الظل البعيد أو سطوة صبايا الاسرة العميقة
" أعطني الناي وغني فالغناء سر الوجود"
جبران خليل جبران " “
-1-
تحولات ..
لم تصدق عندما قالوا لها بان طبيعة التحولات الحياتية الفجائية , وأيقاع العصر المتسارع والذى تتثم بة مناخات ودينامكية خرطوم التسعينيات المزهلة , والتي لا تنام الا خلسه قد أحاطت بة وبزميلتة بنفس القسم والكلية , ذات الجمال الغلاب والمبهر" بنت الريلة" وكأحاطت السوار للمعصم , ولا أمل لرجوعة أو عودتة اليها
خجلا ..أو نادما وعلى ما أرهقة حقيقة من ماء وجه , ولكنها ورغما عن كل ذلك تقول دائما بان ثقتها فية وبعهودة لم تتزحزح أبداً , ولم تنزعج بقدر ما يزعجها ذاك
الصبر الذي تصطحبة معها , متي ما مارست فعل الكتابة الية كعادتها بعد ذلك , ولا أمل أورد منة يلوح أو يشفي غليلها , وقدرها في كل ذلك وما زال
أن تظل هكذا تنتظره , تصتلئ حقيقة بنار التقاليد والقيود التي نمت وترعرعت
داخلها كمسلمات , الازعان اليها شىء مفروغ منة تماما ، فعلى طول النيل والقرى المقروزة بحنوء على ضفتية , يقولون كابر عن كابر:
ـ " فلان لبنت عمو .. وفلانة لود عمها .. طال الزمن أم قصر " ، أما هي وعلى أعتاب الجامعة فخوفها علية أشد مما يتصوره هو نفسة ، حتى أنة لم يعد محصور فقط على معرفة أدق تفاصيل تطلعاتة ومشاريعة المستقبلية , وأنما يمتد لمعرفة جزئيات طموحة ونزوعه كالكثيرين ممن سبقوة , بالنزوح والاستقرار بالمدن العاصمية وعوالمها الغلابة والأوسع والأرحب , من شريط النيل ونخيلة الزاهي والذي أضحى صراحة يضيق بنا جميعا , وبتطلعاتنا وأحلامنا المحلقة فى عنان السماء والتى أصبحت حقيقة لأتحدها حدود أو تحوشها قيود , رغم الرخاء والأمان وكامل الانتماء الذي يوفرة لنا هذا الشريط مع صغرة وتواضعة الجم , حتى أن أختها " عايدة " والتى كانت تكبرها بعقود من الزمان , وبواقعيتها المسئولة وبعد فشل زيجتها الاولى , كانت تثنيها دائما عن الابحار داخلة هكذا وبثقة مفرطة , ونصيحتها الجازمة لها بالطبع فى كل ذلك بأن البعيد عن العين فعلاً ودائما , قد يكون بالتاكيد بعيد عن القلب , فالزمان نفسة لم يعد كما كان ذاك الزمان الماضي الاول الجميل , وحتى الوعود نفسها لم تعد حقيقة تلك الوعود المقدسة والتي لا تمس ، وأن كل شيء منطقياً عرضة للمراجعة والتبديل والتغير ، غير أن ثقتها فية لا تكاد تتزحزح قيد أنمله وبوعودة الاولى الجازمة القاطعة ، وأن ما يتقولة الاصحاب وما يصل لمسامعها ما هي الا ترهات قول ..، ومكايدات حساد .. ولكنها لم تكن لتتخيل أوتتصور ما أحدثتة صراحة وفعليا " بت الريلة " نزوتة الجديدة , تلك الفتاة العاصمية الفائقة الحسن والجمال من شرخ وتغيرات وتبدلات فعلية عميقة , ومروعة داخلة بل ومست حقيقة كل أحاسيسة ومشاعره وعواطفه الجياشة تجاه كل مفاهيمة وقيمة الثابتة الاولى ، فحكاوي القادمين زاخرة الان بالكثير والمثير من التبدلات وبتلك النقلة النوعية الفريدة والتي حدثت لة فجاة وفي كل شىء تقريبا , حتى في علاقاتة والتزاماتة وتعاملة نحو القادمين من ربوع الشمال الحبيب , وبالتالي أنشغالة البين عنهم كليا , وعن تقضيت أمورهم وشئونهم وحوائجهم الخاصة والهامة , وتهربة الواضح منهم باعزار جديدة وأهيه تماما , وعلى غير ما عرف بة في سابق العهد والأوان ..
