الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جدّتي في زمن الكورونا ... بقلم: وفاء بقاعي عياشي

هناك  ما يزلزل دواخلنا،  ويخرجنا من ذواتنا ومكنوناتنا .  تبتهل ارواحانا  في ظل انزياح الغيوم عن مسارها ، لتبعث لنا رذاذا  مشحونا بالعبثية . نتدارك الاحساس بالاحساس المثقل بالتكهنات الغيّبية . اليوم ،  نقف على ظهر الريح ، ونسمع صرير الوقت من خلف ابوابنا المغلقة على ذاتها .

تعلو نبضات قلب جدّة تجاوزت السبعين ، وتسرق نظرة خاطفة من هنا وهناك ..... وتعود لتجلس القرفصاء  على سجادة عائلة نسجتها من خيوط حبّ  واحتواء ، تناجي في صمتها صمت عيون خائفة ، وتبتهل في خلوتها أن يعيد  زقزقة العاصفير على شرفات بيتها . نظرتُ صوب الانكسار الممّتد في عتمة  الروح ، واذ بتهاليل  تتأرجح على اغصان الانتظار في زحمة الانتظار ... وقفتُ الملم ما سقط مني في جوف ذاك البريق المنزاح في داخلي .  تعطلت حواسي الخمسة ... وأخدت نفسا عميقا  لعلي اعيد توازن اضطرابي ، بين خفقة قلب ، وبين ارتعاشات يدي ، وبين خيوط من العتمة تنسج في فضائي ... في زمن اللاكثراث  تجلت صورة جدّتي العائدة من الموت ، لتقف في ضباب اللاضباب وتنظر  الينا ، وتحبس انفاسها  ، وترى غطرسة الوقت في زمن يدَعى زمن الكورونا ... غادرتنا في سلال عمرها الثمانين و رائحة الزعتر والقندول .. ورائحة الحبّ اللامنقوص ، وشيّدتها عيون باكية ..... وما زالت رائحتها تعبق المكان  .  في زماننا المعطوب في ربطة عنقه . يأسرون جدّتي في قاع الزجاجة ، كي تغادر في صمت ، دون اكتراث لجدائل ضفائرها المعلقة على باب الانتظار ... جدّتي في الزمن العبثي المندثر في فيروس تحت مجهر  غير مرئي .... تبكي حصيرتها بنيّة اللّون ، التي مسدّتها على عتبة عشقها  .... ويأتي ذاك المتأرجح في عبارته عبر شاشات العهر ، ليهيؤنا لفراق احبة   ، كأنه يقول في قرارة نفسة " انتهت صلاحيتهم " .. فجأة !! تظهر ُ جدّتي بعصبتها السوداء والليرة الذهبية المعلقة على انحنائة ظهرها لتبتسم  ، وتردَّ ضفيرتها ، وتتمتم اللامسموع في صوتها... وتغادر .... أعود لزمني المنقوص ، انظر حولي ،  فأجد  الغفلة قد سرقت مني  ،  لأبحث عن ضفائر جدّتي في غير زمن الكورونا.

2020-04-10