أسأتَ فهمي يا صديقي، فأنتَ في الكربِ رفيقي، وفي المسّراتِ شريكي نلهو ونلعب للتّرفيهِ، نرسمُ معًا خارطةً فيها دليلُ الطريقِ، صراعنا ليس إلّا ومضاتٍ تمّهدُ لِوئامٍ جديدٍ.
نركبُ موجةً في قاربِ الرحيلِ، ثمّ تنوءُ بِنا الأشرعةُ لأبعدِ المرافئِ، ندفعُ مجدافَ السّفينةِ صوبَ الرجوعِ، ونشتمُّ عطورًا قدْ عهدْناها، ونسيمًا قدْ لاعبْناه.
في السلوةِ نتسامرُ، نتسربلُ حريرًا منَ القزّ، قدْ نسجناهُ معًا، لِنُحلِقَسابحينَ في ملكوتِ السماواتِ، والأرضِ تلتقطُ رذاذ حروفِنا الأولى.
كُنْ معي يا صديقي، لا تكُنْ عثرةً في طريقي، فالأيّامُ تمضي، ونحنُ في الكروبِ تائهينَ.
في المسّراتِ نرسمُ أقداحَ الفرحِ منتشينَ، وسكونٌ يقطنُ فينا، ثمّ نهتدي إلى رصيفِ العبورِ.
معًا تنجليليالينا، وينبلجُ فجرٌ جديدٌ، يُداوي جروحًا أعيَتْ نفوسَنا .
يوم استقلالهم يوم نكبتنا!
حجرٌ على حجرٍ تتكوّمُ صخورُ بلادي، ناطقةً منْ ظلمٍ وافتراءٍ.
مرّ الرّاحلونَ من هنا، عبروا حقولَ الرّبيعِ، سخّروا ما فيهم محمّلينَ لاجئين، إلى بلادٍ طال فيها الرّحيلُ مُرغمينَ.
سفرٌ على سفرٍ، حطّوا الرّحالَ في بلادِ الغريبِ، حلمٌ يسكنُهم بحتميّةِ الرّجوعِ، وهيهاتْ!
الحُرّ تُؤازرهُ المِحَنُ حتّى السُقمِ، أرواحٌ عاريةٌ تهيمُ في بلادِ الغرباءِ، وفي بلادي ربضَ أحرارٌ آخرونَ يُناوئونَ الرّيحَ، بهِمّةٍ وزئيرٍ يجلجلونَ أجراسَ الصمودِ.
مآساةٌ ثمّ مآساةٌ، وحربٌ ضروسٌ في نقشِ حروفٍ، لا يُساورُها شكٌّ، في أنْ تبقى علياءَ في بلدِ الأسُودِ، لِتبقى حافرةً ترابَ الرّمقِ الأولِ والآخيرِ، لا يثنيَهُم غدرٌ ولا طاغوتٌ.