الإسلاموفوبيا، ماذا تعني ؟ هل هناك مناخ معادي للإسلام في فرنسا ؟ تنظيم مسيرة ضد الإسلاموفوبيا، هل كان أمرا ضروري ؟ مقابلة مع كمال ازنيدر، كاتب مغربي متخصص في القضايا الإسلامية، مؤلف كتاب "الإسلام : أجمل ديانة في العالم" (2014) و"الإسلام السياسي، الإرهاب والسلطوية... صلة حقيقية أم وهمية" (2017).
الإسلاموفوبيا، ما الذي تعنيه بالنسبة لكم ؟
أولا، وقبل كل شيء، يجب أن نميز بين الإسلاموفوبيا التخوفية والإسلاموفوبيا العدائية. الأولى تنبني على الخوف من الإسلام والمسلمين. هي تستمد أصلها بالأساس من اختلاط الرؤى وسوء فهم الدين الإسلامي.
ضحاياها يرون في الإسلام خطر لا يهدد مجتمعهم فحسب بل الكرة الأرضية بأكملها. ولمواجهة هذا التهديد، لحماية أنفسهم من الخطر الإسلامي، هم يقومون بردود فعل وأفعال معادية للإسلام تختلف من شخص لآخر حسبا لدرجة الخوف من الإسلام التي تحركه وتتحكم فيه من الداخل.
الإسلاموفوبيا التخوفية هذه التي تغذي سلوكيات هؤلاء الناس، يمكننا هزمها ومعالجتها. من خلال الحوار والتواصل الجيد، يمكننا إشفاء ضحاياها وتحريرهم من هذه التخوفات من الإسلام والمسلمين التي تزعجهم وتهيج دواخلهم. بفضل النقاش الجيد، ينبثق النور دائما في نهاية المطاف. من خلال تسليح أنفسنا بالصبر في المناقشة - أو في الدعوة للإسلام - وكذا الحكمة، هؤلاء الأشخاص سيفهمون في النهاية أن الإسلام ليس ظلاميا ولا إرهابيا كما يتخيلون.
أما الإسلاموفوبيا العدائية، فمحركاتها العنصرية والنزعة التوسعية والإمبريالية الثقافية. فاعلوها عنصريون حتى النخاع، معادون للعرب، يكرهون كل ما يرمز لهم للثقافة العربية. ومن بين هذه الرموز، يمكننا ذكر الحجاب والقرآن الكريم والإسلام بشكل مختصر.
هؤلاء الأشخاص ليس لديهم أدنى احترام لحرية المسلمين وحقوقهم، وهم على استعداد لفعل أي شيء لفرض ثقافتهم وقيمهم على المجتمع الإسلامي، وبما في ذلك استخدام العنف. هم يشعرون بإحساس شديد من الكراهية مرفوق بالرغبة في تدمير كل ما هو "إسلامي"، ومستعدون لأي شيء - عن حق أي شيء - لرؤيته وهو يختفي.
معاداتهم للإسلام هي مرض نفسي، دافع رهيب غير قابل للسيطرة، جنوني، مدمر وقاتل يدفعهم لارتكاب أي شيء لمحو مظاهر الإسلام وآثاره، وتعذيب أو قتل أولئك الذين يتشبثون بلا هوادة بتعاليم الديانة الإسلامية. والأسوء من هذا، خطرها لا يهدد أمن المسلمين وحرية تعبدهم فحسب، بل أيضا يهدد أمن وحرية تعبير الغير مسلمين الذين يدافعون عن الإسلام وحرية وحقوق المجتمع المسلم.
هؤلاء الإسلاموفوبيون، لا أرى وصفة سحرية لعلاجهم من كراهيتهم للإسلام. أعتقد أنه مهما فعلنا، سوف يظلون معادون مدى الحياة للديانة الإسلامية. سيستغلون على الدوام وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرتهم لتشويه صورة الإسلام والمسلمين. سيدعمون دوما الدكتاتوريين والحكام العرب الذين سوف يدمرون بسياساتهم حياة مواطني العالم العربي والإسلامي ويتسببون في بقاء بلدانهم في التخلف والأزمات على جميع الجبهات. وإذا أتيحت لهم الفرصة، فلن يترددوا لثانية واحدة في المساهمة في تشكيل وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية التي لا تحمل من الإسلام سوى الإسم أو حتى ارتكاب هجمات إرهابية ونسبها للمسلمين ليقولوا للعالم : "هذه هي حقيقة الإسلام وهذا هو الوجه الحقيقي للمسلمين".