, من أحاطتهم وأخبار الاهل والبلد بالاهتمام الفائق والذى يعجز المرء حقيقة عن وصفة ومد حتى يد العون والمساعدة لهم رغم ضيق ذات اليد , وأظهار عظيم ترحابة وفخرة بهم وفاءا وتقديراً وعرفانا للكل وبلا من ولا أزى ، ولكن ها هي الان المدن العاصمية الثلاث المبهرة تأثرة للنخاع , وفتياتها المغرورات بحضورهم وعزهم وجمالهم الخلاب أمثال " هيام " المعروفة ترميزاً بينهم , ولكل صحابة وأبناء دفعتة بـ " بت الريلة " .
أما هي البعيدة فلا حول لها ولا قوة وهي أثيرت القرية وأعرافها , ولكنها بجسارة لا تعرف التردد لم تترك مجالاً وأحدا لليأس حتى ولا القنوط , ليتسلل الى روحها المشرئبة وحبها وأخلاصها لة ، بل كانت وبأضعف الإيمان تكتب لة باستمرار وبشجاعة مقتحمة عسى ولعل ، وها هي في أخرويات رسائلها وبعد أن فاض الكيل تكتب لة وبعمق الانتباة تواسيه , وبذات المنطق تصفح له زلته ونزوته وربما تترك لة بطيبتها , باب التوبة والصفح مفتوحاً على مصرعية , ولتكتب قائله وبعمق الانتباءة :
أعرف داخلك الان .. "
حيث تغفوء مدن ...وتصحو أخرى ..
"منزر" .. أعرف داخلك الان ..بالحق أعرف الان قوة الريح ..
وكيف تزروني كالهباء في عينيك ... ..
" ولكن عهداً يا " منزر "... قطعته البارحة مع نفسي سأنتظرك حتى تفلت .. اااا.
: بل كان حقيقة وعندما يخلو بنفسة يتساءل وما زال
ـ " عجبي لها وهي تنتظرني وكل هذه السنوات , ثم حتى أفلت من ماذا ؟اا
من غربة تتلبسني لأخمص أرجلي الان ؟.. ، أم غربة قرانا الطاردة ..؟ والتي عادت مجرد جزر مهجورة , وبعد النزوح الجماعي الاخير ولتطويق المدن الكبرى ، أم أفلت من الأماني والتطلعات للجنان الموعودة والتي ما زالت تغازل الكثيرين ، أم فى أخرى أفلت من ماذا وعلى أيه ...؟اا, حتى أن حفل تخرجي أنا وهي .. , أضحى الان قاب قوسين .. أوأدني .. من هذا كلة .
-2-
أنتظار ..
فجأة ومع الانتظار الطويل بعد ذلك والممل , ولا شىء يحرك حقيقة الاحداث, تلوح لى فرصة الابتعاث للخارج على عجل , وبغير ما كنت أتوقع أو آمل تتعقد أموري كلها رأسا على عقب , وحتى مع تلك الآخري نفسها ويحل علينا فى الغربة زميلي اللدود وبلدياتنا " ود المبارك ", ولأهدي من روعة وثائرتة هو الآخر القادم من وأشنطون دي سي , لعاصمة الضباب لندن مربط فرس كل السودانيين تقريبا تلك الايام أو السنين الزواهر , لا لشىء بالطبع سواء قضاء بضعة أيام فى ضيافتي كما يدعي وفى الحقيقة ما جاء الا مناصحا ومفوضا بالكامل منها , وهو ينصت لى بأنتباءة وتركيز هذة المرة وأنا أقول لة وهو مزهول :
ـ أنت بالطبع تذكرها يا " ود المبارك " وأكثر من ذلك .. , وذاك الزمان الأخضر الجميل الذى كان يجمعنا سويا فى مرح وحبور وسرور عظيمين أيام الجامعة , أنها " هيام " وطموحها الكبير الضخم والذى كان يقاس وربما بسعة الكون كله , حتى أن كل الزملاء بالكلية وقفوا مشدوهين ومتندرين فعليا , لان تكاليف وموازنة مشروع تخرجها الضخم يرهق حقيقة أمكانيات الكلية نفسها , ومال دعم الطلاب ولعدة سنين وأعوام قادمات , مما أدهش كل الأساتذة المشرفين والزملاء والذين هبوا لنجدتها وأنت أولهم وقدموا لها وبحق الزمالة , ولتطلعها الذائد عن الحد يد العون والمساعدة خلسة لتكملة التشطيبات واللمسات النهائية , لرسومات مشروع تخرجها الضخم الاسطورى وفى سباق محموم مع الزمن بل وأنت يومها يا " ود
