السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حماس بين الواقعية والإستحلال...د. أحمد رمضان لافى

 

 تمر القضية الفلسطينية هذه الأيام فى مرحلة من أصعب المراحل منذ اغتصاب فلسطين عام 1948, بل إن الفترة التى تلت ضياع فلسطين وتشريد وتشتيت شعبها وبداية نكبته كانت نقطة تحول على طريق التحرير ,وانطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة وقامت بتحويل طوابير اللاجئين الفلسطينيين إلى مقاتلين فى شتَّى الميادين , وقادت الحركة الوطنية  تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وواصلت اختراقاتها فى مجالات عديدة منها العسكرى والأمنى وأهمها السياسى وهو الهدف الرئيسى, وبالتالى أصبح للفلسطينى كيان رسمى معترف به فى كافة المحافل الدولية والإقليمية, وأضحت القضية الفلسطينية حدث الساعة فى أرجاء المعمورة,,, وبعيداً عن سرد التاريخ ولكى لا نتجنى على أحد فإنه وأثناء تلك الفترة الوطنية التى شهد العالم كله لتأثيرها , كانت حركة الإخوان المسلمين العالمية غارقة فى مناكفات النظم السياسية العربية بشكل عام , أما فى فلسطين فاقتصر نشاطها على الدعوى والدروشة. وبعد فشل إسرائيل بالقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية فى لبنان عام 1982 وصمود المقاومة الفلسطينية – اللبنانية وإدراك إسرائيل بأن القضاء على المنظمة دربٌ  من الخيال, فقد سارعت الأخيرة بترخيص مؤسسات للإخوان المسلمين فى غزة تحت مسمى المجمع الإسلامى  وكان الهدف ضرب معاقل المنظمة فى الداخل الفلسطينى, وفى كل مرة كان الصدام كانت الفتاوى جاهزة للإقتتال الداخلى, حتى بعد اندلاع الإنتفاضة الشعبية " انتفاضة الحجارة" لم تشارك عناصر المجمع الاسلامى فيها ,أكثر من ذلك لم تعتبر شهداء الانتفاضة شهداء ونعتهم بالقتلة " والفطايس" بمعنى "الجيفة" وذلك لعدة أشهر على بداية الانتفاضة, ثم تشكلت بعد ذلك حركة حماس كذراع مسلح حركة الإخوان المسلمين فى فلسطين لكى لا تندثر وتنتهى. فى المقابل استغلت المنظمة الانتفاضة الشعبية لإحياء القضية وراحت أبعد من ذلك عندما كانت تتعاطى إيجابياً مع الأفكار والمشاريع السلمية حتى وصلت إلى اتفاق أوسلو الذى حرَّمته حماس وقاومته بالعمليات التفجيرية فى الداخل المحتل لكى تُظهر ضعف السلطة الفلسطينية, وبعد قتل رئيس وزراء اسرائيل " اسحاق رابين" على أيدى متطرف اسرائيلى يمينى واغتيال شريكه " ياسر عرفات" وبنفس الأدوات التى قتلت " رابين " دخلت القضية فى نفق مظلم ( ياه للصدف ... اليمين الإسرائيلى حرَّض على قتل رابين وعرفات ومنذ ذلك الحين يتصدر الحكم فى اسرائيل) ..  ثم دخلت حماس النظام السياسى الفلسطينى من بوابة الإنتخابات التشريعية التى أقرها اتفاق اوسلو الذى حرَّمته وخوَّنته وكفَّرته وحاربته حماس, وبقدرة قادر استولت حماس على السلطة وطردت حركة فتح من معقل السلطة " قطاع غزة"  لتتوالى المشاريع الهزلية لحل القضية من دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 إلى دولة فى غزة تتنفس من خلال خرطوم تحت سيطرة إسرائيلية مباشرة, وهنا وجب السؤال: إذا كانت حماس حركة سياسية فلسطينية وطنية فلماذا كل هذا التأخير؟ أين ذهبت شعارات تحرير فلسطين من البحر إلى النهر؟ أليس هى من كفَّرت وخوَّنت كل من شارك فى السلطة التى نشأت باتفاق أوسلو؟ لماذا عرقلت الإتفاق بعملياتها التفجيرية؟ ولماذا توقفت عن تلك العمليات بعد سيطرتها على قطاع غزة؟ هل ما تقوم به حماس كلاعب سياسى يأتى فى إطار البراغماتية والواقعية السياسية أم غير ذلك ؟

إن ما يتم تداوله مؤخراً على لسان قيادات من حماس وتبريراتهم حول قبول وجود المستشفى العسكرى الأمريكي على حدود غزة الشمالية والقريبة من اسرائيل, وبعض الإعلاميين المقربين من حماس والمطالبين بالذهاب الى إعلان القبول بدولة فى غزة تحت مبررات متعددة إنما يدل على أن حماس منذ البداية لم تكن تمارس الواقعية بقدر ما كانت تعمل وفق منظومة على الإستحلال بدل منظمة التحرير الفلسطينية , وما ساعد فى إبراز هذا السيناريو المستمر منذ سنوات عززه إدارة السلطة لأزمة الإنقسام والشرخ الكبير بين شقى الدولة المرتقبة , ثم إنقسامات حركة فتح والمنظمة ما ساعد على إضعاف المنظمة , إضافة إلى ما واكب من إجراءات ضد قطاع غزة كل ذلك جاء فى سياق تهيئة تنفيذ المشروع الكبير, مادفع  واشنطن لتقديم مجموعة من الهدايا السياسية لإسرائيل لعدم وجود طرف قوى بالمقابل , فقرر "ترامب" نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة ثم أوقف المساعدات المقدمة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطنيين فى توجه واضح لإنهاء ملف اللاجئين, ولم ولن يكن تصريح وزير الخارجية الأمريكي بشرعنة الإستيطان فى الضفة الفلسطينية آخر مواقف واشنطن الداعمة لإسرائيل طالما تآكل القضية الفلسطينية يأتى فى هذه البيئة الفلسطينية أولاً وقبل كل شىء, بمعنى آخر مشروع دولة غزة تنفيذ ذاتى .    

Ahmed [email protected]

 

2019-12-07