الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
اختبار التعليم والتعلّم عن بُعد في جيل الطفولة في ظل أزمة الكورونا...د. رنا سعيد صبح و .د. روزلاند كريم دعيم

لا شك أن التسارع في تطور مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كان له بالغ الأثر على استحداث إستراتيجيات تعلّم/ تعليم في المجال البيداغوغي، فاحتلّت وسائط ووسائل التعلّم/ التعليم الإلكتروني مكانة مهمة في جهاز التربية والتعليم ما جعله مواكبًا لعصر السرعة والتكنولوجيا؛ فكوّنت هذه الوسائط أرضية خصبة لتفعيل منظومة "التعلّم والتعليم عن بعد" التي تستثمر التطور التكنولوجي لضمان عملية التواصل بين المعلّم والمتعلّم وبالتالي تحقيق مناليّة المضامين التعليمية. وقد اعتمدت وزارة التربية والتعليم، على قلّة، منظومة "التعلم والتعليم عن بعد"، بديلا لإستراتيجيات التعلّم والتعليم التقليدية، ولكنها أبقت على هذا البديل ملجأ يُلاذ إليه في الأزمات.

وفي ظلّ أزمة الكورونا العالمية، وفي أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، بادرت وزارة التربية والتعليم إلى انتهاج خطوات احترازية ترمي إلى الوقاية، وضمان صحة التلاميذ، والحدّ من انتشار العدوى بالفيروس، فأعلنت تعليق الدراسة في المدارس من الصفوف الابتدائية الدنيا حتى الصفوف الثانوية ابتداء من يوم 12.3.2020، دون شمل المتعلمين في أطر جيل الطفولة والتربية الخاصة. وبعد يومين تماما أُعلن تعليق الدراسة في كافة الأطر التعليمية بما في ذلك جيل الطفولة والتربية الخاصة. واتُّخذت القرارات الحكومية القاضية بضرورة الحجر الصحي للمتعلمين في المؤسسات التربوية؛ وإلى تفعيل منظومة التعلّم والتعليم عن بعد، من خلال بثّ المضامين والدروس عبر الإنترنت دون اعتبار الزمان والمكان، بحيث وقعت على مربيات جيل الطفولة والمدرسين مسؤولية التواصل مع طلابهم وتدريسهم عبر الوسائط الإلكترونية، بينما طلابهم يمكثون في منازلهم لمتابعة دراستهم "عن بعد". وبناء على تعليمات وزارة التربية والتعليم، تمّ الأخذ بالتعلم عن بُعد في كافّة المراحل التعليمية منذ يوم 13.3.2020 حتى يوم 18.3.2020 مساء حين تمّ الإعلان عن توقفها في المراحل التعليمية الأساسية وحتى المرحلة الإعدادية، لتشكّل هذه الفترة مرحلة تجريبية تضع جميع ذوي الصلة بالعملية التعلّمية تحت مجهر اختبار الجهوزية والمضامين البيداغوغية.

في العقدين الأخيرين شاركت كاتبتا المقال بمؤتمرات عدة بصدد التواصل التكنولوجي في العلوم المعرفية والتربوية، لكنّ الخطاب عن التعلم التكنولوجي في ظلّ أزمة غير متوقعة ذات أبعاد وإسقاطات غير مبرمجة وخارجة عن السيطرة لم يكن على أجندة هذه المؤتمرات. من هنا جاء المقال ليسلّط الضوء على النشاط التعليمي التعلمي عن بعد خلال فترة اتباع المنظومة لإبراز مواصفات الفترة التجريبية الاحترازية التي تمّ استقصاؤها على المستوى الرسمي والمهني والميداني، في ظل أزمة كان الهلع فيها سيّد كلّ المواقف، فالأخبار في وسائل الإعلام حول تفاقم انتشار فيروس كورونا، وحول إسقاطات انتشار العدوى عالميّا، وما أثارته من فزع لمخاوف لدى الأهالي والأبناء والمربيات على حدّ سواء؛ لتلقي مشاعر القلق من عدم الشعور بالأمان وخوف من المجهول وشعور بالعجز بظلالها على العمل التربوي ونتائجه.

