الجمعة 21/10/1444 هـ الموافق 12/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الانتخابات الاسرائيلية في ميزان القديم والجديد....تميم منصور

لكل معركة انتخابية في اسرائيل طابعها ولونها ، قديمها وجديدها ، وفي العديد من الحالات تطفو فوق سطح الأحداث وتبرز من داخل التنافس الحزبي المفاجئات التي لم يتوقعها أحد .

من هذه المفاجئات أحياناً وبعد اغلاق ملف الانتخابات تشكيل حكومة جديدة تكون استمراراً للحكومة القديمة – كما يتوقع نتنياهو الآن – أو تقلب الخارطة السياسية واقامة حكومة من أحزاب معادية سياسياً للأحزاب التي شكلت الحكومة القديمة .

الجديد في طابع هذه المعركة الانتخابية هو الحمى الهستيرية العنصرية التي يعيشها رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو ، أنه مصاب بحالة هلع وخوف من الفشل ، لا يتصور أنه لن يعود الى تشكيل حكومة جديدة عليها لمساته وبصماته وشعاراته ، لأن هذا بالنسبة له ليس فقط نهاية لحياته السياسية ، بل تدميراً وتحطيماً لكل النجاحات السياسية التي استطاع بناءها بكافة الطرق القانونية وغير القانونية .

هذه الانتخابات بالنسبة له تحمل صرخة هاملت شكسبير ( أكون أو لا أكون ) أي النتيجة موت أو حياة ، لأنه  يعرف ماذا فعل ويعرف ماذا ينتظره !! يعرف قبل غيره أن  بدلة السجن الرمادية التي انتظرت كتساف وهيرشزون ودرعي في يوم من الأيام تنتظره ، يعرف بأنه سوف يهوى داخل ظلمات التاريخ ، سيفقد بريقه ومصداقيته لأنه يعتبر نفسه الرجل الأول في تاريخ هذه الدولة الأسود .

من أجل ذلك هو يفعل كل شيء ، يتصرف كالحصان الجريح الجامح في ميدان السباق ، انه لا يتوانى عن التصريح والالتفاف خاصة وان غالبية ثقل السلطة في حضنه  والوزارات رهن اشارته وأهمها وزارة الدفاع ، أما وزارة المالية فالوزير مجرد العوبة بيده .

همه الوحيد الآن أن يثبت لمؤيديه ومعظم الطبقات الشعبية الاسرائيلية – خاصة الطبقات دون المتوسطة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً – أنه لن يتراجع عن سياسة الاستيطان وانه مستمر في سياسته العدوانية ضد ايران وسوريا وان الحصار المفروض على غزة سيبقى قائماً ، كما انه مستمر في وعوده بعدم قيام دولة فلسطينية وان سياسة تهويد القدس مستمرة .

هذا هو نهجه المعروف ، لكن في الأيام الأخيرة عندما شعر بأن الاستطلاعات غير مطمئنه وليست لصالحه ضاعف من وتيرة عدوانه على مواقع في دول محور المقاومة ، بالإضافة الى العدوان الشبه يومي على قطاع غزة وسوريا ،وقد  طالت يد العدوان أيضاً الأراضي العراقية والضاحية الجنوبية في بيروت .

بهذا العدوان المتفرع الى كل الجهات ، يتاجر نتنياهو  بدماء ضحايا عدوانه من العرب ، وفي نفس الوقت هو يقامر بدماء الضحايا اليهود الذين يقتلون كل اسبوع تقريباً في أراضي السلطة بسبب استمرار الاحتلال ، ويقامر بدماء كل مواطني الدولة لأن ردود الفعل من الدول التي يتم الاعتداء عليها لا بد أنها قادمة ، كما عودتنا المقاومة اللبنانية في السنوات الماضية .