المبارك " تعرفها وحق المعرفة أنها بصراحة تلك المحسود بها دائما , ومنك أنت شخصيا ومن أولئك الشرزمة من البرلوم الرعاع , والذين يستكثرون ويا لسذاجتهم وخبثهم على مجرد مجاورتها والتحدث اليها , وهى الم تكن من تقاسمني فى سماحة دونكم كلكم المرسم والنظرات , وشعرها الأشقر المقصوص المتهدل بأناقة على كتفيها , ثم ثانيا أنت الآخر تعرف ولهي بعد ذلك بالرسم المعماري وعشقي لة أين ما كان ، وخطاي وكما تعلمون وفى كل ذلك لا تكاد تتخطى بالكاد السكن بداخلية "بحر الغزال " والمرسم وقاعة المعمار, بينما ساحات الجامعة والمين والنشاط وصحفة الحائطية , مليئة بشىء من قبيل القصد والتلاقي , وزاعقة عن آخرها بالشعر المقفى الحديث .. والحر, وفى آحائيين كثيرة بالحلمنتيش والذى كنت أنا .. و" ود بادى " فرسانة الاشاوس .. والأوائل والذين لا نزاحم فية ..
, أما جماعات من نوع الجو الرطب وغيرة وحتي ذاك ..
الزخم الداؤوى المسيطر , والذى ينهمرعلينا دائما وأبدا من تفلتات ناس أولى جنرال من قبيل :
ـ يا سيدة لا .. وأيش ما عارف .. ولا علوم ولا صيدلة وغيرة .. وغيرة " ,من الكثير والمدهش حقا..
ثم كيف كانت تمر وكلمح البصر ليالي الاستقبال والوداع بالمزيد والموجع , وأنا بسذاجة القروي المطبوع أتحاشى كما تعلمون , صدفة معها تجمعنا بالخارج
وتقودنا الى لقاءات ومواعيد مقصودة ومفتوحة لذاتها بمنتديات ونوادي الخرطوم الليلية الحالمة والبعيدة المنال والشأن , وهي الى كل ذلك تنشد وتعرفني وأن الملتزم للنخاع والقدوة , وتقدمني على أستيحاء لصديقاتها وجاراتها كفارسها المغوار والقادم الجديد بقوة , والذى لا يشق له غبار ثم هدايأها التى كانت تهوى على وأنا أرفضها وأنتم تستعجبون , ومن حيث لا أدرى من قمصان الحرير والكتان المخططة والكرفتات , ثم أتذكرون وعندما تفشل معى فشلا زريعا في ترويضي وعلى هذة الشاكلة , وأنتم وهمسكم في صفها لتثور ثائرتها برعونة على تحفظي وخجلي المزري , وتزعق أمامكم :
ـ ثم مش متخلف وأحده .. بل وبالبنط العريض ويا الف متخلف ؟؟اا , ثم كمان يا الفين .. الفين وحتى دشليون متخلف كمان ؟؟؟ااا.. , ثم تلتفت نحوكم كلكم وتقول:
ـ وكمان أنتوا يا أخوني أنصحوه ..وقالوا فى المثل أصل العاقل يميز .. ..فى شاب ياناس فى الجامعة وأيام التخريج والاحتفالات والقيافات دى كلها .. عندة قميص وأحد وباهت وتتذكرة .. مامى بالخير ..اا, ويجيبوا لية قمصان مخصوصة .. وما من شارع الجمهورية .. بل وهدية من لندن تاون عاصمة الموضة والشياكة نفسها ويرفضها ؟؟.. يا جماعة الخير الودا كلموا .. أنا تعبت معاهوا خالص ..؟؟اا" ,ولتواصل بضجرها المسموع :
ـ أنا خلاص يا أخوانا الود دا بعميالوا دى .. وقوة راسة واللة عايز يعمل لى غدة فى حلقى عديل كدا ويقفلوا .. وأموت بسببه ... ؟اا " , أتذكر حتى تهكمكم على شخصي وهمسكم لي :
ـ البت دي .. بتحبك... البت دي نعمة... , البنت دى في يدها مفاتيح المستقبل .. وكل شيء .. , أها ما نوصيك أمسك فيها قوى " .. .. .