ورغم متابعة كاتبتي المقال المستجدات عن كثب في مجال منظومة "التعلم عن بعد،" لجميع الشرائح العمرية من المتعلمين، مع الإعلان عن بدء تطبيق التعلم عن بعد، إلا أنهما ارتأتا رصد العملية للمتعلمين في مرحلة جيل الطفولة في المجتمع العربي داخل الخط الأخضر، في الأيام القليلة التي اتبعت فيها هذه المنظومة، لا سيّما وأنَّ هذه التجربة هي الأولى من نوعها بالنسبة للمتعلمين في أطر الطفولة، ومدى تفاعلهم معها من شأنه أن يلقي بظلاله على كل عملية التعليم في المستقبل، إضافة إلى أن الأيام الأولى تكشف محاسن ومساوئ استخدام منظومة التعلم عن بعد.

في كتابة المقال اعتمدت كاتبتاه المُشاهدة والرصد ودعمتا ما استقرأتاه بتجارب فعلية من ميدان التربية والتعليم على عدة أصعدة، فأجريتا محادثات مع ستّ مربيات مخضرمات، أثبتن على امتداد سنوات خبرتهنّ قدراتٍ واضحة في التواصل التكنولوجي عن بعد، ومعرفة بالتجول في العالم الافتراضي، ناهيك عن قدراتهن التربوية والمعرفية. آثرت صاحبتا المقال أن لا تذكرا أسماء المربيات لسببين: الأول؛ الحفاظ على خصوصيتهنّ، فحرصتا على إيراد ما له علاقة مباشرة بالتعليم عن بعد، دون عرض آرائهنّ بالتفصيل وهذا يرتبط بالسبب الثاني؛ وهو الحفاظ على خياراتهنّ من إمكانيات توثيق أعمالهن وتجاربهن بالطريقة التي يرونها مناسبة دون أن تُعرقل هذه السطور خططهن وبرامجهن، التي بدأت تجد لها أصداء خلاقة في الحقل.

في أيام عزل المتعلمين عن روضاتهم وبساتينهم، برزت الحاجة في الإبقاء على التواصل بين مربيات الطفولة والمتعلّمين من الأطفال؛ وذلك لتأكيد استمرارية التعلّم من خلال ما يمكن توفيره من مضامين رقمية؛ سمعية وبصرية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تفعيل الأطفال وإمتاعهم وتسليتهم، وإلى صيانة العلاقات الاجتماعية التي نمت فيما بينهم ومنعهم عن العزلة. وحتى لا يكون هناك انقطاع، ضرره أكبر من فوائده؛ لجأت المربيات إلى الوسائط الإلكترونية، ليجدن أنفسهنّ أمام تحدّيات ليست بالبسيطة، أقلّها الجهوزية والاستعداد والمعرفة الدنيا بكيفية التعامل مع الوسائط الإلكترونية وغير الإلكترونية، لاستثمارها في التواصل مع تلاميذهنّ "عن بعد،" بعد قرار تعليق الدراسة في المدارس وأطر الطفولة.

وقد أفادت إحدى المربيات في المحادثة التي أجريت معها بأنها تستغل هذه الفترة لتعزيز التواصل الأسري، من خلال استغلال تطبيق واتساب الذي استعملته للتواصل مع أطفال صفها وذويهم في إرسال الأفكار للأشغال اليدوية والفعاليات، واستقبال الصور والأفلام التي توثق عمل الأطفال خلال هذه الفترة، وإرسال تسجيلاتها واستقبال تسجيلاتهم، ولكن ليس بالضرورة بالتزامن، لتلافي البرنامج المضغوط والكثيف عند جميع الأطراف المعنية بالأمر. وأكدت المربيات، بهذا الصدد، على أهمية هذه الفترة في تعزيز تواصل الأهل المباشر مع أبنائهم. ولكنّ المربيات أعربن عن قلقهنّ المتزايد من التعلق بالشاشة الزرقاء والإدمان عليها لدى الأطفال، فنهت إحداهنّ أطفال روضتها عن استعمال التابلت والهاتف الذكي، وبالمقابل فتحت أبواب روضتها أمام الأهل لاستعارة الألعاب والكتب والمواد من أجل قضاء وقت ناجع مع أبنائهم بعيدا عن الشاشة.