 لذلك نتنياهو وزمرته  من رؤوس اليمين الفاشي سيقودون البلاد الى داخل نفق مظلم لا أحد يعرف أين نهايته . الجديد في هذه الانتخابات وهناك من اعتبرها تحولاً دراماتيكياً في حياة عرب الداخل الفلسطيني ، ليس فقط زيادة عدد الأحزاب العربية ، مع أن ساحتنا متخمة بكثرة الاحزاب ، انما ما اعلن عنه النائب ايمن عودة رئيس القائمة المشتركة لصحيفة " يديعوت احرنوت " نعرف بأن هذه الصحيفة تمتاز بكسب ما يعرف بالسبق الصحفي لأسباب عديدة ، وهي حقيقية  فازت بهذا السبق الصحفي من النائب أيمن عودة ، عندما أجاب على سؤال الصحفي  أهرون برنيع بالفم المليان ودون تردد برأيه الذي كشف عن حكمة وحنكة وعقلانية ، لقد هز تصريحه المجتمع الاسرائيلي و اربك الأحزاب اليهودية وأيضاً اربك نتنياهو والذين يهللون ويطبلون له .

الحكمة في هذا التصريح هو أنه ضرب اليمين السياسي الذي يقوده غنيتس باليمين الفاشي الذي يقوده نتنياهو ، ومن وجهة نظري بأننا وصلنا الى وضع في اسرائيل يؤكد أن اليمين الوسط مع اليسار هي القوة الوحيدة القادرة على كسر شوكة اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو ومن حوله .

اذا صعدنا في قطار اليمين الوسط مع اليسار نستطيع ان نشارك في توجيه القاطرة ، وقادرون على ابعادها عن سياسة الصلف والتنكر للسلام ، نستطيع ان نكون عامل قوة وضاغط لنيل حقوقنا واسقاط كل القوانين التي ابتدعها نتنياهو ضد المواطنين العرب .

ان ما طالب به النائب ايمن عودة  لا يعتبر تراجعاً ونزولاً عن سلالم ومقاييس الوطنية ، لا يوجد أي شيء نخشاه ان صعدنا في هذا القطار ، والعكس هو الصحيح ، فانه يزيد من قوتنا ويعتبر صفعة في وجه اليمين الفاشي الذي يصر على اعتبارنا ارهابيين .

هذا هو الخيار الأفضل لكافة الجماهير العربية التي تنتظر في كل معركة انتخابية التغيير ولم ولن نرى هذا التغيير السياسي الذي  يمنحنا حقوقنا ، إلا اذا فرضنا نحن هذا التغيير .

اذا استجاب الائتلاف الذي اشار اليه النائب ايمن عودة لمعظم مطالبه ، فان الخارطة السياسية في اسرائيل سوف تتغير ، وسوف يصبح اليمين هامشياً لا قيمة له ، يدور حول نفسه ، لأن روح هذا اليمين أصبحت قوية بفضل الخطوات التعجيزية والعنصرية التي اقدم عليها ضد المواطنين العرب ، من مصادرة للأراضي وهدم البيوت ورفض الاعتراف بالقرى غير المعترف بها ، وقانون القومية العنصري ، وتحريف مناهج التدريس لتعميق الاسرلة بين المواطنين العرب ورفضه السماح باقامة جامعة للمواطنين العرب ووقف كل الملاحقات والترهيب ضد القوى الرافضة لسياسة اسرائيل .

هذا هو الوقود والزيت الذي يشحن قوى اليمين في اسرائيل ، بالإضافة الى امور كثيرة سياسية وغير سياسية ، نقول لكل الأخوة الذين رفضوا تصريح ايمن عودة ، نسأل ما هو البديل ؟ الأمر يتطلب طرح امور موضوعية ومنطقية بدلاً من التهجم والتعنيف والتخوين ، نعم لا ننكر دور وأهمية المعارضة ، لكن يبقى الأخذ بعجلة التأثير أفضل من المعارضة المحاصرة .

اقول لزملائي السابقين في حزب التجمع الذين رفضوا وعارضوا طرح النائب أيمن عودة ، لا مانع من المعارضة والنقاش لكن أذكركم بدعمنا الكامل لعزمي بشارة عندما رشح نفسه لرئاسة الحكومة ، وعندما عارض هذا الترشيح البعض ، كان الجواب بأن الهدف من الترشح هو خلق عامل ضاغط على ايهود براك ، وان عزمي بشارة سوف ينسحب في الدقيقة الأخيرة ، مقابل شروط تخدم المواطنين العرب ، لكن أحداً حتى الآن لم يعرف ما هي المكاسب التي حصل عليها عزمي بشارة مقابل انسحابه . لأنه اتضح أنه أراد تلميع نفسه أكثر من خدمته للجماهير العربية .

2019-08-27