السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الشّاعرة الفلسطينة آمال رضوان وعناقيد الفرح في مواسم الرحيل ...بقلم : فوزي الديماسي

الشّعرُ نصُّ وجودٍ، وطريقةُ إقامةٍ في الكونِ الشّعريِّ المُغمّسِ في دموع الحبر وإشراقاتِ الرّؤى، باللّغةِ يَبني أحلامَهُ وعوالمَهُ، وبها يترصّدُ أشجانَهُ، ويقتفي آثارَ الكون فيه، وعلى صهوةِ اللّغةِ يطلبُ أقاصي الجَمال في الرّؤيا والكلمات.

لعبةُ الوجهِ والقفا هي لعبةُ (الشّعر/ الوجود)، وهو (الشّعرُ) نافذةٌ على الأسئلةِ الكونيّةِ المُحايثةِ للذّاتِ الجريحةِ القلقةِ الحائرة، وهو كوّةٌ يُطلُّ منها الشّاعرُ في غفلةٍ من اللّيل، على شروطِ ما تكونُ به الحياةُ حياةً، فيرفعُ بالقول في مدائنِهِ الحبريّةِ عوالمَ بلا عُمُدٍ، شأنُهُ في ذلك شأن الفلسفةِ والفيلسوفِ في علاقتهِ بالكون.

أليس الشّاعرُ ذاك الفيلسوف الّذي ضلّ طريقَهُ إلى ذاته، فيسعى كادحًا لبلوغِها؟

ذلك هو النّظم لعبةٌ مُخاتلة، يُبدي الشّاعرُ ما لا يُعلن، ويُظهرُ ما لا يبطن، لحظةٌ متمنّعةٌ هو، يَقذفُ بك في قيعان الشّكّ والظّنّ الجماليّ والدّهشة، إنّها لحظةُ ابتلاعِ كلِّ شيءٍ واستبطانِه وتَمَثُّلِهِ، لتُبشّرَ الكلماتُ من بعدِ ذلك بولادةٍ أخرى مُغايرةٍ، داخلَ مُدنِ النّصِّ المجبولةِ على التّوتّر والتّضارب، وجمْعِ المتناقضاتِ، والتّأليفِ بين الأضداد، فتكون الصّورةُ بفضل كيمياءِ الرّؤى والكلماتِ، كما الظّلامُ الدّامسُ في وضوحِها، وكدمعةِ طفلٍ في صفائِها.

ذلك هو الشّعرُ، فعلٌ يستغرقُ ترحالَهُ وهمومَهُ بمختلفِ أوجهِها في لحظةِ عزفٍ مُنفرد، تُمارسُ فيها الذّاتُ طقوسَ التّجلّي في محرابِ الغربة، وتُسبّحُ فيهِ بلغةٍ مُكثّفةٍ مُختزَلةٍ استعاريّةٍ بالضّرورة، فتقفُ لحظةَ ولادةِ القصيدةِ على قمّةِ الأحاسيسِ الجريحة، لنُطلَّ مِن مرتفعاتِ السّؤالِ على لوحاتٍ فنّيّةٍ مُثقَلةٍ بهمٍّ ذاتيّ مُوغلٍ في الجنون، إذ يرسمُ الشّاعرُ بماء الشّجنِ وألوانِ الحُلمِ لوحةَ النّظمِ المُلطّخ بالسّقوط قيلًا، واللّائذِ بلعبةِ التّخفّي والتّمويه والتّورية، فيستحيلُ الفرحُ في شرائع الشّعر ذنبًا يُقترفُ، واللّقاءُ موعدًا يَنزفُ، والجرحُ عناقيدَ مِن فرح، وموجُ البحرِ مُدامًا لا يُسكِر، وأناملُ الحبيب شوكًا يوقظ.

