السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المنظمات الشبه عسكرية التي أقيمت في فلسطين قبل النكبة النجادة (3)... تميم منصور

بعد ان أصبحت النجادة حقيقية واقعة، التحق بها فريق كبير من الشباب المثقف وحملة الشهادات العليا والثانوية،  انتشر المؤيدون داخل القرى والمدن العربية حتى وصل أعضاؤها الى الآلاف  ولما اطمأنت الى قوتها ، أقامت في مدينة يافا عرضاً عسكرياً كبيراً ، فكان العرض الأول من نوعه في البلاد، شارك في هذا العرض من الشباب المدربين بزيهم العسكري الموحد،كما شارك في العرض فريق من البحارة، وقد حضر هذا الاحتفال جمهور كبير من المواطنين ، وعدداً من الزعماء ووجهاء المدينة

في الكلمة التي ألقاها رئيس الحزب العربي عبر عن تشجيعه ومحبته للنجادة، الا أن الحقيقة غير ذلك، فقد أثبتت الأيام أن هذا الاحتفال قد أظهر النجادة  بقوتها ووحدتها أمام زعيم الحزب جمال الحسيني، وهذا من شأنه أن يدخل الشك لدى هذا الرئيس، ويجعله يخشى تنامي قوة تنظيم النجادة، ويرى به تهديداً للزعامة السياسية .

هذه المخاوف دفعته لتشجيع هذا التنظيم من الخارج في الظاهر، ومحاربته سراً من الداخل، وقد ذكر حسين الخالدي في مذكرات خاصة، أن خصوم منظمة النجادة، استعملوا سلاح الاشاعات ضد هذا التنظيم، مما دفع النجادة في بلاغها الثالث ان ترد على حرب الاشاعات معلنة انتماءها السياسي لصاحب السماحة الحاج امين الحسيني شخصياً ، وهذا يعني ضمناً بأن النجادة لا توافق على سياسة الحزب العربي ورئيسه جمال الحسيني ، وقد بررت ذلك بأنها ترفض أساليب الهتاف والتصفيق التي اشتهرت بها مهرجانات الحزب العربي ، وأعلنت ان غايتها خدمة الأمة والبلاد بالطرق الفعالة لا هتاف ولا تصفيق ولا دعاء ولا تهويش ومن جهة ثانية فقد اعلن تنظيم النجادة بأن القوة تأتي بفعل التنظيم والتدريب على أسس علمية عصرية وثورية ، على ان تكون بالتعاون والمشورة .

رفضت النجادة في بيانها الثالث الارتجال والفوضى والاستبداد الفردي والجهل القاتل ، هذا الموقف الصريح اجج الصراع بين النجادة والحزب العربي .

كتب أحد أعضاء النجادة المركزيين الأوائل " خيري أبو الجبين " في كتابه " قصة حياتي " قال بعد أن ازداد عدد أعضاء تنظيم النجادة داخل النادي الرياضي الإسلامي في يافا ، رأي مجلس الإدارة التابع للنادي انه من الأفضل ان تستقل النجادة عن النادي الإسلامي ، والاجدر ان تتخذ لها مقراً جديداً ، وقد أصبح ذلك ممكناً لأن الانتساب والاشتراكات زادت نظراً لازدياد عدد افراد النجادة فأمكن استئجار مقر خاص للنجادة.

أما بالنسبة للتدريب العسكري لمنظمة النجادة ، فقد تولى مهمته التدريب في البداية "صلاح الحج منير" الذي كان في السابق ضابطاً في الجيش البريطاني اثناء الحرب العالمية الثانية ، وقد اجرى التدريب في البداية في ساعات المساء فوق عمارة النادي، وقد اقتصر هذا التدريب في البداية على التمارين الخاصة باللياقة البدنية والمشي العسكري، ثم انتقل بعد ذلك الى التدريب على فك وتركيب الأسلحة الخفيفة ، تم التدريب الفعلي على استخدام السلاح وقد تدربت الافواج الأولى على الرماية في قرية عرب " أبو كشك " الواقعة شرقي مدينة يافا .

هذا وقد استمرت مهمة التدريب وازداد نطاقها فيما بعد وغالباً ما كان يتم في القرى المحيطة بمدينة يافا ، ثم انتقلت ساعات التدريب الى أماكن أخرى من فلسطين ، كل في موقعه وقد تم تعيين بشير القيشاوي مدرباً عاماً للنجادة ، وخصص لكل فرقة من فرق النجادة مدرباً محلياً أو أكثر خاصاً بها ، لكن المشكلة كانت دائما قلة توفر السلاح اللازم لمثل هذا التدريب ، والأسلحة التي توفرت كانت قديمة ، غالبيتها من مخلفات الحرب العالمية الأولى .

قررت قيادة النجادة بعد أن شعرت بأن اقدامها أصبحت راسخة وان الاقبال والانتماء لهذا التنظيم لم يتوقف ، قررت ارسال الفرقة التي شاركت بالاستعراض في مدينة يافا الى لبنان ، للتعرف اكثر على النجادة اللبنانية وانظمتها وقادتها ، وقد وصل المشاركون في هذه الرحلة الى بيروت ، حيث استقبلهم فيها عدنان الحكيم قائد لواء بيروت ، اقاموا بضعة أيام في مقر النجادة اللبنانية ، حيث تعرفوا خلال اقامتهم على " انيس الصغير " الذي يشغل القائد العام للنجادة اللبنانية ، وعدداً من زملائه ، أثناء اقامتهم في بيروت تعرفوا على كافة أنظمة النجادة اللبنانية وقوانينها ، كما تعرفوا على الأنشطة التي يقوم بها هذا التنظيم في لبنان ، وتعلموا نشيد النجادة الذي يبدأ :

" نجادة يا وجه العلا " .

عاد وفد نجادة فلسطين من زيارته للبنان وهو أكثر حماساً وعزماً على توسيع دائرة النجادة ونقلها الى غالبية المدن والقرى الفلسطينية ، وبعد عودة هذا الوفد ازداد عدد المنتسبين الجدد الى هذا التنظيم ، وكان من بين هؤلاء " عبد الغني الهباب " الذي أصبح فيما بعد قائداً لمنطقة يافا ، كما انضم " خليل الشاعر "  و " رفيق السعيد " و " بشير القيشاوي " وغيرهم من الشخصيات الفلسطينية المعروفة .

بعد توفير هذا العدد الكبير من المنتسبين اصبح لا بد من التنظيم ، فقد تم انتخاب لجنة تنفيذية للنجادة من بين أعضاء المجلس الأعلى ، وتألفت هذه اللجنة من المحامي محمد نمر الهواري قائداً عاماً ، رشاد درويش الدباغ سكرتيراً عاماً ورشاد محمد عرفة أميناً عاماً للصندوق .

بعد انتخاب هذه اللجنة كلف رئيسها الهواري باعداد قانون مشروع النجادة ، فقام بإعداده معتمداً على قانون النجادة اللبناني ، مضيفاً اهدافاً عامة اليه ، تطالب بالتآلف والتعارف وما الى ذلك ، لكنه لم يبرز الهدف الحقيقي من انشاء هذا التنظيم ، وهو التدريب العسكري ، واعداد الشباب للدفاع عن بلادهم امام الهجمة الصهيونية الشرسة.

وافق المجلس الأعلى على مشروع قانون مشروع قانون النجادة ، وقُدم بعدها لدائرة الحاكم في يافا، فوافق عليه في نهاية عام 1945 .

يتبع

 

2020-04-07