يراوح المهتمون برصد صورة اليهودي في الرواية والدراما العربية بين الوعي بان يهود المنطقة جزء من تاريخها والميل الضمني الى التمسك بفرضية اختصارهم بالحركة الصهيونية وبدايات مشروعها الاستيطاني في فلسطين ولا يخلو الامر من التسطيح والاستخدامات الدعائية اذا اقتضت الضرورة.
في الظروف العادية يفترض ان يتسع ذلك الوعي الى الحد الذي يتيح تصورا حقيقيا للحضور اليهودي الذي كان بشكل او بآخر جزء من تركيبة بعض المجتمعات العربية واستمر على هذه الحال حتى ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي التي تحولت بفعل تداعيات المشروع الصهيوني في المنطقة الى محطات فرز لذلك المكون عن بقية المكونات.
لتجنب خلط الاوراق وفوضى التفكير والنقاش العبثى او الانزلاق الساذج لتديين الصراع يمكن الاستدلال على بذور مثل هذا الوعي في قراءات ناضجة للتاريخ والعثور على روافعه في آليات تفكير حركة التحرر العربية وطروحاتها التنويرية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حيث ميزت ادبيات معظم القوى السياسية التي تصدرت المشهد بين اليهود والحركة الصهيونية.
ومن الطبيعي ان لا تنسحب الخلافات حول التفاصيل على دور الابداع ـ ولا سيما الرواية والدراما ـ في قراءة ورصد المجتمعات ومحاكاة تحولاتها وتناول علاقاتها الداخلية الامر الذي يشمل جميع المكونات بما في ذلك الوجود اليهودي الملتبس في فلسطين والمنطقة العربية.
يتجاوب مع هذه البديهية اعتقاد بصلاحية ابداعات الروائيين والشعراء العرب في المناطق المحتلة عام 1948 لان تكون مثالا حيا على التعبير عن شمول الحياة اليومية لمكونها اليهودي الذي تتباين اشكال حضوره بناء على الواقع المعاش وتخيلات ورؤى المبدعين.
سياقات طرح مثل هذه القضايا مفتوحة على نقاشات اكثر عمقا واحاطة تتناول نتاجات روائية ومسرحية غربية اشتبكت مع المسألة اليهودية في الغرب من جوانب مختلفة لامست حساسية علاقة يهود تلك البلاد بمجتمعاتهم ونظرة المجتمعات الغربية للمكون اليهودي.
صعوبة الاختلاف حول هذه المسلمات تعيق العثور على مبررات مقنعة للتابوه اليهودي وقد ينتهي الامر الى البحث في مطارح اخرى بعيدة عن مشروعية الطرح مثل قلة الثقة بالنتاج الابداعي العربي القابل للتوظيف والاستخدام السياسي او ارتياب الوعي الذي اعتاد الخلط بين اليهود والحركة الصهيونية وربما غياب القدرة على وضع فواصل بين تهويلات الهولوكوست من جهة وممارسات الاحتلال الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية.
هشاشة الواقع العربي وهزائمه السياسية واصولية واجهاته الثقافية وغياب الوعي حول طبيعة الصراع مع الحركة الصهيونية بعض اسباب تحويل الاخر اليهودي الى تابوه في الرواية والدراما العربية او توظيفه في معارك دون كيشوتية حين تتاح الفرص لكن مثل هذه الاسباب لا تعفي المبدعين العرب من المساهمة في قراءة تحولات المجتمع والمنطقة بالشكل الذي يساهم في تحديد الهوامش الملتبسة وصياغة وعي يشتبك مع المشروع الصهيوني في بلادنا ويكشف عنصريته وابعاده التوسعية والاستيطانية دون شيطنة ضحاياه من اليهود.