هل يوجد هناك مناخ إسلاموفوبي في فرنسا ؟
نعم، هذا أمر ملموس وملحوظ بشكل واضح للغاية. مسلمون يعتدى عليهم بسبب انتمائهم للإسلام وخاصة نساء مسلمات يتم تعنيفهن بسبب ارتداء الحجاب، هذه حالات متواجدة بكثرة بفرنسا. نفس الشيء بالنسبة لعدد المساجد التي كانت هدفا للإرهاب الإسلاموفوبي.
أضف إلى هذه الأفعال الكبرى، أفعال إسلاموفوبية أخرى صغيرة الحجم مثل العلامات المعادية للإسلام، الصليب المعقوف، الإهانات العنصرية، رسائل الكراهية والتهديد التي نجدها من وقت لآخر على واجهات دور العبادة والمنشئات الخاصة بالمسلمين الفرنسيين. وكذلك الظلم وسوء المعاملة اللذين يتعرض لهما المسلمون الفرنسيون بشكل يومي في إطار حياتهم المهنية بداخل الإدارة الفرنسية، والتي يكون مصدرها هؤلاء المسؤولين الإسلاموفوبيين الذين يستغلون سلطتهم لإزعاج الموظفين الفرنسيين المسلمين وتدمير مسارهم ومستقبلهم المهني.
مع كل هذه الحالات، تعددها واستمراريتها في الوقت، القول "في فرنسا، كل شيء جميل، لا يوجد مناخ معادي للإسلام" هو في حقيقة الأمر خزعبلة من الخزعبلات !
تنظيم مسيرة ضد الإسلاموفوبيا، هل كان أمرا ضروري ؟
من يقول مسيرة، يقول حرية التعبير. وأنا لا أتدخل في حرية تعبير الآخرين. إذا كان البعض من المسلمين يريدون المشي ضد الإسلاموفوبيا، فهذا حقهم. وإذا كان هناك غير مسلمين يرغبون في الانضمام إليهم في هذه المسيرة، فهذا أيضا حقهم... وأمر يعنيهم وحدهم فقط ولا أحد غيرهم.
إذا جاز لي أن أقول شيئا، فهو أنه لا ينبغي أن يصبح النضال ضد الإسلاموفوبيا مناورة لمنع نقد الإسلام وحرمان الغير مسلمين - سواء كانوا إسلاموفوبيين أم لا - من حقوقهم وحريتهم في التعبير. هذا النضال يجب أن يكون عادلا وأن يركز على تجاوزات النظام الفرنسي : هذه القوانين المناهضة للحجاب والتوجهات العلمانية المتطرفة التي تسعى إلى حصر مظاهر الانتماء الديني للمسلمين الفرنسيين في المجال الخاص، ومنعها من البروز في الفضاءات العامة.
هذه القوانين والاتجاهات هي ليست بديمقراطية ولا علمانية. "ليست ديمقراطية" لأنها تنتهك المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ما يلي : "لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".
و"ليست علمانية" لأن العلمانية تعني فصل السلطات السياسية والإدارية للدولة عن السلطة الدينية للكنيسة أو غيرها من المؤسسات الدينية. هي تقتضي تعليم عمومي غير مؤثر عليه من قبل التوجهات الدينية، هدفه تزويد التلاميذ بتعليم محايد يمكنهم من فهم الأمور والتمييز بينها وفقا لقناعاتهم الخاصة.
في هذا النظام، الدولة لا تتدخل في الدين وحرية المواطن، والدين هو الآخر وكذا النزعات المعادية للديانات هم بدورهم لا يتدخلون في عمل الدولة. المتدينين والغير متدينين يمكن لهم التدريس أو متابعة دراستهم بكل حرية. هم لديهم الحق في ارتداء ما يشاؤون وليس لأحد الحق في إكراههم على لبس ثياب معينة أو اتباع طريقة لباس محددة تتعارض مع إرادتهم وقناعاتهم الشخصية.