ثم تأتى وبعد ذلك مباشرة قسوتها وتمزيقها لمعاني " بنونة " الشامخة دائما داخلي ، بل أحاول وفي آحايين كثيرة أن أجاريها أو أسترضيها وبكل السبل , لتعود المياه بيننا أكثر قوة واندفاع لتفاجئني وفي لحظة صفاء نادرة بهمسها الذي يلغيني .. ويلغي حتى تواجدي المادي ويذوبني:
.. صدقني أكرة عيونهم كلهم ... الا عينيك ؟ا ـ
, ثم تتساءلون كلكم ذاك اليوم وما زلتم يا " ود المبارك " وبخبث وأستخفاف
؟؟اا ," بالله عليك ماذا رأت " بت الريلة " في عينيك يا " ود نوري "..
يومها فقط أندهشت وأنعقد لساني تماما وهي تمضى غير مكترثة لتحملني بسيارتها الفارهة , لشاطئ غابة السنط والشجرة المجاور لداخلية حسيب البعيدة بعض الشىء ، تستعيد أمامي بكل فرحة وأنتشاء وفى برهة زمن لحظات طفولتها ومرحها البرئ ، ترشقني بشقاوتها المطبوعة فجاءة وبحبيبات الرمل والحصى ، أثور من أعماقي لحماقاتها الغير مبررة ، أقول لها منتهراً وبشدة:
ـ " هيام " حقيقي أذا لم تتركي هذا العبث , .. سأذهب..اا "..
: تنتفض في حدة لا أتصورها كالملسوعة , لتهمس لي
, ـ تذهب .. ثم تذهب الى أين ؟
لتستدرك هفوتها ولتستعطفني :
ـ ثم أذا ذهبت أنت.. من غيرك يستزرع صحراء نفسي غبطة وسرور ؟اا,هكذا كانت تحاول ترويضي وبشتى الطرق ولامحو أى أثر كان لـ " بنونة " المستأصلة داخلي ، ورغما عن كل ذلك كنت أذكرها دائما وهي تودعني تلك الظهيرة القائظة , ملتاعة لفراقي لها .. , وقريتنا كانت هى الاخرى أبنية ومحطة تودعني .. تطوقني وهي تقول لي :
ـ " لا اله الا الله.. " ,.. تودعني وأنا أردد معها ..
ـ " محمد رسول الله " ..
أما وصايا عمي وصرامتة ما زالت تتجسد وتزعق داخلي محذرة
ـ أياك .. ثم أياك .. فنحن يا ولدي ... وأهواء المدينة وتيارها الجارفة ضدان..اا".
, ورغم تعاقب السنين والإحداث ، فقد كانت " بنونة " تؤمن بأنني سأعود يوما
ومهما طال الزمن وتطاول شأني هناك , أما عمي الوجية ..ما
, ود سالم " الكبير فقد أدرك بحسه الفطري بأنني وبعد وفاة والدتي هي الاخرى"
بعد والدي مباشرة لم يعد لي ما يربطني حقيقة لان أعود مرة أخرى للقرية , والا بعد عمرا طويل كما أن المدينة هناك وبريقها الأخاذ ومشاكلها التي لا تعد ولا
نحصي قد جرفتني بلا أدنى شك فى أتونها العميق ، بل كان يرد على كل من يسال عني في القرية متهكماً :
ـ ود أخوي " عبد الدائم " الله يرحموا .. كنا بنربي فية وهو بيربي في عمايلوا .. يقولون أصبح الان مهندس تخطيط مدن قدر الدنيا .. ومحاضر كبير بالجامعات ..ـ
ولكنة وحياتكم ما شنو؟اا , ما أتنكر لينا عديل .. وبقي زي الدليب .. يرمي بضلوا بعيد .. بعيد خلاص .., ليتهكم :
ـ شوفوا بالله الولدا المتل دي ؟اا,والله فعلا دي الولدا الخاسرة .. , أم بيعتا كاسره ..؟؟ ااا .
????-3-
أنزواء ..
