الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عالم إفتراضي..عالم حقيقي!! ... عبد الهادي شلا

 منذ تعرفت على عالم التقنيات الحديثة وأقصد الكمبيوتر وما حوى من برامج ومواقع التواصل الإجتماعي ،كنت على ثقة بأنني سوف أنتفع من هذا العالم الإفتراضي بما حوى من معلومات عالية القيمة ومساحات لكل أنواع البشر الذين أحسنت الظن بأنهم سوف يستخدمون ما أتيح لهم  في هذا العالم من معلومات بما يفيدهم ويعود على الآخرين بالنفع أيضا..

 

سنوات مضت وأنا أستفيد وأفيد بقدر ما أستطيع -أو أظن هذا -فيما أكتب أو أرسم أو أشارك الآخرين الذين تكونت بيني وبينهم صداقات عن بعد دون أن أراهم ولكن الثقة وحسن التعامل جعل من هذا الجسر التقني حبل تواصل دائم منذ سنوات كنت ومازلت أتبادل الأفكار مع هؤلاء الأصدقاء الذين بدأوا"إفتراضيين" في عالم"إفتراضي"،ولكن الحقيقة أن هذا العالم قد صنع صداقات حقيقية ظهرت معالمها في أكثر من موقف وفي أكثر من تبادل رأي كانت نتائجة إيجابية.

 

ما يدعوني إلى هذه المقدمة ،هو ما نشاهده ونسمعه ونقرأه أيضا من موضوعات وتفسيرات لمسائل معقدة جرى البحث فيها وتقديمها بأشكال متعددة دون وصول أصحاب الاختصاص فيها إلى نتيجة مقنعة للأغلبية،ولكن المُحزن أن هذا العالم الافتراضي قد منح الفرصة لكل من هب ودب ليقدم  ويتحدث عبر أشرطة مسجلة بالصورة وكتب في هذه المسائل المعقدة .

 

الملفت للنظر والمحزن أيضا أن كثيرين ممن يفعلون هذا هم في سن صغيرة لا تسمح قدراتهم ولا خلفياتهم العلمية بأن يكون لهم رأي، و لا تظهر علامات العبقرية المبكرة على ملامح أحدهم أو فيما يطرح..!!

ألا يكف هؤلاء عن هذا العبث في عالمنا الجميل؟!

 

ألا يكف هؤلاء الذين يفسدون نقاء الفضاء الأزرق ببث غيوهم السوداء يمنعون متعتنا بما في هذا العالم الذي عشقناه وبات يشكل جزءا من نشاطنا اليومي ويحمل لنا كل ما ننتظره من فوائد لا شك أنها كثيرة؟!

 

ألم يسأل أحدهم نفسه..لماذا هذا العبث وقضاء الوقت في تلفيق المعلومة وتركيب الصورة التي قد تثير اهتمام بعض السخفاء والمنحرفين ولكنها مكشوفة بزيفها وما تنطوي عليه من خدع أمام العقلاء الذين لا يعجزهم اكتشافها ،حتى ولو لم يكن هناك ما يحول بين أن تحتل مساحة في هذا الفضاء الأزرق لأنه متاح لا رقيب فيه إلا ضمير من يلجه وما يحرص على ان يكون ما فيه نجوم وأقمار متلألئة لا غيوم سوداء تحجب الرؤية وتفسد الذوق وتهدم القيم.

 

كثيرون برؤية ضيقة يريدون أن يقنعوا الأغلبية بأن عالم التقنيات المفتوح هو عالم "مُدمـِّرٌ" للقيم والتركيبة الجسدية للإنسان بما حوى من برامج ويصرون على أن يتم تحجيم واختصار الوقت الذي يقيضه البعض مع هذه التقنيات وبرامجها وبرغم أن بعض ما يدعون إليه ويحرضون عليه تحول الحياة العصرية و تمنعه أن تعود بعجلتها إلى ما قبلها ،فقد تم تجاوز تلك الأزمان التي يفرض فيها البعض رؤيته الضيقة على عالم يتسع لأكثر من تصوراته و ما يتمسك به من نظرة متخلفة يرفضها الجيل المقبل على المستقبل بطاقة كبيرة وأحلام وأمنيات لا يحدها حدود.

 

نتمنى أن يتفكر كل من يقف محاولا أن يحجب النور الذي يحمله هذا الفضاء الأزرق الإفتراضي بأن هذا العالم رغم تسميه "إفتراضي" فإنه قد قفز فوق هذه التسمية ليصبح عالم متشابك يكاد يحتل عالمنا الحقيقي...!!

2019-08-21