الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لا تقتلوا الشغف في عيون أبناءكم!! ...بقلم:عصام إدريس

  طفلك الذي يأتيك مهرولا ليبوح لك بمخاوفه من الظلام، في حقيقة الأمر جاءك طالبًا دفء احتضانك، وطفلتك التي استقبلتك فور وصولك إلى المنزل بزهرةٍ متواضعة رسمتها ثم كتبت تحتها "أحبك أبي" كانت تنتظر لمعان الإنتصار في عينيك، فخرا وسعادةً بما فعلت ، هي وإن كانت لا تدرك تواضع عملها، أو حتى ان كان عملها هذا لا يعنيك ، إلا أنها تتوقع منك احتفاءً بإحساسها تجاهك. إن المقابل الذي يرجوه طفلك ليس أجر عملٍ يسديه إليك، ولا إلزامًا لك بحبٍ متكلفٍ، إنما مجرد تقديرا للإحساسه بك واستثارةً مشروعة لعاطفتك الأبوية، وانتظارًا منطفيا لتدفق مشاعر الحب في اتجاهين متضادين، فالمشاعر التي تسري باتجاهٍ واحد ليست الا استهلاكًا لطاقاتنا ونزيفًا لا يمكن يستمر في البقاء على قيد الحياة بشكلٍ أبدي. هل تدري ما يفعل رد فعلك حين تشعره بأنك كنت تنتظر منه كلمة اشتقت لك؟ هل تدري ما تتركه في نفسه من الأثر ، حين يطلب منك أن يطمئن بك، فيكون ردك احتضانًا له، هو في حقيقة الأمر أبلغ من كثيرٍ من الكلمات؟

هل تدرك مدى تأثير تصرفاتك الدقيقة في نفسه؟ هل أضفت لحساباتك عمق الجراح التي يخلفها خذلانك لمتطلباته النفسية على ضآلتها في عينيك؟ إن أولئك الذين يحبوننا بحاجةٍ لأن يمسهم شغفنا بحبهم ، وانتظارنا لتلك التفاصيل الدقيقة التي تبعث الحياة في علاقاتنا بهم.

تخيل مدى تأثير أن يأتيك طفلك ليخبرك بحبه لك ، وأنه رتب مكتبك وقام بتعطير ملابسك في خزانتك ، ثم يكون رد فعلك: حسنًا ، أحضر لي كوبا من الماء!!! في الواقع أنت هكذا تخبره بأن لا حاجة لك به ، وأنه مجرد لاشيء على هامش الحياة في قاموس أولوياتك. لازلت أذكر تلك الطالبة التي اتصلت بها والدتها بعد الامتحان ، فظنت أنها تتصل لكي تطمئن عن آدائها في امتحانها ، ثم اكتشفت أن الاتصال لم يكن سوى طلبا من الأم لإبنتها بشراء بعض الأغراض في طريق عودتها من المدرسة، لازلت أذكر الفارق بين لمعة الانتصار في عينيها عندما دق هاتفها الجوال، ودموع الأسى التي لم تملك حبسها بعد المكالمة. لا زلت اذكر رغم مرور قرابة الخمس سنوات على ذلك الموقف ردها حين حاولت خداعها بقولي ان والدتها تثق في تفوقها ، وأنها كبرت بما يكفي لكي تعتمدعليها ثم جاء ردها صادمًا لي بقولها: لقد كرهت تفوقي وكرهت كوني كبرت ، أنا أحتاج منها أن تخاف علي ، أن تقلق لأمري وتنشغل بي، تماما كما كانت تفعل حينما كنت طفلة.... لا زلت أذكر جيدا قولها حين أضفت معللا موقف والدتها " لعلها لا تدرك حاجتك هذه " قولها أنها تسولت هذا مرارًا منها... الحقيقة أن أفضل ما يمكن أن تقدمه لمن تحب ، هو أن تتيح له فرصة العيش في تلك المنطقة الآمنة التي تمثلها له، وأن متعة الحب في عيون أبناءنا تتمثل في شعور الرضا الذي يخالط أرواحهم حين يشعرون بمدى ما تحققه تصرفاتهم لنا من سعادة ورضًا داخليين. إن ابنك حين يأتيك مهرولا ليخبرك بحبه لك ، هو في حقيقة الأمر يطلب منك ضمنيا أن تعبر له عما يحققه ذلك الحب في نفسك من سعادة عارمة، والأسوأ من أن لا يأتي الرد، هو أن لا يأتي الرد بعد أن يطلب منك ...

إن تكرار الجفاء بيننا وبين أبناءنا يقتل في عيونهم الشغف، والقسوة لا تورث إلا قسوة، والحياة أقصر من أن نقتل خلالها أروع مافينا ..... لا تقتلوا الشغف في عيون أبناءكم!!!!!

عصام إدريس

2020-03-01