أما تلك المقروزة في شعاب ذاكرتي المجهدة , فكانت بالطبع أربعاء جافة .. لا لون لها .. ولا طعم ، أطلت علينا فجاة ومنتدى الجندول الحالم بشط " الموردة " البديع , والذي شهد البدايات الاولى للقاءاتنا البريئة , ها هو مسرحة المستكين الخالي الوفاض عن آخره ، أمام أعيننا يضع أكلاشيهات أو سيناريوهات تلك النهايات المتسارعة والتي بدأت تفلت من أيدينا ، ربما كان الصباح شاتي ومغبر اللون والغمام , وربما لليوم السابع على التوالي , وربما رؤياها هي الاخرى أضحت معتمة تماماً ..
, والضباب يطول كل الأفئدة والهامات ويرتسم شبح حضوره بفظائعه المهولة هناك على روابي شط " توتي "الدرة الخضراء الغالية و المقابلة لنا تماما ، أتساءل داخلي :
.. ـ أين بالله شمسنا الحائرة منذ مدة .؟ا " , أود لو أصرخ بأسف وهذا الغموض الذي يكتنفني بلا مقدمات:
ـ أين حتى حقائقك أنت بالذات ... وكل هذا الانزواء .. !؟ "..
ثم أحاول بل أود حقيقة لو أعتصر الفرحة والدهشة , لأفاجئها قبل أن تتفوه بكلمة وأحدة , بموافقة مجلس الأساتذة بتعيني معيد بالكلية دونهم كلهم ، أحاول أن أتحرر كلياً من هذا الجفاء الذي يحدث بلا مبرر معقول.. , أعصف بحرقة داخلي كالموج الصاخب ، أقول لها :
ـ حقيقي أعرف لما خلط الأوراق الان ... , وربما عودتة من الخليج التي
أصبحت وكما يقولون محتملة جداً أوقاب قوسين أو أدني , صوتها بالطبع يحاول أن يعبث بتواجدي المادى .. بضيق مفتعل ، تهمس بشىء غريب وأشبة بالحشرجة :
ـ " منزر " .. أرجوك .. قلها لى .. لن نلتقى مرة أخرى .. بعد اليوم ؟اا" , تفأجانى برجاءاتها المتزلفه وبصفاقة :
ـ "منزر " أرجوك .. ثم أرجوك قلها .. وعد..؟؟ اا", يستفزني همسها حتى النخاع والذي لم تسمعني بنشازة أبدا , وفي أي يوم سابق أو ماضى .. ، وها هي تفاجئني بحرص وتود لو تنتزع مني عنوة شيء لا أملكة أوليس بيدي , أبحث عنها أمامي فلا أجدها بل أبحث فيها وعبرها , على شبح أمراة أخرى لم التقيها أبدا فى حياتي ، أهمس بداخلي وما زلت :
ـ ثم قولي لى .. لما كل هذا يحدث أصلا ..والان فقط .. ..؟اا..
ـ وثانيا .. لما ذلك كله ..؟اا , حتي الذي توجست منة حدث الان بحزافيرة , ولدرجة أن كل ما بيننا أضحى الان ومنذ وصولة معلن تماما , حتى هذا اللقاء الركيك العبثي حدده بالطبع لك ربما هو شخصيا , ولتنهي ما كان بيننا ولتأتي الية بعدها مبره وخالية من أي علاقة سابقة مشبوهة أو أى دنث مزعوم .. ..
حتى أن ثقتها بنفسها لم تكلفها مجرد الاهتمام ورفع هاتفها والاتصال بشخصي الضعيف , ولتكلف باستهتار تحسد علية وهي غير عابئة أحداهن بالملعب الشرقي , لتخطرني بذلك أصالة عنها وباستخفاف مزري , وما جاءت الان الا .. ولتطلب منى وفي ثقة مفرطة , كلمة وعد واحدة.. لتطيب خاطرة هو .. ولأزعق داخلي :
ـ ثم .. وأنا ...والذي سوف أفقدك وسأفقد فرحي بك , من يطيب خاطري ...؟ا " , أتماسك بشدة وأزعق داخلي :
ـ .. ثم خمسة سنين أين هي..؟؟اا , .. والحب الذي كان أين هو ؟؟؟ااا ...", فاجئتني لتواصل قائلة :
, .." أنها الظروف .. , ثم أن ضغوطهم حقيقي أكبر مني ومنك .. ـ
ـ .. وأنة بالطبع أبن عمي .. وكما يصرون , .. وهو الاحق .. ااا , لاول مرة أود لو أصرخ في وجهها :
. " ـ .. و" بنونة " هي الآخري .. , الم تكن أبنة عمي ..؟ااا "ـ
بالطبع تفشل حتى في التقاط مجرد كلمة تعده بها , وهو ربما ينتظرها كظلها متحفزاً بسيارتة الفارهة بالخارج ، لحظتها التفت اليها متابعاً لاقول لها وهي تغادرني والى غير رجعة :
بعدي .., ـ " هيام " ...حقيقي خوفي أن تدوسك الأرجل أفتراء
وخوفي أن يقطعوا بينى وبينك الدرب .." .
