الإثنين 28/12/1444 هـ الموافق 17/07/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحرب الشاملة...أحمد طه الغندور

 

  على الرغم من غياب مصطلح "الحرب الشاملة" من القاموس السياسي منذ إلقاء القنابل الذرية الأمريكية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانية، فقد كان هذا القصف بمثابة نهاية الحروب النووية الشاملة، حيث سارعت دول العالم بعدها إلى فرض قواعد القانون الإنساني الدولي التي تُحرم استخدام أي أسلحة بشكل عشوائي في الحرب.

ولكن يبدو أن "الحرب الشاملة" قد اتخذت أسلحة جديدة ليست على هيئة الأسلحة الذرية أو كافة الأسلحة غير المقبولة وفق القانون الإنساني الدولي، وإن كانت تحقق نفس الغاية المأساوية وهي القضاء على الجنس البشري أو التسبب له بآلام لا تحتمل أو يمكن معايشتها.

فإذا كانت "الحرب الشاملة" كما تُعرفها المراجع بأنها " استراتيجية يستخدم فيها أحد طرفي الحرب أو كلاهما أي وسيلة ضرورية ليفوز بالحرب، مهما كانت طبيعة هذه الوسيلة أو تلك الممارسات، حتى لو كانت منافية للأخلاق والقيم، كما أن هذه الحرب لا تعترف بوجود تمييز بين الجنود المقاتلين والمدنيين والهدف منها هو تدمير الخصم وموارده حتى لا يتمكن من مواصلة الحرب أو البقاء ".  

لذلك؛ حُق لنا أن نصف هذه المأساة التي يكابدها الشعب الفلسطيني بالحرب الشاملة.

بل قد يصدق القول إن “الحرب الشاملة" التي تشنها "الصهيونية" ممثلة في هذا "الكيان الغاصب" تعتبر أشبع مأساة يشهدها العالم المتحضر في القرن الحادي والعشرين، فهذه الحرب التي قاربت قرن من الزمن، ونالت الكثير الكثير من البشر والشجر والحجر في فلسطين، وحتى الاسم " فلسطين " ناله ما ناله في ذاكرة الحضارة البشرية، لذلك من الطبيعي وصف ما حدث ويحدث على هذه الأرض المباركة بالحرب الشاملة التي تجد أصولها في "الحروب الصليبية" التي دارت رحاها قديماً في ربوع هذا الوطن.

ولن أميل هنا إلى سرد عشرات المجازر والحروب التي ارتكبت في حق الفلسطينيين من قِبل العصابات الصهيونية أو "جيش الاحتلال" فيما بعد، ودون الخوض في جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو المخالفات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي أو القانون الجنائي الدولي.

إنما أود الحديث عن "الاعتداء على المصلين في الأقصى صبيحة عيد الأضحى المبارك"، ولو أردنا التحليل؛ لقلت: ـ

في صبيحة يوم من أقدس أيام المسلمين، وفي ثالث أقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض قاطبة، والتي هي بمثابة تراث وميراث فلسطيني خالص لا علاقة "للاحتلال، أو الصهاينة، أو اليهود، واليهودية" به بأي صلة كانت، وتحميه المعاهدات الدولية؛ متعددة وثنائية، وهنا أقصد " المسجد الأقصى المبارك ".

حيث تقتحم جحافل "المستوطنين" ـ مجرمي حرب بتعريف القانون ـ مع قوات الاحتلال مستخدمين القوة المفرطة "بالعدد والعدة" لمنع الفلسطينيين وخاصة " المقدسيين " من ممارسة حقهم في العبادة وأداء شعائرهم الخاصة التي أقرتها المواثيق الدولية، ومُوقعة بين صفوف المدنيين العُزل العديد من الإصابات والاعتقالات، وكل ذلك وفق تدبير سياسي مسبق من مسؤولين لدى الاحتلال.

هذا هو مفهوم "الحرب الشاملة" من الصهاينة والاحتلال ضد الفلسطينيين الأن، في الصلاة والمقدسات، في الحياة والاستقلال، في العدالة والقوانين، فما هي إلا "دولة اليهود" ـ كما يدّعون ـ ونفي للآخر، مستخدمين في ذلك كافة الموارد المتاحة لهم داخلياً وخارجياً بهدف القضاء على الفلسطينيين.

ومما يندى له الجبين، هذا النوع من الخدَر الذي أصاب بعض المتصهينين العرب، فأصبح لا يبالي بما يحدث في " الأقصى " أو لأهله.

لكن كل ذلك لا يفُت في النفس حين نرى أهل القدس خاصة وأهل فلسطين عامة يفدون الأقصى بصدورهم العارية، ولا شيء يمكن أن يُغير طبيعة هذه المعادلة مهما طال أمد الصراع، وحتى تستعيد الأمة عافيتها.

فقد صدق من بشر بهم وأشار إليهم قائلاً: " في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ".

فلله درهم رجالاً ونساءً وصبيانا.

 

 

2019-08-15