الشمس ما بترحمش ولا بتطبطب على الغلابة ، الجسر بيطلع صهد والجوع بينشط بدري اوي والوقت مضرب عن الحركة وكل البوص والحشائش اللي لمتها لا تطعم عنزة ، والبقرة لم تتناول شيئا من أمس ، كادت أن تميل صوب الغروب ، أدرك هذا حين تخفف قدمها من فوق رأسي لتضعها على صدغي ، البقرة ( إنفة ) تشتم رائحة النسيلة و الحشائش الزفرة فتبعثرها وتشيح بوجهها في حزن مكتوم ، البقرة الإنفة لا تخضع مثلنا لسطوة الجوع فتأكل ما أمامها والجوع أفضل طاه ؛ لا إنها تأنف أن تأكل شيئا لا تستصيغه حتى لو كلفها ذلك أن تموت بهدوء .
تجلس منكسة رأسها طويلا ثم ترفعها في إعياء ثم تنظر نحوك ودمعة على وشك السقوط تقتل ما تبقى منك أعيد رحلة البحث عن حشائش بعيدا عن جسر المصرف الزفر . متعمقا في جنينة أحد الأثرياء الذين يضعون على حديقتهم أسلاك شائكة تحول بيننا وبينهم ، إن حاولت العبور تمزق جلد ظهرك ، ولكن استجداء البقرة سوط يلهب كلي ، يلاصق خدي الأرض ، أعبر نحو ضفة الأثرياء والحشائش الزاهية تذكرني بعنترة حين ذهب لأرض النعمان وشاهد لأول مرة النوق العصافير وراح يجري خلفها بجنون ، أخذت أعمل منجلي ويدي أسابق الزمن ، أتخيل عبلتي حين ستشتم رائحة النجيل الغض النقي وتلتهمه وهي تنظر نحوي وعيناها الوسعتان تبتسمان ، نظرت برضا لما جمعت هممت بالنهوض ، ثمرة المانجو الساقطة على الأرض غانية تدعوك للرزيلة في نهار رمضان ، دسستها بحمل النجيل ، هممت بالعودة لعبلتي وإذا بكتيبة من جيش النعمان تحاصرني ، لم أحاول الدخول في معركة فلم يكن معي سيف ولا شيبوب . تقدم كبيرهم : كيف دخلت هنا ؟
أشرت لهم صوب السلك الشائك ، قال بحكمة مؤمن صائم : عشان النهارده أول يوم في الشهر الكريم أنا هسيبك ترجع من مكان ما جيت ، أنساني الارتباك ما يجب أخذه من حذر ، فعاقبني السلك الشائك بأن وضع خطا بطول خدي ، فاختلط دمي بعرقي المتفصد ، حتى صار خدي صفحة نهر يمتزج فيه العرق بالدم ، وعينا البقرة الجائعة ترمقني بدمعة .