطة "صفقة القرن" سيئة الذكر، التي تهدف وفق المعطيات المتوفرة حتى الآن إلى تصفية القضية الفلسطينية وطي صفحتها بصورة نهائية و"تسييد" الكيان الصهيوني عل الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، لا قدر الله. قرار القيادة الفلسطينية العتيد هذا الذي جاء على لسان الرئيس في التاريخ المشار إليه أعلاه يستدعي منا التوقف عند جملة من الأمور المهمة.

ومما لا شك فيه أن أهم الأمور التي تستوجب التوقف عندها هي، أن هذا القرار قضى بوقف العمل بجميع الاتفاقيات المعقودة في ما بين منظمة التحرير الفلسطيني والسلطة الفلسطينية من جهة أولى والكيان الصهيوني من جهة ثانية، لا إلغائها، مما يعني أن الإتفاقيات بكل ما نصت عليه ما تزال قائمة، وأن الاعتراف بالكيان ما زال قائما، وكل ما حصل هو أن الالتزام بتنفيذها سيتوقف "مؤقتاً، ولن يعود قائما في الوقت الراهن استجابة للمعطيات الحاضرة. وهذا يعني أيضاً أن قرار القيادة الفلسطينية قضى بوقف العمل بكل الاتفاقيات بدءاً بافاقية "أوسلو" اللعينة، مروراً باتفاقيات "طابا، وواي ريفر، والخليل، وبروتوكول باريس الاقتصادي"، وانتهاءً بكل الملاحق التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه الاتفاقيات. كما يعني كذلك أن القيادة الفلسطينية من خلال وقف العمل بالإتفاقيات مع الكيان الصهيوني لم تخرج نفسها من تلك الاتفاقيات لتصبح حرةً وفي حل منها بشكل نهائي، وأنها لم تزل تعترف بهذا الكيان اللقيط، مما يبقي الباب مفتوحا على مصراعيه أمام العودة إليها وتفعيل العمل بها في أي وقت، ربما وفق اشتراطات محددة من جانب واحد أو من الجانبين، وربما من دون أي اشتراطات. وإن كنا نرى أن الكيان الصهيوني ليس في وضع يجعله مضطراً لطرح اشتراطات لاستئناف العمل بالإتفاقيات، لأنه لم يكن الطرف الذي أوقف العمل بها، إلا أن من البديهي أن تتقدم القيادة الفلسطينة باشتراطات معينة للعودة عن قرارها في حال انتهاء الظروف التي استوجبت وقف العمل بتلك الاتفاقيات. ومن المؤكد أن تنحصر الاشتراطات الفلسطينية في حال حدوثها بقضايا أساسية مثل مصادرة الأراضي الفلسطينية، والتغول الاستيطاني، وعمليات هدم المباني وتشريد سكانها، والاعتداءات المتواصلة على مدينة القدس المحتلة وعلى ما يُسمى مناطق "ألف"، وتحسين ظروف الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية، والإفراج عن أموال المقاصة التي عادة ما تحتجزها تل أبيب للتضييق الاقتصادي على السلطة الفلسطينية.

وأخيراً وليس آخراً، فإننا وإن كنا نرجو أن يكون قرار القيادة الفلسطينية الذي قضى بوقف العمل بالاتفاقيات مع الكيان الصهيوني مقدمة لاتخاذ القرار الأهم والأبلغ الذي يقضي بإلغاء تلك الاتفاقيات بشكل نهائي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل اتفاقية "أوسلو" اللعينة، إلا أن التجارب السابقة مع القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، تتطلب منا التذكير بأنه سبق لهما أن حذرا أكثر من مرة من أن السلطة الفلسطينية لن تلتزم بالاتفاقيات إن أخلَّ الكيان الصهيوني بالتزامه. وبالرغم من أن الكيان لم يلتزم بهذه الاتفاقيات من ألفها إلى يائها، إلا أن القيادة الفلسطينية والرئيس أبقيا على حرصهما والتزامهما بشكل دائم. بل إنهما بالرغم من شكواهما الدائمة من عدم التزام الكيان المجرم بما عليه من واجبات وتعهدات وفق الاتفاقيات المعقودة معه، إلا أنهما لم يقوما بإجراءات تؤكد عدم التزامهما بهذه الاتفاقيات، وفي مقدمها "التنسيق الأمني"، الذي لطالما اشتكى منه الشعب الفلسطيني ونبذه وطالب بوقف وإلغائه. لهذا فإنه وبالرغم من أن المعلومات التي توفرت نقلاً عن "المصدر الفلسطيني المسؤول"، تؤشر إلى أن اللجنة الخاصة المكلفة بتطبيق قرار السلطة الفلسطينية وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الصهيوني باشرت أعمالها بوضع الآليات والإجراءات اللازمة في إطار استراتيجية وطنية للانفكاك الاقتصادي والسياسي والأمني التدريجي عنه، وتحديد السقوف الزمنية للنفاذ كما ذكرت في البداية، إلا أن الوضع الراهن يستدعي منا التروي في "أخذ قرار القيادة الفلسطينية على محمل الجد"، وعدم التسرع في الحكم على ما هو آتٍ في مقبل الأيام المنظورة. فقد اعتدنا على عدم وفاء القيادة الفلسطينية، ممثلة بسلطة رام الله ورئيسها، بوعودها وعدم تنفيذ تهديداتها، ولا أظن أن الوضع هذه المرة سيكون مختلفاً. لذا علينا أن ننتظر لنرى المفاعيل الحقيقية لهذا القرار وتطبيق اللجنة الخاصة له على أرض الواقع. وللحديث بقية إن اقتضت الضرورة ذلك......

محمود كعوش كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك

[email protected]

2019-07-30