الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ماذا يصنع إعلامنا؟...ناريمان شقورة

 (جورج فلويد وأحمد عريقات)

 

ما أن قُتِلَ المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد أحد عناصر الشرطة في ولاية مينيسوتا الأمريكية، حتى انقلب العالم رأساً على عقب، باحتجاجات عمت عواصم عالمية، ولم تقتصر فقط على الولايات المتحدة، بل وكانت أبرز انعاكاسات تلك الحادثة التي لاقت تعاطف العالم بأسره بما فيه العالم المضطهد أصلا، أن أسقطت تماثيل في دولة أوروبية مهمة عمرها سنوات طوال، لمجرد أن تبين أنها تعود لأشخاص مارسوا العنصرية أو اضطهدوا العمال، كما حدث في بريطانيا حيث اسقط تمثال روبرت ميليغان من أمام متحف لندن دوكلاندز لكونه أحد تجار العبيد المشهورين، رغم إسهامه الكبير في بناء مشافي ومؤسسات لصالح الدولة، وتبع ذلك مراجعة كل أسماء التماثيل المقامة في بريطانيا لدراسة تاريخ أصحابها وما إن كانوا ذا صلة بالعنصرية لاتخاذ إجراء مشابه، وفي مدينة بريستول من قبله تمكن المواطنون من جمع تواقيع لعشرة آلاف منهم لإسقاط  تمثال البرلماني إدوارد كولستون  الذي ترأس الشركة الإفريقية الملكية لتجارة العبيد  في القرن السابع عشر وكان يأتي بالأفارقة إلى الولايات المتحدة ويبيعهم كعبيد، ومات خلال تلك الحقبة حوالي ثلاثين ألفا منهم أثناء نقلهم، على الرغم من أنه يلقى احترام السلطات في بريستول لكونه أنشأ مدارس ومؤسسات خيرية فيها، لكن حراك المواطنين أحدث تغييرا وتم إزالة التمثال بحضور جماهيري واسع وتصفيق وهتافات، وطبعا هناك عواصم أوروبية أخرى تتخذ خطوات مثيلة.

بالإضافة إلى كل ما سبق فالأخبار تشير إلى دراسة تغيير القوانين والتشريعات في الولايات المتحدة وأوروبا منعا للعنصرية وحدا من استبداد الشرطة و......الخ.

 

ما وددت طرحه هو عجزنا الميداني والإعلامي الذي لم يصل إلى العالم، رغم امتلاكنا الانترنت على أقل تقدير، ورغم إتقان غالبية الفلسطينيين اللغة الانجليزية، إلا أننا عاجزون عن الوصول للعالمية لقلب الطاولة على "إسرائيل" فالمشهد الذي هز عالم وحركه ورغم جائحة كورونا، لم يكن جديدا علينا كفلسطينيين فهو يتكرر بشكل دوري مستمر، يقتل الفلسطينيون وخاصة القاصرين على مراى المارة بدم بارد، وأحيانا على سبيل ترفيه الجنود عن أنفسهم والتسلية، ويوميا  يقود جنود الاحتلال الفلسطينيين بأقسى أنواع العنف وتحت تهديد السلاح إلى الأسر سواء أكانوا أطفالا أو نساءً أو شبابا وشيوخا، سواء كانوا أناسا عاديين أو حتى رجال دين، فلا احترام لقدسية الأديان ولا لأبسط حقوق الإنسان، ولطالما منعت سيارات الإسعاف من الوصول لمن ظل بهم أنفاس أخيرة يمكن إنقاذها وتركهم يصفون دمائهم حتى الرمق الأخير، ولطالما تكرر مشهد وضع البستار (الحذاء العسكري) على رقاب الفلسطينيين أثناء اعتقالهم.

وحتى تاريخ كتابة المقال بـ 23/6/20 أعدمت قوات الاحتلال الشاب العشريني ( أحمد عريقات) أثناء قيادته سيارته لإحضار والدته وشقيقاته من صالون للسيدات، حيث زفاف إحدى شقيقاته، وحولوا العرس إلى يوم أسود وحزين، وبأي ذنب؟؟ لا ذنب له إلا أنه كان متلهفاً لرؤية شقيقته بالأبيض!! وبدل أن يزف أخته بالأبيض هو من كفن بالأبيض.

لم صوتنا مكتوم وكأنه أخرس؟ لماذا لا تصل مشاهدنا التي نوثقها بالكاميرات الإعلامية والأجهزة الذكية إلى العالم لينتفض رفضا لقهرنا؟ لماذا قتلنا لا يحرك ساكنا؟ لم دماؤنا مستابحة وبغير ثمن؟؟

ألسنا بحاجة إلى إعلام رسمي قوي وناطق باللغة الإنجليزية ليصل إلى العالم بأجمعه؟؟ ألسنا نفتقر إلى الماكنة الإعلامية التي تقلب الأمور وتغير الموازين، ألسنا نباهي العالم بارتفاع نسبة التعليم لدى الشعب الفلسطيني، لكن أين هو انتاجنا شعبيا ميدانيا ورسميا في كل المجالات!!  أين نحن من صفقة القرن وضم الأغوار؟ والقتل اليومي العمد!!

حتى المواطن الصحفي الذي ينقل بكاميرا هاتفه الذكي الحدث الكفيل بقلب الطاولة، لم لا يستغل مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى عالٍ وبتكلفة بسيطة من خلال نقل الحدث باللغة الانجليزية وتعميمه وجعله تريند عالمي،  وإن لم يفعلها بنفسه توجب ذلك على صناع القرار، وعلى كل من يرتاد المواقع من كل شرائح المجتمع مشاركته وتعميمه، فنحن من أوائل الدول التي حظيت بالانترنت في المنطقة العربية.

نحن لا نتجاهل عنصرية العالم الذي يرى بعين واحدة، ويتجاهل الشرق الأوسط والعرب تحديدا لكننا قادرون بالإرادة تغيير هذه العنصرية وقلبها لصالحنا.

وفي ختام كلامي، كل ما نريده هو مواقف دولية عالمية يصنعها الإعلام القوي الناجح، وعلينا التأكد من أن إيصال صوتنا لنا لا يغير من واقع الأمر شيء، بل يجب أن يصل صوتنا للعالم الآخر الذي نجح بالوصول لكل واحد فينا، لنجد المواطن المنهمك في همومه يحدثك عن أمريكا والعنصرية وعن أوروبا والصين وكوريا وغيره.

 

ناريمان شقورة

2020-06-23