تتواترُ المتناقضاتُ، لتصنعَ من الكونِ الشّعريّ فضاءً مُتدثّرًا بالدّهشة، وعالمًا مشحونًا بالمتناقضات، ووجودًا موبوءًا يكتنفُهُ الضّباب، ويمتحُ مِن سجلّاتِ قولٍ لا يُتقنُ فكَّ شيفراتِها ورموزها، إلّا مَن عانقَ الجنونَ في أعلى درجاتِ الحمّى اللّغويّة، في ظلِّ صمتٍ مثقوبٍ، وليلٍ مُشتعلٍ ووهنٍ مغناجٍ، كما في قول الشّاعرة :

(بِوَمْضِ عِطْرِكَ الْعَابِثِ/ مَـضَـيْـتَ تَـتَـخَـفَّـى/ تـقـتـرِفُ تقوَى إشاعةٍ بشوشةٍ/ وأنا في سكرةِ أعماقي/ أثملُ بموْجِ مُستحيلٍ/ لا يُذبِلُ نُواحَهُ جنونُكَ!

أنامِلُكَ.. ما فتئتْ تتندَّى اشتعالاً دامِسًا/ تُقشِّرُ سحابَ وقتِي الموْشومِ بالنّعاسِ!/ ولمّا تزلْ تخلعُ أسمالَ تثاؤُبٍ/ كم تيمّنَ بالأزلْ!

ولمّا تزلْ.. في سديمِ الصّمتِ المثقوبِ/ تمتطي تراتيلَ كَوْني الغافي!/ أَسْرَابُ وَهَنِكَ الْمِغْنَاجِ/     ا نْ سَ لَّ تْ/ تُرَاقِصُ نِيرَانَ أَحْلاَمٍ/ مَا غَابَ طَعْمُهَا عَنِ لِسَانِي!)

لوحاتٌ من مختلفِ الألوان قُدّت، ومن نسيج سمفونيّةٍ عاليةِ الحسّ بُعثتْ، تَركبُ موجَ التّضادّ والجمْع بين الشّيء ونقيضِهِ، لتصنعَ مِن قولِها المعتمِدِ في كثيرٍ مِن الصّور على تقنيّةِ الطّباق، كوْنًا مُوغِلًا في الضّباب والوحشة، كونًا مُتّشحًا بذاتٍ رماديّةِ الهوى، منكسرةٍ مُنتصرةٍ، مُشرقةٍ مُظلمة، تتهجّى صباحاتِها بعُسرٍ على عتباتِ (كونِها الغافي)، وتتوقُ للفجر المُطوّقِ باللّيلِ (اشتعالًا دامِسًا)، وتسيرُ على أديمِ الشّوكِ المُنبثقِ مِن زمنٍ ضاربٍ في الحيرةِ والخوف والأمل، والألم والبوح والذكرى والقلق.

قولٌ يوحي بعُمقِ الجرح الوجوديّ الجاثمِ على صدر القصائد، والقصائدُ مساحاتٌ تُلاعبُ فيها الكلماتُ أضدادَها، لتوحي بغربةٍ ممتدّةِ الأطراف، كما الموجُ المُتكسّرُ على موج الفرح حياتها؛ (حَطَّمَتنِي عَلى شِفاهِ فرَحٍ)، ليُخلّفَ القولُ من ورائِهِ زبدَ الأمنيات، كما "الفراش المبثوث" على أديم السّقوط، وصخبُ الحياة في الوجودِ مُتدفّقٌ مِن مرتفعاتِ الفرحِ السّرابيّ، ومن (حقولُ شَقاوَتي).

ورغم أنّ القصائدَ بكثرةِ استعمالِها للأفعال (حطّمتني/ لم ينس/ نضبت/ تهالكت) دون الأحوال توحي بالحركة والحياة وصخبها، إلّا أنّها حياةٌ باهتةٌ ثابتة في همّها، كما في قولها :

(كُؤوسُ ذِكراكِ/ حَطَّمَتنِي عَلى شِفاهِ فرَحٍ/ لَمْ يَنسَ طَعمَكِ المُفعَمَ بِعِطرِ الآلهَة

وَأَنا../ ما فَتِئتُ خَيطًا مُعَلّقًا بِفضاءِ عَينَيْكِ/ مَا نَضُبَتْ عَلائِقي الوَرْديَّةُ مِنكِ/ وَلا مِنْ نُضرَةِ سماواتٍ مُرَصَّعَةٍ بِانْثِيالاتِكِ اللاَّزُورديَّة!