إنّ نجاح منظومة التعليم الإلكتروني عن بعد في مرحلة جيل الطفولة، يعتمد بالأساس على ضرورة ارتباط أهالي جميع الأطفال المتعلمين بشبكات الإنترنت، وبتوَفّر البيئة الإلكترونية المتمثلة بالشبكة العنكبوتية وبالحواسيب أو الهواتف الذكية، وتشترط بعض الفعاليات مشاركة الأهالي، وتعتمد على فهمهم للمهام والمضامين، ما يحتّم ضرورة امتلاكهم لكفايات التعلّم الإلكتروني، وهو إن وجد فبتفاوت، ذلك أنّ المربيات، وفقًا لمقابلة مع إحداهنّ، لم يجرين هذه التجربة بمعية الأهالي من قبل، ولم يتدربن معهم على اكتساب مهارات التعلم عن بعد. إضافة إلى ذلك يتعيّن على المربية نفسها أن تكون مهيّئة للتفاعل مع وسائل وأدوات وخدمات التعلّم الإلكتروني المختلفة، ولكن من خلال متابعة عدد من المربيات، تبيّن وجود تفاوت في الكفاءات الإلكترونية واستخدام منظومة التعليم والتعلم عن بعد، ومن الجدير بالتنويه إلى أنّ الفترة الأولى لانتشار الحوسبة شملت في حقل الطفولة مجموعة من المربيات ممن يتبعن عصر ما قبل الحوسبة فكانت الحاجة لتهيئة الحقل ماسّة. وكان لمفتشات الطفولة في وزارة المعارف الدور الريادي في إكساب مربيات الأطفال في أطر الطفولة مهارات وأدوات التواصل التكنولوجي، لتفعيل بيئة محوسبة.

حول التجربة السابقة لمربيات الطفولة في مجال التواصل التكنولوجي، أشرن في المحادثات إلى عملية تزويد الروضات والبساتين في مطلع القرن الواحد والعشرين بالحواسيب، ولكن التغطية الفعلية في رأيهن لم تكن تامّة، فبعضها لم يُزوَّد بالحواسيب بتاتًا، وبعضها زُوِّد بحاسوب أو اثنين لا يكفيان لتدريب جميع الأطفال على منظومة التعلّم الإلكتروني، أو حتى لملاءمة قدراتهم للمهارات المطلوبة في القرن الواحد والعشرين، وفي إحدى المقابلات صرّحت المربية بأنها أحضرت حاسوبها الشخصي واستخدمت شبكته على حساب رزمتها الخاص، حين احتاجت إلى حاسوب للإبحار على الشابكة، لتفعيل بعض الأنشطة بمساعدة أجهزة ومنظومات التواصل التكنولوجي؛ كاستضافة كاتب يعرف الأطفال قصته، أو مشاهدة فيلم وثائقي بجودة عالية، أو مشاهدة صور لقصة يقرأها الأطفال والمربية، أو مشاهدة فعالية قام بها الأطفال بأنفسهم.

وفي حين نادت بعض الأصوات في وزارة التربية والتعليم إلى ضرورة توطيد العلاقة بالعالم التكنولوجي، وإلى ضرورة اكتساب مهارات تناسب القرن الحادي والعشرين، علَت في المقابل أصوات تنادي بضرورة تحديد فترة استعمال الأطفال للأجهزة الذكية والتكنولوجية في أطر الطفولة. وتعمل وزارة التربية والتعليم على تشجيع فكرة "البستان المستقبلي" وتنفيذه في العقد القادم كفعل وقائي من المرحلة التكنولوجية الكثيفة والعالم التكنولوجي الذي يولد فيه جيل "ألفا"، وهم الأطفال الذين يولدون بين 2010 - 2025، والذين فتحوا أعينهم على الشاشات، بحسب مصطلح وضعه الباحث الاجتماعي الأسترالي مارك ماكرندل. وتعمل المربيات في البستان المستقبلي على تعزيز التواصل الاجتماعي والعلاقات الأسرية والاجتماعية والعاطفية المباشرة لدى الأطفال مع التركيز على تقنين استعمال الوسائط التكنولوجية؛ لتجد المربيات أنفسهنّ بين مطرقة تكثيف العمل التربوي التكنولوجي وبين سندان محاذير التعلق في الشاشة والإدمان عليها لدى الأطفال في البساتين.

