عندما انطلقت مكبرات الصوت لتنعي المهندس جمال السماك خرجت كلمة واحدة من حناجر وقلوب الرجال والنساء والأطفال في القرية ((لاحول ولا قوة إلا بالله ))... لم يكن أكثر الناس كرها له يتوقع هذه النهاية ..ولم يكن خروج الشيوخ والنساء والأطفال خلف نعشه حبا فيه أو كرها له وإنما أسفا عليه . جمال السماك الطفل اليتيم لأسرة تتكون من أم تخرج من مستشفى الأمراض العقلية لتعود إليها ......أقسم نساء القرية إنها قد مسها جن عندما تنتحب باكية أمام قبر زوجها ليلا ..أخت جمال التي لايعكر صفو جمالها وبراءتها إلا نمش كثيف يغطي خديها .
عائلات قريتنا مثل أي شجرة بها فروع محملة بالخير ووارفة وأخرى ضامرة قصيرة وبالخير فقيرة .إلا هذه العائلة فهي صغيرة وفقيرة لانعرف إلا جمال وأخته وعم لهما يكتريه الفلاحون في اراضيهم في مواسم الحصاد .. ذكاء جمال كان حديث المدرسين في المدرسة ولما ظهرت نتيجة الإعدادية وكان الأول على المحافظة بكى لأنه لن يكمل تعليمه بالثانوي فأنى له السفر إلى المدينة ؟؟
ربتت أخته على كتفه باكية لاتحمل هما يابن أمي .ستذهب للمدينة وتحصل عل...ى الثانوية . سرق نشاطها وذكاؤها ويتمها تعاطف الجميع ..تربي الطيور في عشه بمدخل البيت وتذهب بها للموظفات من نساء القرية في بيوت تعد على أصابع اليد وتنفق من ربحها اليسير على ابن أمها وعزوتها في الحياة . سار قطار حياتهما بلا محطات على وتيرة واحدة هي لطيورها وهو لمذاكرته .ولما أذيع اسمه في أوائل الثانوية راحت في غيبوبة من البكاء والزغاريد ..مرحلة الجامعة مرعبة والهندسة صعبة وثقيلة على البنت التي أضناها الألم ولكنها وياللعجب كانت اهون بكثير لكثرة الرحماء من أساتذة الجامعة الذين أحبوه .ويرفض أن يتعين معيدا ويسافر لأمريكا منحة .
واحتضنت ولاية( مانيهاتن ) أحلامه بالدكتوراه والجنسية ولم تبخل عليه بهما بعد أربع سنوات .. عاد للقاهرة تعاقد بإحدي دول الخليج كأمريكي راتبه 65 ألف دولار ..يقضي إجازته السنوية في إقليم التفاح عروس الجنوب بلبنان بلدة زوجته الأمريكية من أصول لبنانية . ولما قرر العودة لقريته بنى قصرا في مدخل القرية يبهر الناظرين ** الشك والخوف من طمع الناس سياج أحاط بالمهندس .
قهره وسواس الخوف من الناس وتخيل أن الكل طامع فيه ..فتجنب حتى الذهاب للمسجد ولما زارته أخته يحدوها الفخر والفرحة تجر خلفها أبناءها الستة ضج من همجيتهم ولهوهم بالتحف الثمينة طردها وطردهم خرجت تتكفى لاترى أمامها من البكاء .عندما انتفخت بطن جمال وحال لونه وعجز عن ايقاف غول فيرس (سي)النشط ارتعدت زوجته وابنته منه فالفيرس معدي ومرعب تناوله السيدة طعامه من خلف الباب في غرفة بالطابق الأرضي وأقامت وابنتها في الطابق العلوي .. الوحدة الموحشة والوحدة والقهر يُعذَب بهما في قبره حيا وكان نعيه اليوم بمثابة إشهار لزواج عرفي دام عامين بينه وبين القبر..