حقولُ شَقاوَتي../ تَهالكَتْ عَلى وَصْلِ غَيْثِكِ/ كَمْ تاقتْ تَخْضَرُّ بينَ ثرثرةِ أَنامِلِك/ وَكَمِ اسْتغاثتْ/ أَنِ اجْبِلِيها بِعصا خُلودِكِ عصافيرَ نَدِيَّةً/ تَرتَسِمُ دَيمومَةَ لَوعَةٍ بِضَوْءِ عُهْدَتِكِ العَصِيَّة!

مُهْرَةَ رُوحِي الْحَافِيَة/ أَلاَ هُزِّي عَتْمَةَ وَجْهِي الذَّاوِيَة/ سَرِّحِيهَا نَوْرانِيَّةَ عَدَالَةٍ فِي مَسَامَاتِ جِهَاتِ مَوازينِكِ/ عَلَّنِي أَنْغَمِسُ بِكِ خُبْزَ بَرَاءَة.

إنّ مناخاتِ الشّعر في كتابات الشّاعرة الفلسطينية آمال عوّاد رضوان، نحتٌ على صخر الأوجاع، بحروفٍ من دمع وعريّ وغربةٍ ووجع، وبحثٌ دائمٌ عن عناقيدِ الفرح في بساتينَ خاويةٍ، وترحالٌ دائمٌ في كثبانِ الهمّ الجوّانيّ والبرّاني، وسفرٌ في الألم الذّاتيّ والموضوعيّ.

إنّها كتابةٌ تؤسّسُ لزمنٍ وليدٍ، تطلبُهُ ولا تُدركُهُ، لا راحةٌ فيه تُزمّلُهُ، ولا سكينةٌ بين أجنحتِهِ يتوسّدُها، بل هو التّعُب الوجوديُّ المُتلبّسُ بكلّ شيء، ضبابٌ يلفّهُ ضبابُ نصوصِها، والحروفُ في نسيج القصائدِ كبيْتِ العنكبوت، بل هي أشدّ وهَنًا، ترسمُ عالمًا بلا خرائط حدودُهُ، وبلا ماءٍ كيانُهُ، لا خصبٌ فيه ولا ضياءٌ، بل هو الخرابُ يعصفُ بكلّ شيء: (وَسائِدَ ضَبابِيَّةٍ/ أشواك الشمس/ ألوان فراغك/ مواعيد رخوة...).

في ظلّ تداخُلِ القيمِ، وموتِ الحياة على عتباتِ الظّنّ والنّصّ، هناكَ صوتٌ مبحوحٌ وصورٌ رماديّةُ الخطواتِ والملامح، وناسلةٌ من سجلّات الوجع، تتوسّلُ باستعاراتٍ وتشبيهاتٍ تُحيلُ على أكوانِها الشّعريّةِ الرافلةِ في الألم، كأن تُرسلُ الشّمسُ شوكَها على الكون المُسيّج بوسائدَ من ضباب، وحبرٍ يَمتحُ من الفراغ، ليسبغ على الهباء صورةَ الحبيب الضّارب بجذوره في الغياب، حتّى الموت استحالَ من فجيعةٍ بكثافةِ حضوره وتَعدُّدِ مَظاهرِ تمثُّلِهِ، إلى مواسمَ باهتةٍ ومواسمَ بلا لون، مَذاقُهُ فراغٌ يُولدُ من فراغ كمناديلِ العشّاق، وقد استحالت مخالبَ، تُمزّقُ الفراشاتِ ومواقيتَ الفرح واللّقاء، كما في قولها :

(كَوْكَبَةٌ مِنْ وَسائِدَ ضَبابِيَّةٍ/ تَغَشَّتْ أَمْواجِي.. بِأَشْواكِ الشَّمْسِ/ وَلَمْلَمَتْ بِتَوْبَةٍ هادِرَةٍ حِبْرًا/ وَسَمَتْهُ أَلْوانُ فَراغِكِ/ بِمَواعِيدَ رَخْوَةٍ.. انْطَفَأَتْ صامِتَة!

