هناك ما يزلزل دواخلنا، ويخرجنا من ذواتنا ومكنوناتنا . تبتهل ارواحانا في ظل انزياح الغيوم عن مسارها ، لتبعث لنا رذاذا مشحونا بالعبثية . نتدارك الاحساس بالاحساس المثقل بالتكهنات الغيّبية . اليوم ، نقف على ظهر الريح ، ونسمع صرير الوقت من خلف ابوابنا المغلقة على ذاتها .
تعلو نبضات قلب جدّة تجاوزت السبعين ، وتسرق نظرة خاطفة من هنا وهناك ..... وتعود لتجلس القرفصاء على سجادة عائلة نسجتها من خيوط حبّ واحتواء ، تناجي في صمتها صمت عيون خائفة ، وتبتهل في خلوتها أن يعيد زقزقة العاصفير على شرفات بيتها . نظرتُ صوب الانكسار الممّتد في عتمة الروح ، واذ بتهاليل تتأرجح على اغصان الانتظار في زحمة الانتظار ... وقفتُ الملم ما سقط مني في جوف ذاك البريق المنزاح في داخلي . تعطلت حواسي الخمسة ... وأخدت نفسا عميقا لعلي اعيد توازن اضطرابي ، بين خفقة قلب ، وبين ارتعاشات يدي ، وبين خيوط من العتمة تنسج في فضائي ... في زمن اللاكثراث تجلت صورة جدّتي العائدة من الموت ، لتقف في ضباب اللاضباب وتنظر الينا ، وتحبس انفاسها ، وترى غطرسة الوقت في زمن يدَعى زمن الكورونا ... غادرتنا في سلال عمرها الثمانين و رائحة الزعتر والقندول .. ورائحة الحبّ اللامنقوص ، وشيّدتها عيون باكية ..... وما زالت رائحتها تعبق المكان . في زماننا المعطوب في ربطة عنقه . يأسرون جدّتي في قاع الزجاجة ، كي تغادر في صمت ، دون اكتراث لجدائل ضفائرها المعلقة على باب الانتظار ... جدّتي في الزمن العبثي المندثر في فيروس تحت مجهر غير مرئي .... تبكي حصيرتها بنيّة اللّون ، التي مسدّتها على عتبة عشقها .... ويأتي ذاك المتأرجح في عبارته عبر شاشات العهر ، ليهيؤنا لفراق احبة ، كأنه يقول في قرارة نفسة " انتهت صلاحيتهم " .. فجأة !! تظهر ُ جدّتي بعصبتها السوداء والليرة الذهبية المعلقة على انحنائة ظهرها لتبتسم ، وتردَّ ضفيرتها ، وتتمتم اللامسموع في صوتها... وتغادر .... أعود لزمني المنقوص ، انظر حولي ، فأجد الغفلة قد سرقت مني ، لأبحث عن ضفائر جدّتي في غير زمن الكورونا.