 

أنماط التعلّم عن بعد ووسائطه في ظل أزمة الكورونا

يتمثّل "التعليم الإلكتروني عن بعد" بالأجهزة الإلكترونية، مثل الحاسوب، والهواتف الذكية "سمارتفونات" واشترط وجود شبكة إنترنت تطوّع ما أُفرز من وسائط كالمواقع التعليمية والمكتبات الإلكترونية والمدونات وما إلى ذلك، وتسخّر تقنيات الصوت والصورة والرسومات وآليات البحث، لتضعها جميعها في خدمة التواصل الشعوري والذهني بين المربية وأولاد صفها. وقد اتُّفق على وجود نمطين للتعلم عن بعد؛ الأول ينتهج منهج التعليم الإلكتروني المتزامن؛ ويُقصد به اجتماع المربية مع أبناء صفها في آن معا، بشكل مباشر بتوظيف الوسائط الإلكترونية نحو: الصفوف الافتراضية، محاضرات عبر الفيديو، وغرف المحادثة وما إلى ذلك. والثاني، التعليم الإلكتروني غير المتزامن: وفيه التعليم غير مباشر، يتيح للمربية أن تخزن من خلاله ما شاءت من مضامين، مستخدمة الشبكة العنكبوتية بما تفسحه من مدوّنات، وبريد إلكتروني، ومجموعات واتساب، وغيرها من وسائل.

 اهتمت وزارة التربية والتعليم على التحول الإلكتروني التام في هذه المرحلة، وفي نطاق عملها لضمان التواصل التعليمي الشعوري بين المربية وأولاد صفها تم اعتماد تطبيق زوم، الذي يمكن استخدامه على الحاسوب أو على الهاتف الذكي، ويستوجب وجود شبكة إلكترونية، وهو وفقا لما تراه الباحثتان من أكثر البرامج المستخدمة لإنشاء الصفوف الافتراضية وتناوُل المضامين التعليمية والتربوية. وقد استُخدم البرنامج على أكثر من صعيد، فقد شكّل منصة إلكترونية مع التلاميذ ومع ذويهم، لإطلاعهموحتلنتهم بمواعيد بثّ الدروس والفعاليات الديجيتالية التزامنية باللغة العربية، من خلال إرفاق الجداول اليومية والأسبوعية. كما استُعمل التطبيق في إنشاء مجموعات تعلّم بين المربيات أنفسهن. وقد أوصت وزارة التربية والتعليم باستعمال تطبيق زوم دون إلزام، مع تأمين الشرح الأساسي لطريقة استخدامه، بحسب تصريح بعض المربيات، وأقامت حجرات افتراضية حظيت بتفاعل الأهل أيضًا.

صرحت بعض المربيات بأن التعلم التزامني الافتراضي أصعب من التعلم الافتراضي الفردي، إذ يتعلق بوتيرة الطفل وذويه، فحين يكون الأمر اختياريا يكون التعامل مع الموضوع أسهل. حتى في الوضع الاعتيادي فإن الفائدة المرجوة من التعليم عن بعد كبيرة ولكنها لا تفي بالغرض كليا. فكم بالحري حين تكون فترة أزمة وضغط تتطلب بيئة تكنولوجية افتراضية اضطرارية وقسريّة. وأضافت المربيات أن المعلمات بشر كغيرهن من المتأثرين بالأزمة، ولديهن قلق من الوضع العام، والجميع يعمل عن بعد وكل أفراد البيت يعملون عن بعد أيضا، وتطبيق زوم يحتاج إلى تحميل وتدريب، ويجب أن تعتاد عليه المربية والأهل. لذلك فإن تحديد وقت استخدام زوم في الروضة الافتراضية، بأربعين دقيقة أو أقل، مع تنسيق الموعد مع الأهل بإمكانه أن يفي بالغرض المطلوب ولو بشكل جزئي. ومفاد الكلام، بحسب تصريح المربيات، أن الحقل لم يكن جاهزًا فعليا لاستعمال تطبيق زوم، فكان على المربيات التدرب عليه بوتيرة سريعة، وتدريب الأهل على تحميله، وتذكيرهم بالأمر وتكرار الطلب، ومن المتوقع ظهور بعض العقبات في المرة الأولى.