عَلى إِيقاعاتٍ جَنائِزِيَّةٍ باهِتَةٍ/ أَبْحَرَتْ أَهِلَّةُ الْكَلامِ.. بِكَوْنِ أَسْرَارِكِ/ لِعَمِيقِ مَجْدٍ عَتِيقٍ مَسْلُوخ!

مَنَادِيلُ أَمَاسِيكِ جَارِحَةٌ/ تُ مَ زِّ قُ مَآقِيَ فَرَاشَاتِي/ بِتَنْهِيدَاتِ بِلَّوْرِهَا.. بِأَقْفَاصِهَا الْمُفَخَّخَةِ/ كَيْفَ أُغَافِلُ مِحْرَقَةَ ضَوْضَائِكِ/ وَفِي قَوَافِي هَوَادِجِي.. أَبْجَدِيَّةٌ تُزَمْجِرُ وَلاَ تَنْطَفِئُ؟

مَوَاسِمُ وَيْلاتٍ ذَابَتْ أَحْبَارُهَا/ فِي هَشِيمِ مَحَابِرِكِ الْمَغْدُورَة/ دُوَاةُ الطُّهْرِ.. تَوَهَّجَتْ بِآثَامِهَا الشَّاحِبَة/ وَعُيُونُ الْبَنَفْسَجِ اصْفَرَّتْ بِفُوَّهَةِ أَلَقِها/ أَكَأَنَّمَا شُرِّعَتْ.. لِطَرْفَةِ احْتِضَارٍ لاَ يَرْمشُ؟

أَيُّ جُنُونٍ ذَا.. يَرْتَجِي خُطَى التَّمَاثِيلِ تَمَهُّلًا؟/ أَيُّ فَجْرٍ ذَا..يَتَشَرْنَقَ دَيَاجِيرَ مَنْفًى/ عَلَى جُفُونِ الْمَغْنَى؟/ كَيْفَ لانْحِنَاءَةِ زَفْرَةٍ.. تسْتَقيمُ شَهْقَةً/ فِي فُؤَادِ الْمُسْتَحِيلِ؟

وِشَايَةُ سِرَاجِكِ../ أَسْرَجَتْ تَجَاعِيدَ زَمَاني.. بِمَرَايَا الْخَطَايَا/ غَطَّتْ أَرْوِقَةَ غُرْبَتِي.. بِأَدْعِيَةٍ ضَبَابِيَّة!

ضِحْكَةٌ مُتَثَعْلِبَةٌ ارْتَجَفَتْ.. طَيْشًا/ وَ ا نْ هَ مَ رَ تْ/ خَلْفَ سُدُودِ هَوَاءٍ جِدَارِيٍّ/ كم تَهَالَكَ صَدَاهَا../ عَلَى قَارِعَةِ نَهْدِ عَاصِفَةٍ!

سَلْمٌ.. يَصْعَدُ دَرَكَاتِ سُلَّمِهِ/ يَفُكُّ خِمَارَ انْتِظَارٍ.. تَوَارَى خَلْفَ أَزْرَارِ أَدْرَاجِهِ/ وَيسَقُطُ عَارِيًا.. إِلّا مِنْ عُرْيِهِ!

لكِنَّهَا/ مُدُنُ غُفْرَانِكِ الْمُقَنْدَلَةِ بِفُصُولِ خُيُولِكِ/ أبَدًا.. مَا طَالَهَا زَبَدُ يَأْسٍ/ وَإِنْ عُلِّقْتِ.. عَلَى أَسْوَارِ أَعْرَاسٍ مُؤَجَّلَةٍ/ وَإنِ اعْشَوْشَبَ فُسْتَانُ زَفَافِكِ.. كَفَنًا

لَيْلِي اتَّقَدَ.. بِظُلْمَةِ حِكَايَاتٍ مَخْمُورَةٍ/ وَبِرَعْشَةِ بَدْرٍ احْتَلَكَتْ ضَفَائِرُ شَحَارِيرِي/ تَتَوَسَّلُ بُؤْرَةَ ضَوْءٍ.. أَغْلَقَهَا طِينُ الْعَتْمِ