-4-
زفاف حاشد ..
كان قطار الشمال بالطبع .. في غدوة ورواحه , وهو يقطع المسافة عابراً نفق " برى " شمالا , يذكرني هذا اليوم بالذات آواخر رجب بفرح " بنونة " وزفافها الحاشد الحافل والمنتشي عراقة وأصالة , والذي أصر عمي أن يتم عاجلاً وبفرحة وصخب قبلي وشعبي مدوي وهائل بدوني , وأنا هناك منفيا مبعدا وعاقا أتخيل بوهم حقيقي غير مصدق خبر عرسها والذي سرى الان وحتى " تنقاسى السوق " وللشمات والعزال أولاد " المحمية " و سقادي غرب" , وتوهمي لها بعد ذلك وفي كل ترديد للدابى وحميد يصلني هناك وفى ما وراء البحار , وربما منزوي مختارا وفى غربة أبدية بعيدا في مدينة النور " باريس .. , وأفتقد حقيقة حتى صخب وفرح حفل تخرجي الماثل الان والمتوقع وفى أى لحظة وبدرجة دكتوراة دولة بدرجة فارس , والمفترض ليزين القرية كلها والجامعة وجيد عمي هو الآخر ووعدي لة .. , والذى أصبح الان مجرد وهم وخيال ليس الا .., بل أضحي والمستحيل سيان ولكن ليس بيدي أن أعود أو لا أعود بعد كل ذلك , ..فتيارات المدن البعيدة القاسية والغربة , و وعدي لهم أضحى الان ضدان متلازمان وسوء الطالع الذى لازمني طويلا ، حتى أن الشىء الأغرب والأعجب حقيقة هو أن تلك التي أستباحت طيبتي غدراً ومزقت براءتي وفى يوم ما .. , جاءت هى الان بنفسها وبعد عدة أشهر فقط على زواجها الميمون ثم أنفصالها المتعجل , تلاحقني وتجد بشدة في طلبي بهواتفها الغير مسئولة ، تحاول القوص بجد في الماضي وبلا أستيحاء , بل هى هكذا أضحت ومنذ البارحة تحاول التلوين بسيريالية مخلة على كل الاحداث , وتسكب بوله مستغرب لواعج شوقها وحنينها الدافق , تكتب يومها وتقول مسهبه:
" .. أعرف الان دواخلك .. حيث أموت أنا .."
وتصحوا أخرى فى ضمير الزمن .. , ولربما أرقي وأوفي .. ..
ولكنني وأا سفاي.. أعرف جيدا .. , فرحى والذي لن يكتمل أبدا ..بدونك ..
.. بل وأعرف من دونهم كلهم .. , كم هى كبريائك مزهلة , وأعرف أيضا كم هى دواخلك جميلة مرهفة ومؤرقة بالبهجة ..,حيث كنت أسكن بثقة مفرطة وأكثر ..
, ثم الوعد المستحيل لنا الاثنان .. والذى لم ولن .. يكتمل أبدا اا.. ,
صدقني محتارة ويأئسة ولكننى أجد الان فى طلبك . وبعد أن عرفت أشياء وأشياء كثيرة موجعة وأولها .. معنى أن أفقدك ؟اا...ولكنني ويا للا سف لا أعرف لك بعد اليوم بديل أو حتى لاتجاهك طريق .. ولكننى سأنتظرك .. وسانتظرك حتى تفلت.. ؟؟اا ." ..