شكلت الشابكة شرطا أساسيا في تطبيق منظومة التعلم عن بعد، وكان للحاسوب سواء كان ثابتًا أو نقالا الدور الرئيس في إدارة المضامين البيداغوغية، تلاه الهاتف الذكي، ثم اللوح الإلكتروني التابلت. أما منصات التعليم الإلكتروني فقد تعددت وتنوعت، فاحتلت الصفوف الافتراضية واللقاءات التزامنية مع التلاميذ الحيّز الأكبر من بين الخيارات، واستعمل تطبيق الواتساب لإجراء محادثات الفيديو بين المربية وأبناء صفّها بشكل فرداني، زوجيّ ومجموعات من أربعة، وتمّ في بعض الحالات، بناء مجموعات بين المربيات والأهالي لتمرير مضامين أو أنشطة وفعاليات من شأنها أن تأكد التواصل الثلاثي الأقطاب: المربية، أبناء صفها وذويهم. ورغم الاعتقاد السائد لدى المربيات بأهمية إستراتيجية التعلم الوجاهي من حيث الحسية والتفاعلية في تطوير مهارات الطفل وقدراته العقلية، إلّا أنّهن كنّ على إدراك بأنّ لكلّ ظرف احتياجاته، لذلك أنشأت كل مربية مجموعة تعلُّم على الواتساب، تشترك عبرها مع طلابها وذويهم، وتتفاعل مع رسائل هذه المجموعة، بحسب الوتيرة المناسبة لكل مشارك، خاصة أن الأجهزة، كما أنواعها، اختنقت من المواد الإضافية.

واستعمل الواتساب لتبادل الخبرات بين المربيات، فأرسلت من خلاله التساؤلات، الاقتراحات، تسجيلات الفيديو لأطفال يقومون بالفعاليات المقترحة، أو صور للأطفال في بيوتهم وهم منشغلون بتنفيذ فعاليات المربيات المقترحة. ومن خلاله تم إرسال رابط للمربيات والأهالي يشتمل على فيديو إرشادي لمساعدتهم في بناء مجموعات تواصل لعرض، وتذويت طرائق استعمال تطبيق "زوم،" إضافة إلى استعماله في نشر روابط الفعاليات، وبوابات النت، والعارضات الإلكترونية التي تقدّم الشروح حول الفيروس بطريقة يسيرة ومفهومة من الأطفال.

وبرز اهتمام بموقع اليوتيوب الذي استخدم لإدارة بعض المضامين، فأرسلت روابط منه لأفلام وثائقية أو أفلام ذات حبكة، أو أفلام رسوم متحركة، أو تسجيلات وأناشيد لتأكيد تعليمات الوقاية. وقد تمت متابعة مواقع: وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، ومنتدى الأهالي الافتراضي.

أكدت المربيات أن نجاح التجربة في هذه الفترة الحرجة منوط، بشكل كبير، بالمربية نفسها، إذ يُتوقّع منها إدارة المضامين المتوخاة عن بعد واستخدام الوسائط وتقديم المحتوى التعليمي وإيجاد التواصل الشعوري مع تلاميذهن دون أن توفير أي جهد في استثمار الوسائط كالصفوف الافتراضية واللقاءات المتزامنة، فلم تأل المربيات من جهودهنّ في استخدام التقنيات المرئية، والصوتية، من صور وتسجيلات فيديو، وشرائح، وعارضات إلكترونية، وأناشيد، وأفلام، وأشكال متحركة.

 

المضامين

لقد تطرقت المضامين التربوية البداغوغية في مجملها إلى المفاهيم والقيم والمهارات التي من المتوقع أن يتعلمها الطفل في صفه وفقا لما جاء في المعايير التربوية العالمية لجيل الطفولة، فجمعت بين الفائدة والمتعة، وراعت كما هو مطلوب في مناهج جيل الطفولة الجانب التطوري، والجانب الاجتماعي الشخصي، والجانب الثقافي. وتميزت الفعاليات والأنشطة بكونها مستمدة من واقع الطفل ومتناسبة وقدراته الذهنية.

 تنوعت مصادر المضامين فمنها ما اعتمدته وزارة المعارف، ومنه ما تم إنتاجه أو اختياره بمبادرات شخصية من المربيات، ومنه ما كان بتوصية من مرشدات وزارة المعارف جيل الطفولة، أو ما كان بمشورة مركزي برامج الإثراء كبرنامج كاريف.