لكِن../ غُبَارَ عَيْنَيْكِ طَوَى آمَالِي/ تَعَرْبَشَ أَدْغَالَ احْتِرَاقِي/ وَمِنْ عُمْقِ الظَّمَأِ انْبَثَقَ سَاقِي أَتْرَاحِي/ يَعْتَصِرُ صَوْتيَ الْمَحْشُورَ.. فِي أَوْرِدَةِ الأَقْدَاحِ!

كَمْ مِنْ لَهْفَةٍ جَذْلَى.. تَلصَّصَتْ خُصُلاَتُها/ عَلَى أَكْتَافِ الأَوْهَامِ.. وَمَا انْكَمَشَتْ!

أَيَا أَنْقَى الأَتْقِيَاءِ../ يَجْتَاحُنِي فَقْدُكِ التَّوْأَمُ!/ كُوبُ تَ بَ عْ ثُ رِ ي/ يَلْثَغُ عَلَى شِفَاهِكِ شَقَاوَةً:

أمَّاااااااهُ.. قَاطِرَاتُ وَجَعٍ../ تَلَوَّتْ عَلَى سِكَّةِ يَقِينِي الْمُهْتَرِئَةِ

ملَاءَاتُ خَرَائِطِي../ تَنْقُضُنِي.. تَنْفُضُنِي مِنْ تَحْتِ عِطْرِ أَكْفَانِي/ تُؤَرِّقُنِي.. تُورِقُنِي قَصَائِدَ عُمْرٍ مُقَنَّعٍ بِطَحَالِبِ طَلْعِكِ!

نَوَافِيرُ شِعْرِي مَا ازْدَهَرَتْ.. إِلَّا بِحَرِّ حَرْفِكِ/ يُمَوِّجُنِي بِسَطْعِ نَقَائِكِ

أَيَا أُقْحُوَانَةَ الثَّغْرِ اثْغَرِّي../ أَسْقِطِي أَسْنَانَكِ الرَّوَاضِعَ/ قَلِّدِينِي بِفَوْحِ مِسْكِكِ وَسَامَةً/ شُدِّينِي وَمْضَ نَقَاءٍ إِلَى عَيْنِ رَبِيعِكِ

وَفِي تَهَاويمِ مَجْدِكِ/ أَنْبتِينِي أَيادِي طُفُولَةٍ.. تُمْسِكُ بِالشَّمْسِ/ لِتَسْتَوِيَ عَدْلًا عَلَى جُزُرِ النُّورِ!)

إنّ شعر آمال عوّاد رضوان فضاءٌ يتضايفُ فيه المُقدّسُ والمدنّسُ، واللّيلُ والنّهار، والخصبُ والقحط، والفرحُ والحزن، والفراغُ والامتلاء، كما تختلطُ فيه الألوانُ، لتصنعَ من كيمياءِ الفجيعة مناخاتٍ، توحي بعُمقِ الألم الذاتيّ والموضوعيّ في لوحةٍ رماديّة، مُتوسّلةً في رحلتها الشّعريّة تلك باستعاراتٍ وتشبيهات، تزيدُ النّصَّ غموضًا ورهقا، وتُثقلُ أكوانَهُ بضبابيّةٍ متلبّسة بكلّ تفاصيلِهِ ومفاصلِه، لتُحيلَ بألوانها وخطوطِها على عمق جرح الشّاعرة الذاتيّ والموضوعيّ على حدّ السّواء، ذلك هو فعل الشّعر لديها، هو تصويرٌ لأكوانٍ رابضةٍ في الطويّة وظلامها الدّامس، تتحيّنُ فرصةَ الخروج على النّاس بكلماتٍ مغمّسةٍ بالوجع والضّوء، في اقتفاءِ آثارها والإنصاتِ لحفيفِها، ندخل مدنها الخفيّة اللاّئذة بصمت مضمّخ قيلا.

2020-05-01