أن ينشغل العالم بوباء الكورونا لا يعني أن السياسات العامة للدول ستتوقف ،لأن الوباء حالة عابرة سيتم محاصرتها في نهاية الأمر بينما الشأن العام والمصالح الاستراتيجية للدول مستمرة ،وهذا ينطبق على الصراع في الشرق الأوسط حيث انتشار الوباء لم يؤثر على استمرار الصراع والحرب على كافة الجبهات ،وفي فلسطين الخشية أن توظف إسرائيل الانشغال بالكورونا لتنفيذ مخططاتها في تنفيذ ما يخصها من صفقة ترامب – نتنياهو وخصوصا ضم الأغوار والمستوطنات ،وهذا يتطلب فلسطينيا عدم جعل هوجة أو رِهاب الكورونا حائلا أمام التوافق على استراتيجية وطنية لمواجهة الصفقة أو أن تصبح حالة الطوارئ حائلا أمام أي نشاط أو فعاليات لمواجهة الصفقة ،كما يتطلب عدم التوقف عن الحديث عن الصفقة ومخاطرها .
سبق أن كتبنا وقلنا إن الرفض لوحده لا يكفي للرد على الصفقة التي يعتبرها الجميع وعلى رأسهم القيادات السياسية أنها تهدف لتصفية القضية الفلسطينية ،ولا يمكن قبول التحليلات التي تبحث عن أعذار للطبقة السياسية في عدم ردها العملي على الصفقة وضرورة منحها مزيدا من الوقت ،وذلك لأن معالم الصفقة كانت واضحة منذ وصول ترامب للسلطة كما أنها تنفذ عمليا على الأرض منذ سنوات على مرأى ومسمع من الجميع ،وكل متابع ومُلِم بمجريات السياسة في المنطقة يعلم أن أية تسوية سياسية ستكون أكثر سوءاً من تسوية أوسلو لأن المتغيرات الدولية والعربية والفلسطينية خلال العقود الثلاثة الماضية كانت تشي بذلك.
حالة العجز والفشل التي يمر بها (النظام السياسي) وطبقته السياسية ،والذي يتقاسم السلطة في غزة والضفة ،هذه الحالة المصحوبة بغياب حراك شعبي أو قوى سياسية معارضة ذات تأثير سواء في غزة أو الضفة ،وبحالة رضا نسبي على الطبقة السياسية من إسرائيل وأمريكا وقوى إقليمية بالرغم مما نسمعه من تهديدات وتوتير في الخطاب ،هذه الحالة وفي ظل هذه المعطيات تتيح دائما فرصة للطبقة السياسية لافتعال هوجة إعلامية وانفعالية وعاطفية لتخفي عجزها وفشلها ولتتخطى الأزمات والتحديات بأقل الخسائر الممكنة ،بل وتخرج (منتصرة) ،والانتصار هنا يعني استمرارها في السلطة .
هذا ما يجرى منذ انكشاف مأزق السلطة ومراهناتها على التسوية السياسية الأمريكية ،ومأزق حركة حماس وتوابعها من التنظيمات الذين رفعوا شعار المقاومة بديل عن نهج السلطة والتسوية السياسية .
هوجة بعد كل توقيع اتفاق مصالحة وبعد تشكيل كل حكومة ،وهوجة بعد كل عدوان إسرائيلي على غزة ،وهوجة بعد إعلان الرئيس أبو مازن عن عزمه إجراء انتخابات عامة من على منبر الأمم المتحدة حيث حدثت هوجة لعدة أيام ثم نسى الجميع موضوع الانتخابات وخرجت الطبقة السياسية وقد انقذت رأسها من مقصلة الانتخابات ،وهوجة رفض صفقة القرن ،ويبدو أن الطبقة السياسية ستخرج بعدها منتصرة بعد بطولاتها في مجال الخطابة والرفض والتنديد ،والآن هوجة الكورونا وحالة الطوارئ .
لا شك أن كل الشعب والأحزاب رفضت الصفقة على عكس اتفاقية أوسلو التي انقسم الشعب والنخب السياسية حولها ،ولكن وحتى لا تتحول حالة الرفض لمجرد هوجة أو زوبعة في فنجان لا بأس من توضيح بعض الأمور لمن عنده مراهنة بإمكانية التعامل مع الصفقة من باب المناورة والتكتيك أو إمكانية أن تحقق شيئا للفلسطينيين أو أن الصفقة ستفشل تلقائيا لمجرد رفض الفلسطينيين لها :
غياب أي حراك عملي للرد على الصفقة حتى في حدود الدعوة للقاء وطني للبحث في مخاطرها وإنهاء حالة الانقسام يثير شكوكا حول جدية رفض الطبقة السياسية ويعزز شكوكا مقابلة بأن هناك أطرافا مستعدة للتعامل مع الصفقة وتنتظر دورا لها بعد انتهاء هوجة الرفض والتنديد ،وهي هوجة بدأت تخف بالفعل حيث غاب الحديث عن الصفقة ومخاطرها في وسائل الإعلام العربي والدولي حتى الفلسطيني الذي ينشغل اليوم بالحكومة الإسرائيلية التي سيتم تشكيلها وبوباء كورونا وحالة الطوارئ ،والكل ينتظر قرارا إسرائيليا بضم الاغوار والمستوطنات لبدء هوجة إعلامية جديدة .