في المجال العاطفي الاجتماعي: انتُهج العمل في مجموعات الصف الافتراضي والتواصل فيما بين المربية والأطفال والأهالي، ما قد يمنحهم الشعور بالأمان ويحفظ لهم علاقاتهم التي بنيت مع أترابهم. وقد وردت في هذا المجال فعاليات تهدف إلى إكساب وتدعيم العادات والمهارات الأساسية، كفعاليات في مجال النظافة، الصحة والوقاية، وتقديم إرشادات بواسطة سماع أناشيد هادفة تحثّ على غسل اليدين بالصابون.

 

في المجال اللغوي: أوصِيَ بالمحاورات والمحادثات حول موضوع الكورونا والوقاية والإرشادات والتعليمات الصادرة من وزارة الصحة ووزارة المعارف، ما أسهم في اتساع المدارك اللغوية وإلى غنى المعاجم المستعملة في بيئة الطفل واكتساب مصطلحات تنمّ عن وعي وإدراك وفهم. من القصص التي تم قصّها في الصفوف الافتراضية، ما كان بمبادرة شخصية من المربية، ومنها ما تمت إذاعته من الأستوديوهات. ومن فعاليات القراءة ما كان قطريا ومنه ما كان محليا وفقا للمجموعة؛ كقصة مفاجأة، وقصة الفراشات الثلاث، وتم عرض أفلام وقصص مصورة باللغة المعيارية، وانتشر فيديو إرشادي للأهالي لإرشادهم كيف يحكون مع الأطفال عن فيروس كورونا. من ألفاظ المعجم المتداول في يوميات الأزمة عند الأطفال: يحمينا، معقّم، فيروس، مصافحة، معانقة، فعالية، جراثيم، نغسّل، نحافظ... وغيرها.

في المجال الحسي النفس- حركي: تواردت فعاليات وأنشطة تظهر مقدرة جسمانية للأطفال بشكل مفيد وممتع، فتم استعمال مضامين وفعاليات تجمع بين الموسيقى والحركة، واستعمال كؤوس البلاستيك في بناء أهرامات أو صنع ثريّا للسقف، وفعاليات إنتاجية تتطلب معرفة في التعامل مع المواد للحصول على لوحات أو معجونة أو على وجبة، واقتُرحت فعاليات حركية بالطابات والحبال، وفعاليات تلوين مندلات، ولصق أشكال. وتمّ تداول تسجيل فيديو يشتمل على فعاليات تناسق حركية رياضية لمساعدة الأهل على إيجاد فعاليات وألعاب مشتركة مع أبنائهم في تمرير فترة الحجر الصحي، كفعاليات الكريات الملونة، ومختلف التمارين الرياضية المناسبة لأعمار أطفالهم.

 

في المجال العقلي: وردت فعاليات ترمي إلى تنمية قدرة الأطفال على التفكير، كإجراء تجارب علمية لتفحّص تأثير الصابون على الفيروس كتجربة الماء والصابون والفلفل، وأوردت ألعاب حسابية، وألعاب تركيب بازل إلكتروني، ومهام في مجال اللغة العربية والرياضيات من موقع آفاق وهيّا إلى العربية.

 

تحدّيات وعقبات في وجه التعليم/ التعلّم عن بعد في ظلّ أزمة الكورونا

أهمّ الشروط لضمان عمليّة التعليم/ التعلّم عن بعد، توفّر إنترنت وجهاز إلكتروني نحو الحاسوب أو الهاتف النقال أو اللوح الرقمي عند المعلّم وعند المتعلّم؛ ما يعني أن التواصل الإنساني بين طرفي التعلّم والتعليم لن يكون قائما ما دام هناك نقص لأحد أركان التواصل: الإنترنت والجهاز الديجيتالي. تبيّن من فحص تمّ إجراؤه مع المربيات أنّ بعض البيوت غير مزوّدة أو غير مرتبطة بشبكة إنترنت، وبعضها يفتقر إلى وجود حواسيب، وفي بعضها وجدت أجهزة لكنّها غير كافية لجميع الأبناء الذين يتعلمون كلّ في طبقة عمرية مختلفة، وعليه أن يتزوّد بمضامين خاصّة بسنّه.