, وهكذا تعاود من جديد تحاول بيأس تتبع عناويني الغير مستقرة تماما في الغربة , ما بين الحي اللاتيني وحتى جامعات " بوردو" و" السوربون " و" ليون " , وبعدها بالطبع عبورا للقنال الانجليزي ولزينة الدنيا ونعيمها الاخأذ , " لندن بلوتيكنيك أسكول " و" نيوكسل أبون تأين " , والصحف المهاجرة وشقق المنفيين أختيارياً أو قسرياً في كوينزوي وكرافن هل وساري ,تكتب لي تسكب لواعجها تنزف بالداخل , وأنا أستعجب لها ولنبوغها وطموحها والذي أستكان بدوني ، وأستغراب أكثر حتى كل زملائي لانحيازها كلياً للعراب الكبير نفسة , وقبضها القوى للجمر هى وحوارية المتنطعين والمنحازين لافكارة وتنظيرتة التى يحفظونها عن ظهر قلب ,وما تعرضوا لة يومها من محنة وأقصاء بائن ومن زملاهم الآخريين المنحازين من زوي الشوكة الآن والسلطة وأبعادهم من صنع القرار قسريا وبحزم والم موجع حقا , وأنا أعلم بأنها لو شاءت الانحياز لهم لفعلت ولرحبوا برجعتها فورا , ولكنها كانت دوما مخلصة للعراب الأكبر ولابوتة وكارزميتة النافذة والغلابة دائما ولا لأحدا غيرة بتاتا , وعلى استعداد دوما ان تفديه بالنفس والمهج وأكثر , كما أنة لم يبارك أبدا بارتباطها المتسرع الاول أو بأى أحد آخر , كما أن وضعة الفلسفي والرمزي والعسكري لا يحتمل بالطبع أو يكيف له زوجة دخيلة ثانية , ولكنة بدون تحفظ رشحها للكثيرين من حلقة المقربين حولة ولكنها لم تتحمس لاى منهم , أو لفكرة الارتباط مرة أخرى بل أصبحت على ما يبدو راهبة أبدية فى ديره الأكبر ، أذكرها تفاجئني في آواخر رسائلها المحرضة وهي تعاتبني ومن يعاتب من حقيقة , تكتب تقول:
" أمدد يدي بيضاء ..أجد في طلبك لتصفح عني يا " بروف .. ـ " يلهبني البرد والصقيع تمتد رسائلي ناقصة لترتد ناقصة ومعانيها.., وأنت ونقيضي ضدان ..ثم أي ضاحية لندنية أو نيويوركية سرمدية باردة بالكاد تأثرك دوني .. , وضريبة أن تعود يوماً ما للوطن والمجاهدات التي تنتظرك . .وأحلم أن تزين هامتك يوماً ما ..أرجع لبلدك .. أرجوك وأتوسل اليك أرجع .. ؟ااا" , ثم كثرة رسائلها التحريضية بعد ذلك , ولم أرد عليها مع تغير عناويني وبلاد النزوح ولعقد من الزمان وأكثر بعد ذلك .. .
-5-
الفال ..
بالطبع أفترقنا قبل ذلك وبعدة وكما يقولون المثل السائر وكـفراق " الطريفي لجمله " , ومضى كل في شأنة وطريقة الذى أخططة أورسمة لة القدر والأيام , وبتصرم وتحدي عجيب وممقوت , وحتى عندما تقابلنا ذاك اليوم وكالغرباء بعد أكثر من عقد من الزمان , وبدون تخطيط مسبق وبالصدفة المحضة وحدها وفي مكتب كبيرهم الذي علمهم السحر ، فوجئت بة شخصيا يقدمها لي رغما عن بعد الشقة , بالآنسة الباشمهندسة " هيام " مسئولة الدائرة الاولي للتنظيم والناشطات وصنع القرار , بل وعندما توحدنا للحظات معدودة أنا وهي قالت لي وكأنها تعنفني , وبذات المكر والدهاء والذى لم يفارقها أبدا , وتهمس وحتى لا يسمعها أحد كان:
ـ مبروك يا بروف "منزر" وأنت تتضاءل البارحة لدرجة أنك تراقصها وهى فى
عمرأي طالبة عندك ؟اا , لا تستغرب فانا شخصياً كنت مدعوة وخطوبتك لـ " شذا " نزوتك الجديدة " ، لتواصل:
ـ " .. ثم أما يكفى ما أخذته منك غربتك .. , لماذا لا تريد الاستقرار الحقيقي .. ؟ اا لماذا تسعى للمرمضة والجرجرة على كبرك بالمحاكم ؟اا ,و لتواصل:
ـ " صحيح أنها جميلة ورائعة وعز الطلب .. , ولكنها ولعمري من صبايأ أو فتيات الأسر الخرطومية العميقة والكبيرة .. , ونصيحتي أنها سترهقك بطلباتها التى لا تنتهى , ولن تنستر بميزانيتك المحددوة مع أمها وعماتها وخالاتها والقائمة تطول , لتواصل قائلة:
, ـ وسينبشونك صراحة كلهم .., ويشيلون حالك وأنا بعرفهم كويس ولن تستطع
حقيقي ترضيتهم والسترة معهم , أو حتى أن تكون بين يوم وليلة خاتم طيع فى بنانها هى بالذات..؟اا..,لتواصل:
ـ وأسالنى أنا ؟ اا, وأى خلاف بينكم سيحيلنوك للمحاكم وأكيد ستغرق بعدها .. وفى شبر نفقة , أوالسجن لحين السداد .. , ثم لا تقول بنرفزة :
ـ أنا متزوجها هي طبعا ولا أعرف عماتها وخالاتها .." , لتواصل وهو مشدوه :
ـ ..لا .. لا .. وحياتك هى ليست يا عزيزي جزيرة معزولة .. , كما ان الزواج ليس نزهة وإنما رهان ومغامرة بالطبع مجهولة العواقب تماما هذة الايام , كما أن الفتيات أنفسهن تغيرن ولم يعدنا كما كنا فى مخيلتك قطط مغمضة ..., أصبحوا أذا لم تكن تعلم شيء آخر مختلف .. .. , دا حقى .. ود حقك .. ودا بحبوا ودا بكجنوا .. ود بستلطفة .. ودا بدللني .. ود بدلعنى ودا بفرق علي .. ودا الخ ..وهكذا ودواليك ..
ـ صدقني أنا لا أريدك الان لى زوجا ؟ اا, لاننى تخطيت الان كل ذلك وهذة هى نصيحتي الاخوية لك وأنت حديث وصول وغريب ديار وأهل , ثم أنك حتما قطعا لن تعمل بها ولكن بعدين نشوف وقابلني ..
بلهجة حاسمة قلت لها:
ـ أذا شئت حتى .. أوأبيت .. , هي ويا لغرابتك أضحت مشروعي بالكامل وتماما .. , وهي بالطبع وكما تقولين فتاة من أسرة كبيرة عميقة .. , ولكنها قنوعة وتعرف الأصول تماما وخلافة وما فى داعي بس لطول اللسان والتطاول على الناس ...
ـ ثم ثانيا هى شىء آخر مختلف.. وفال الله ولا فالك .. , ثم قولى لى لما تتبعين عناويني بكل هذا الحرص , وأنت كما تعلمين أضحيتي حقيقة بلا عنوان, واضح عندى ولا حتى ذات بال بعد اليوم ، وعلى الرغم مما تملكيه من مكانة ووجاهة الان .., وسلطات متنفذة لايتصورها أحد كان .., بل ولا أخشى حتى بطشك بي وتمثيلك بها ً.. , ثم هو الم يكن أبن عمك كما تقولين يومها , فإذا ذهب وهجرك وبظروفة والى غير رجعة , وكما يبدوا.. قولي لي ما ذنبي أنا فى ذلك .. ولما تعذبيني ؟؟اا..
, ـ حتى ولتحمليني وزر خياراتك .. , الم اقل لك يومها وأنت أذان صاغية وتغادريني هكذا وبتحدي مذهل والى غير رجعة:
ـ " .. خوفي يا " هيام " وأنت تنحازي لة وبكل هذا الثقل والجراءة , أن يقطعوا بيني وبينك الدرب .. , وتدوسك من بعدي أرجلهم أفتراءا.. , فيالغرابة الاحداث وسخريات القدر .., فهأنذا الذي حذرتك منة حدث كلة وبحزافيرة .. , قطعوا بيني وبينك الدرب .. , وهاهي أرجلهم بخساستها ووضاعتها .. , وللأسف الشديد .. تدوسك أفتراءًا.. اا" .. . .
تمت
,,,
فتحي عبد العزيزمحمد - Fathi Abdleaziz
عطبرة – أم الطيور