حدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه، مساء يوم الثلاثاء الماضي، أربعة مسارات متوازية في مواجهة الإعلان الأمريكي-الإسرائيلي وللدفاع عن المشروع التحرري للفلسطينيين. هذا الخطاب حدد الموقف المبني على القاعدتين الحاكمتين لأية مبادرة أو تحرك سياسي وهما: الحقوق الوطنية المضمونة بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والمتمثلة بحق تقرير المصير وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ومصالح الشعب الفلسطيني وتحالفاته الاقليمية والدولية وحقه في العيش بكرامة وحرية وحقه في استغلال ثرواته الطبيعية.
يدرك الفلسطينيون، وجزء هام من العالم، أن هذا الإعلان يكرس هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ويشرعن جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة في مخالفة لمبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ويخرق قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني الذي يجرم نقل السكان الأصليين أو نقل السكان من دولة الاحتلال الى المناطق المحتلة. كما يدركون أن هذا الإعلان يأتي في سياق الانتخابات الامريكية في نوفمبر القادم في محاولة للحصول على دعم الجماعات المؤدية لإسرائيل في الولايات المتحدة واصواتهم ومحاولة صرف الأنظار عن محاكمته في مجلس الشيوخ الامريكي. وأنها خطوة أحادية منسقة بين الإدارة الامريكية وحكومة اليمين الاسرائيلية لإنقاذ نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية في مارس القادم وفي حرف الأنظار عن محاكمته أمام القضاء الإسرائيلي بتهم فساد.
تتثمل المسارات الأربعة التي أعلنها الرئيس محمود عباس في خطابه باستعادة الوحدة الوطنية وبالاتفاق على برنامج وطني لمحاربة هذا الإعلان في الميدان بغض النظر عن الاختلافات السياسية لهذه القوى، وكما يظهر الاجتماع في مقر الرئاسية بحضور قيادات من حركة حماس والجهاد الإسلامي، والتوجه لعقد اجتماع قيادي في قطاع غزة، نوايا إيجابية لاستعادة الوحدة الوطنية في ظل ظروف استثنائية ومواجهة تهدد الوجود الفلسطيني وحقوقه في هذه البلاد ((المسار الأول). والمسار الثاني يتمثل بتعميق المقاومة الشعبية في جميع المناطق الفلسطينية وتأطيرها وتنظيمها ودعمها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها بحيث تصبح نظام حياة للفلسطينيين في مواجهة مفتوحة مع جنود الاحتلال ومستوطنيه.
أما المسار الثالث فيتعلق باستمرار القيادة الفلسطينية في جهودها السياسية والقانونية في المنظمات والمؤسسات الدولية (السياسية والقضائية) لإدانة الممارسات الإسرائيلية وملاحقة قياداته السياسية والعسكرية أمامها. أما المسار الرابع فيتمثل بتغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية وفقا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي؛ وعلى ما يبدو أن القيادة الفلسطينية آخذة بالخطوات العملية، أي أكثر جدية في هذه المرة مقارنة بالسابق، خاصة بعد الإعلان في وسائل اعلام مختلفة عن رسالة خطية من الرئيس الفلسطيني موجهة لرئيس الحكومة الاسرائيلية تشير الى التحلل من الاتفاقيات بما ذلك التنسيق الامني.
مما لا شك فيه أن الوحدة الوطنية تمثل قوة الدفع الرئيسية للفلسطينيين في المسارات الأخرى والدفع بها نحو تحقيق الوعد الفلسطيني بالانتصار. إن السير في هذه المسارات دون الانتقاص من وسائل وأدوات أخرى كالتأثير على المجتمع الإسرائيلي المنقسم ليس فقط حيال اعلان ترامب-نتنياهو بل أيضا حول مسائل جوهرية داخلية. كما تطرح هذه المسارات قضية جوهرية في عمل الفلسطينيين ترتبط بمسألتين هما الاتفاق على الوسائل أو على الأقل على المبادئ التوجيهية للوسائل المختلفة أولا، والتناغم بين المسارات المتعددة للوصول للهدف الوطني ثانيا.