إضافة إلى ذلك فإنّ انهيال وابل من المضامين البيداغوغية المتوفرة دون تنسيق جداول التعليم الافتراضي المتزامن، جعل الشابكة تنهار تحت وطأة محاولات تواصل التلاميذ والطلاب من كافّة المراحل العمرية، لا سيّما في جيل الطفولة؛ ونتج عن ذلك انقطاع البث، أو عدم التمكن من الدخول إلى الرابط. أضافة إلى الخلل التقني الذي قد يرافق استعمال الحاسوب أحيانا. كما أنّ التطبيقات المعمول بها ذات محدودية في عدد المشاهدين، فتطبيق زوم الموصى به من قبل وزارة المعارف يتسع حتى 300 مشاهد.

وتأتي تجربة التعلم عن بعد في ظل أزمة الكورونا، لتطرح تساؤلات عديدة في المجال المهني، منها: هل كانت جميع المربيات بنفس الجاهزية المهنية والنفسية للتعليم عن بعد؟ وعلى فرض أنّ الغالبية العظمى من المربيات في سلك التربية للطفولة يتبعن الجيل الذي ولد للحاسوب أو تدرّب عليه في بداية طريقه المهنية، فهل طريقة الاستعمال وجاهزيته تامة؟ وهل البرامج التي تم إرسالها للمربيات كانت مألوفة لهن؟ وهل تدربن عليها؟ وما هو الإرباك الذي تمر به المربيات فجأة حين يطلب منها التعليم عن بعد؟

أفادت المربيات أن التعليم عن بعد يحتاج تفهم الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسلوكي للفرد والأسرة، دون علاقة مع فترة الحجر وقرار التعلم مع بعد، لذلك فإن استخدام الغرف الافتراضية، لا يعني أنها ستزاوَل في كل اليوم. ورغم نجاحها نسبيا في فترة الحجر إلا أنه ينقصها التدريب والتحضير. على سبيل المثال، ضمان حاسوب لكل طفل، وألا يؤخذ بالحسبان، كمفهوم ضمنا، أن أسرة الطفل تمتلك حاسوبًا وجهازًا ذكيا لكل أفرادها، رغم أن الحديث يدور حول تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.

وقد جاء التعليم/ التعلم عن بعد ليضع المربية في مواجهة تحديين أساسيين: أولًا؛ التوجه الوزاري نحو البستان المستقبلي، الداعي إلى تقنين الاستعمال التكنولوجي، ما يتعارض بعض الشيء مع متطلبات التعلم عن بعد. ثانيًا؛ تحدّي العودة عن استعمال الشاشات الزرقاء بعد انتهاء الأزمة، وعودة الأمور إلى مجاريها، إذ زادت هذه المرحلة الافتراضية من ارتباط الجميع بالشاشات قسرًا واضطرارًا. وبالرغم من أن الروضات تسير باتجاه البستان المستقبلي والتعليم من خلال التجارب، بعيدا قدر المستطاع عن التكنولوجيا، إلا أن كمية مقننة من التكنولوجيا، كما هو في البستان المستقبلي لا تضر، طبعًا إذا تمت العملية بشكل مدروس.

وبالرغم من تطور وسائل التواصل التكنولوجي المتواجدة بين يدي المربيات والأهل، وبالرغم من ولادة جيل "ألفا" داخل الشاشات الزرقاء، إلا أن إيجاد الحلول العملية بشكل يومي، على يد المربيات من منطلق المسؤولية والإخلاص بالعمل، برأي كاتبتي المقال، ترك أطر الطفولة غير جاهزة نسبيا لمنظومة التعليم التكنولوجي، والتعليم عن بعد. ناهيك عن جاهزية البيوت والأهل، والوظيفة المتعددة للمربية نفسها في ظل الأزمة بين وظيفتها كأمّ ووظيفتها كمربية.

وعلى فرض أن قضية عدم جاهزية الأسر، وعدم جاهزية الجهاز الرسمي لموضوع التعلم عن بعد تنحّت جانبا، يتبقى موضوع جاهزية المربية نفسها خصوصًا وأنها حين كانت تحت الإعداد المهني دُرّبت على البرامج المحوسبة، ولكن أحدا لم يتدرب على استخدامها في ظل الأزمات بحسب ما أفادت المربيات.

إنّ وجود تفاوت في كفايات التعليم عن بعد لدى المربيات أوجد هوة بين الأولاد أنفسهم، فسعت المفتشات بمساعدة المرشدات والمربيات الرياديّات إلى إقبار هذه الهوة من خلال تمكين المربيات من أدوات التعليم الإلكتروني عن بعد، من خلال التواصل الهاتفي، الواتساب وتسجيلات فيديو، وإرسال روابط إرشادية ذات صلة. خاصّة وأنّ المربيات لم يتدرّبن على التعليم عن بعد وإن كنّ قد تدربن في كلّياتهن على التعلّم عن بعد، وشتان ما بين الأمرين.

لذا اضطرت المربية إلى مواجهة العديد من التحديات والتساؤلات خلال التطبيق، فهل ستقوم بفعالية واحدة خلال اليوم بعد ترتيب الأمر مع الأهل، أم أنها ستنتقل من غرفة زوم إلى أخرى دون انقطاع؟ وفي هذه الحالة ما هو المضمون التربوي الذي ستختار، إذ من المتوقع أن يكون المضمون من ضمن فعاليات وبرنامج الروضة والبستان؛ من محادثة، قراءة قصة، أو القيام بتجربة، وما إلى ذلك. وكل هذا يتطلب تحضير مسبق. فعلى سبيل المثال لو أرادت المربية القيام بتجربة الصابون والفلفل والماء المنتشرة على الشابكة، فيتوجب عليها إعلام الأهل بوسيلة التواصل المعتادة معهم، غالبا الواتساب، لتحضير المواد مسبقا، وتذكيرهم بالنشاط خمس دقائق قبل البدء به، وإرسال الرابط المحتلن.

وقد ازدادت هذه التساؤلات في ظل تدفّق الفعاليات بشكل سريع وغير منتظم وفي ظل تذمر الأولاد من عدم القدرة على الفهم والتركيز، وتذمر عدد من الأهالي من عدم قدرتهم على متابعة كل الفعاليات المحوسبة لكلّ أولادهم، وبحسب تصريحات المربيات تبين أنّهن تنازعن أفكارهنّ بين التزود بأجهزة يتقاسمنها مع أفراد الأسرة الآخرين، وتدريب الأهل على إنزال التطبيقات والبرامج التي يستعملنها، والتأكد من وجود جهاز متاح ومناسب لأبناء صفهنّ في بيوتهم، لا يتنافسون عليه مع أفراد أسرتهم، والأصعب من ذلك، وتقرير الموعد المناسب لتقديم الدرس وما هي مدته، والتأكد من مشاركة الأم في اللقاء الافتراضي، والاهتمام بجهوزية الأجهزة. حتّى أنهن لجأن في خطوة احترازية إلى تنبيه الأهل للظهور بمظهر محتشم ومتواضع، فلربما لم تنتبه إحدى النساء إلى التصوير، خاصة وان الآباء قد يشاركون أيضًا في اللقاء، مما استوجب لفت نظر الجميع. وهنا برز دور المربيات في تطوير مهاراتهن وفي تقديم المضامين، بشكل أكثر اتزانا ورويّة واحتواء حتى لو تطلّب الأمر وقتا إضافيا.

وأخيرًا، من الواضح أنه تمت تهيئة الحقل من ناحية مهنية، دون علاقة مع فترة الطوارئ، ولكن السلطات المحلية لم تؤمن بشكل كامل كل الأطر التربوية، من ناحية الأجهزة والشبكة.

من المؤكد أن التعلم الفعال البعيد عن التكنولوجيا الافتراضية هو الأنسب، إلا أن توظيف التكنولوجيا في خدمة التربية والطفولة في فترة الأزمة بإمكانه أن يسد ثغرة كبيرة في هذه الفترة، على أن يكون مرنًا ومريحًا ومناسبًا لجميع الأطراف مع التأكد من مناليته وإمكانيات تنفيذه.

من هنا، الاستعداد الكبير لدى الطواقم المهنية في مرحلة الطفولة المبكرة على مستوياتها يستحق الثناء، وربما تكون هذه الأزمة فرصة لتنظيم التواصل مع الأهل في فترة الأزمة وبعدها.

2020-03-20